في 23 فبراير 2009، أصدرت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، قرارها الخاص بتوزيع رخص الجيل الثاني من المشاريع الإذاعية، وأمام دهشة واستغراب الكثير من المتتبعين وخبراء الإعلام في المغرب، رفضت (الهاكا) منح الترخيص ل«إذاعة خليج طنجة»، علما أن ملفها كان مستوفيا للشروط القانونية، المالية، الإدارية، التقنية، والأدبية..!! وهو نفس الملف الذي حظي بموافقة الجهات الإعلامية المسؤولة في إسبانيا. وبدا واضحا للجميع، أن حرمان «إذاعة خليج طنجة» من الترخيص القانوني، جرى على خلفية تحكم الهاجس الأمني والسياسي، في قرار هذه الهيئة، التي تتعامل بمنطق «أهل الثقة قبل أهل الخبرة»..!! كان خالد مشبال وعبد الحق بخات يتطلعان إلى تأسيس إذاعة احترافية بشروط مهنية رفيعة المستوى، تستهدف تقوية خدمات الإعلام في جهة طنجة تطوان (الفضاء المتوسطي للمغرب)، ودعم التواصل بين جميع مكونات الاستثمار، جهويا وطنيا ودوليا، لكن (خيبة أملهما) في (الهاكا) كانت كبيرة..!! بعد ستة أشهر فقط من صدور (القرار السلبي) للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، جاء رد خالد مشبال وعبد الحق بخات على (الهاكا) بطريقة عملية غير مباشرة، تتمثل في التوصل إلى مشروع مغربي إسباني يتم، بموجبه، انطلاق بث «إذاعة خليج طنجة» من إسبانيا، باسم «إذاعة المضيق». تعزيز حقل الإعلام في الضفتين: المشروع المغربي الإسباني، المتعلق بانطلاق «إذاعة المضيق» من جنوبإسبانيا، يتكون من خالد مشبال وعبد الحق بخات، كطرف مغربي، في حين يمثل الجانب الإسباني، مجموعة من المستثمرين الإسبان، الذين درسوا مشروع الإذاعة الجديدة، وعبروا عن استجابتهم للإسهام فيه، من منطلق (الإرادة المشتركة) لدعم حقل الإعلام بين الضفتين. أثناء النقاشات التي جرت بين الطرفين، في إطار تهيئة الملف المتكامل للمشروع، اقترح الجانب الإسباني أن ينطلق بث برامج «إذاعة المضيق» من مدينة سبتة، لكن هذا الاقتراح لم يجد قبولا لدى الطرف المغربي (المتمثل في خالد مشبال وعبد الحق بخات)، باعتبار مايعنيه ذلك من (اعتراف ضمني) بمدينة مغربية محتلة من قبل الإسبان، وبعد طرح ثلاث مدن إسبانية، تم الاتفاق بين الجانبين على اختيار واحدة من المدينتين (طريفة أو الجزيرة الخضراء) لاحتضان المقر الرئيسي ل«إذاعة المضيق»، نظرا للقرب الجغرافي من المغرب، الذي لا يستغرق أكثر من ساعة من الإبحار (حوالي 14 كيلومترا). استغرق الاتفاق المغربي الإسباني على مضامين المشروع الإعلامي الهام، عقد العديد من اللقاءات، والتوسع في مناقشة كل مايرتبط بتأسيس الإذاعة الجديدة، من شروط قانونية، ومالية، وتقنية، وإدارية، وبمجرد استكمال كل الإجراءات القانونية المرتبطة بانطلاقتها، سيتم تنظيم ندوتين صحافيتين، الأولى في الرباط، والثانية في مدريد، للإعلان الرسمي عن المشروع المغربي الإسباني، وأبعاده الإعلامية. من خلال الاطلاع المتأني على المضامين الأساسية لمشروع «إذاعة المضيق»، يتضح عدم استناد المشروع على (هواجس الربح التجاري)، فالأهداف الإعلامية التي تغذيه وتحركه، لا علاقة لها ب(المنفعة الاستثمارية)، بقدر ماتتطلع إلى تمتين العلاقات المغربية الإسبانية في شتى المجالات، وتكوين جيل إذاعي جديد، يتصف بالمهنية العالية المفتقدة في الإذاعات المغربية، وهذا مالم تلاحظه الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، أو بالأحرى أدركته جيدا، ثم تعامت عنه في «لحظة تغليب نزعة المحاباة والمحسوبية»، وفي «لحظة اختلال موازين نزاهة العقل والضمير»..!! تلقين الدرس ل«حكماء الهاكا»: انطلاق بث «إذاعة المضيق» من طريفة، أو الجزيرة الخضراء الإسبانية، بعد أن كانت «إذاعة خليج طنجة» ضحية لخضوع مسؤولي (الهاكا) ل (هواجس أمنية وسياسوية ساذجة وبالية)، لم يأت (اعتباطا)، بقدر ماتحكمت فيه عدة عوامل محفزة، من ضمنها وجود (تسهيلات مهمة) في منح التراخيص الإذاعية والتلفزية، دعما للرسالة الإعلامية، عكس مايحدث عندنا، فإسبانيا تتوفر على مايزيد عن ألف إذاعة منتشرة في مختلف المدن والبلدات الصغيرة، وهناك مدن إسبانية (مثل مدريد وبرشلونة) تتوفر على إذاعات خاصة بالأحياء أو المناطق، وهي إذاعات تختلف في توجهها الإعلامي، وفي طرائق اشتغالها الإذاعي، ونوعية المستمعين الذين توجه إليهم أخبارها وبرامجها. كما أن اختيار إسبانيا (الجارة الشمالية للمغرب) لاحتضان إذاعة باسم «إذاعة المضيق»، بعد إصرار (حكماء الهاكا) على (وأد «إذاعة خليج طنجة» في المهد)، يعكس (رهانا مهما) يتعلق بتكريس البعد المتوسطي للمغرب، على صعيد الخدمات الإعلامية الجادة والمتميزة، إضافة إلى (الخيار الأكبر) المرتبط بخلق (أكثر من جسر) بين البلدين المغرب وإسبانيا، وتقوية أواصر التواصل البناء بين الشعبين، في أفق المصالح المشتركة الدائمة. ثم إن تواجد «إذاعة المضيق» فوق التراب الإسباني، سيضيف الكثير من (الخبرات المهنية) إلى رصيدها، في ظل توافر أحدث التقنيات الإذاعية في إسبانيا، إضافة إلى مايمتاز به الإعلام السمعي البصري في الضفة الأخرى من المتوسط، من (تنافسية محفزة)، و(سباق محموم) نحو التميز والفرادة، وكل هذه العوامل المشجعة، فضلا عن اتساع نطاق حرية الرأي والتعبير، وحرية الترخيص، ستتيح ل«إذاعة المضيق» الفضاء الملائم لإنجاح أهدافها الإعلامية، بشروط مهنية أكثر احترافا. إن القرب الجغرافي بين طريفة وطنجة (14 كيلومترا)، لن يطرح (مشكل التنقل) بين الضفتين، ذلك أن إبحار مسؤولي الإذاعة وطاقمها بين الميناءين (الجزيرة الخضراء وطنجة)، لن يستغرق، على أكثر تقدير، سوى ساعة فقط. أكثر من ذلك، إن انتقال الموظفين المغاربة من العاصمة الرباط بين المدن المجاورة المستقرين بها، يستغرق ضعف مدة التنقل مابين الضفتين المتقاربتين، المغرب وإسبانيا. الحديث عن بث برامج «إذاعة المضيق» المغربية من إسبانيا، يستدعي طرح معضلة (هجرة الأدمغة)، النزيف الحاد والمزمن الذي تعانيه مجمل الدول المتخلفة، ولعل رفض الترخيص لهذه الإذاعة في المغرب، والترحيب بها في الضفة الأخرى لأوربا، يقدم الدليل الواضح على أسباب هجرة (عقولنا المفكرة) من وطنها إلى حيث تجد التقدير الذي تستحقه. إذاعتان في إذاعة واحدة: عندما قدمت «إذاعة خليج طنجة» ملفها للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، ضمنته مشروعا متكاملا لبرمجة شاملة ذات أبعاد إعلامية غير مسبوقة، أنجزها مايسترو الإعلام المغربي، خالد مشبال، وبعد حرمانها من الترخيص القانوني، وتبلور المشروع المغربي الإسباني، تم إغناء برمجة مشروع «إذاعة خليج طنجة»، وتوسيع أبعاده الإعلامية في المشروع الجديد «إذاعة المضيق»، لتشمل المجال المتوسطي بمجمله. وحسب مضمون المشروع المغربي الإسباني، ستبث «إذاعة المضيق»، بإدارة مباشرة من خالد مشبال، أخبارها وبرامجها المتنوعة على مدار أربع وعشرين ساعة، باللغتين العربية والإسبانية بالتساوي، أي تخصيص مدة البث المذكورة لبرامج كل لغة، أي إذاعتين في إذاعة واحدة. وستغطي الإذاعة الجديدة المغرب كله، ولن تقتصر على البث الجهوي، كما ستمتد تغطيتها للمجال الترابي المغاربي الواقع في منطقة البحر الأبيض المتوسط (الجزائر وتونس)، إضافة إلى انفتاحها الإعلامي (تغطية وبثا) على دول إسبانيا، فرنسا، البرتغال، بلجيكا، وهولندا، لاستقطاب مايزيد عن خمسة ملايين مهاجر مغربي وعربي. ورغم تمركزها فوق التراب الإسباني (طريفة أو الجزيرة الخضراء)، إلا أن «إذاعة خليج طنجة»، بالاستناد إلى مضمون مشروعها الجديد «المضيق»، تشكل إذاعة مغربية مائة في المائة، سواء في توجهها الإعلامي، أو اعتمادها الأساسي على الكفاءات المغربية. تتأسس «إذاعة المضيق» على ثلاثة أبعاد إعلامية أساسية متكاملة ومتجانسة فيما بينها: . أخبار ذات مصادر موثوقة، ومبنية على الدقة في النقل، والموضوعية في التحليل والطرح. . برامج هادفة، مقدمة وفق مهارات مهنية تخاطب الرأي العام المغربي بمختلف شرائحه الاجتماعية والثقافية. . إفساح فترات البث الإذاعي اليومي لمواد رياضية ومنوعات غنائية شمولية، تستند إلى (انتقائية احترافية). اختارت «إذاعة المضيق» لنفسها، استشراف (تطلعات كبرى) لم ترق إليها الإذاعات المغربية التي حظيت (بترخيص غريب) من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، في مقدمتها الأهداف الهامة التالية، التي ستشكل (الركائز الأساسية) للخطاب الإعلامي المغربي للإذاعة الجديدة: . دعم الاستثمارات الإسبانية في المغرب، ونظيرتها المغربية في إسبانيا، من منطلق تكريس الإعلام كرافعة لإنعاش المجال الاقتصادي بين ضفتي المتوسط. . إيلاء الاهتمام الكبير بقضايا المهاجرين المغاربة المقيمين في الدول الأوربية، وإفساح المجال الإذاعي أمامهم للتعبير عن المعضلات التي يواجهونها في دول إقامتهم. . توظيف الإعلام الجاد والموضوعي في خدمة رهان تنمية العلاقات الثنائية بين المغرب وجارته إسبانيا، والإسهام في تذويب الخلاف في وجهات نظر البلدين، تطلعا إلى كل ماهو مشترك وثابت في شتى المجالات. . دعم الفكر الديمقراطي في المغرب، والتشبث الراسخ بالدفاع عن الملكية الدستورية الديمقراطية في المغرب، وتنمية (حس المواطنة) لدى المغاربة أجمعين. «خليج طنجة» أو «المضيق» مدرسة إعلامية: من المؤكد أن «إذاعة خليج طنجة» المرفوضة في المغرب، و«إذاعة المضيق» المرحب بها في إسبانيا، بالشروط المهنية الاحترافية التي استعرضنا ركائزها الأساسية ضمن هذا التقرير، سوف تشكل (درسا بليغا) للإذاعات الموجودة في المغرب، التي تفتقر إلى (الحس الإعلامي)، وتنعدم فيها (أبجديات المهنة)، لأنها ستمثل، في الواقع، (مدرسة إعلامية) مكتملة الملامح والمواصفات، خاصة أن المسؤولين عنها يملكون خبرة إذاعية استثنائية عمرها نصف قرن من التجربة الممتدة، كما تتجلى في قيدوم الإعلاميين، خالد مشبال. كما أن انطلاق بثها من الضفة الجنوبية، لحوض المتوسط، سيمكن «إذاعة المضيق» من (المواكبة الفاعلة) لما وصل إليه التطور الإعلامي والسمعي في العالم، انطلاقا من أوربا، من (قفزات مذهلة)، على جميع الأصعدة، تقنيا، تحريرا، إنتاجا، وبثا. ويقينا، وبدون أدنى مبالغة، إن بث برامج «إذاعة المضيق» من إسبانيا، وعلى النحو الاحترافي المتوقع والمؤكد، يشكل (صفعة قوية) للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) التي اخترقها (بارونات النفوذ السياسي) وحولوها إلى «مؤسسة زبونية تحت الطلب»..!!