لأول مرة منذ صدور قانون تحرير قطاع الإعلام في المغرب، تعتزم إذاعة مغربية الرحيل خارج المغرب بعد أن تم رفض الترخيص لها من طرف «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» (الهاكا). وكان مقررا، في حال الترخيص لها، أن تعمل إذاعة «خليج طنجة» من داخل مدينة البوغاز، حيث كان مرتقبا أن تكون ثاني إذاعة جهوية في المدينة بعد إذاعة «كاب راديو»، إلا أن رفض ملفها من طرف الهاكا جعل المسؤولين عنها يغيرون وجهتهم نحو الجارة إسبانيا، حيث يرتقب أن تفتح مقرا لها في مدينة الجزيرة الخضراء أو طريفة، على الضفة الأخرى من مضيق جبل طارق. وكانت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري رفضت قبول ملف إذاعة خليج طنجة في فبراير الماضي لأسباب وصفها مصدر بالهاكا بأنها مرتبطة ب«ضعف الملف»، بينما يقول مسؤولون عن هذه الإذاعة إن ملفهم كان مستوفيا لكل الشروط الضرورية والمهنية. مصدر من «الهاكا» صرح ل«المساء» بأنه من الصعب أن تمنح إسبانيا ترخيصا إذاعيا لمغاربة فوق التراب الإسباني، وبأن ذلك يتطلب حصولهم على الجنسية الإسبانية بالضرورة، بينما يقول مسؤولو «خليج طنجة» أو «إذاعة المضيق» إن الحصول على ترخيص تم استصداره بسهولة ومن بلدية إقليم الأندلس، عكس الماراثون الطويل المعمول به في المغرب، وأن وجود شركاء إسبان في المشروع ذلل كل العقبات. مصدر الهاكا صرح أيضا بأن عدم الترخيص لإذاعة «خليج طنجة» كان بسبب عدم استيفاء الملف للشروط اللازمة لذلك، وأضاف قائلا «كان ملفها بسيطا وغير مقنع». هذا الرأي يرد عليه مسؤولو الإذاعة المغربية بالقول إنه محض افتراء وإن ملف إذاعة خليج طنجة كان على قدر كبير من الاحترافية، وإنه الملف الوحيد الذي تضمن جردا لسنة كاملة من البرامج، بما فيها برامج على قدر كبير من الاحترافية والمهنية. خالد مشبال، الإعلامي المغربي الذي قاد إذاعة طنجة في أوج ازدهارها على مدى عقود، يقول إن ملف إذاعة خليج طنجة كان يتضمن أدق التفاصيل حول أدائها، بما فيها برنامج سنة كاملة من العمل، وإنه خلال جلسة الاستماع إلى تقديم ملف الإذاعة أمام أعضاء الهاكا، تلقى مسؤولو «خليج طنجة» تهانئ فورية من الأعضاء، ووصفوا الملف بأنه ممتاز ومتكامل، وأن قضية الترخيص كانت مسألة وقت فقط. وأضاف مشبال، الذي يعتبر «الجوكر» الذي تراهن عليه الإذاعة الجديدة، أن إذاعة «خليج طنجة»، التي سيصبح اسمها «إذاعة المضيق» بعد انطلاق بثها من إسبانيا، ستشكل بالفعل مفخرة للعمل الإذاعي في المغرب، وستمنح مصداقية للإعلام الحرفي الحقيقي. وعبر مشبال عن صدمته مما أسماه «القرار غير المفهوم الذي صدر عن الهاكا، في الوقت الذي عبر رئيس الهيئة بنفسه عن إعجابه بالملف المقدم لها. «رفضها جعلني أتأثر كثيرا لذلك القرار الذي لم نكن نتوقعه»، يقول مشبال. وأشار مشبال إلى أن ملف الإذاعة حظي بإعجاب كبير من طرف أعضاء الهيئة العليا للاتصال. «لقد تلقينا تهانئ حوله حتى قبل أن تصدر الهاكا قرارها، وشد مسؤولون من الهيئة على يدي بحرارة، لأن الملف كان يتوفر على كل الشروط المطلوبة». ويقول مشبال إن إذاعة المضيق ستعمل بشراكة مع مستثمرين إسبان في مجال الإعلام، وإن مقرها يرجح أن يكون في إحدى المدينتين، طريفة أو الجزيرة الخضراء، وإن الطرف المغربي في الإذاعة يتألف منه شخصيا ومن عبد الحق بخات، المدير الحالي لأسبوعية «لوجورنال دو طونجي» المحلية، والطرف الثاني يمثله مجموعة من المستثمرين الإسبان. وكان المساهمون الإسبان في «إذاعة المضيق»، اقترحوا في البداية أن يكون مقر الإذاعة في مدينة سبتة، غير أن هذا الاقتراح لقي رفضا من الجانب المغربي، نظرا إلى أن ذلك سيكون اعترافا ضمنيا بإسبانية هذه المدينة. وفي الوقت الذي يرتقب أن تبدأ إذاعة المضيق البث بعد حوالي سنة، فإن خالد مشبال يرى أن الصورة واضحة منذ الآن لحل جميع الإشكالات المتعلقة بوجود طاقم مغربي يشتغل في إسبانيا، حيث سيكون هناك تنقل يومي ما بين طنجة والجزيرة الخضراء أو طريفة على طريقة «النافيط»، وهو تنقل يراه ميسرا بالنظر إلى أن السفن السريعة لا تقضي أكثر من نصف ساعة ما بين ميناءي طنجة وطريفة، وهو أقل ما يقضيه مثلا القطار الرابط بين مدينتي الرباط والدار البيضاء. أما الإشكال المتعلق بالموارد البشرية في «إذاعة المضيق»، فيرى مشبال أنه سيكون مزيجا من الصحافيين الإذاعيين من ذوي الخبرة، وبين صحافيين شباب وأكفاء، بالإضافة إلى تكوين مستمر للمشتغلين في هذه الإذاعة، وأيضا استقطاب إذاعيين متقاعدين لهم خبرة طويلة في هذا المجال. إذاعة المضيق، ستكون، وفق التصور المرسوم لها، إذاعتين في إذاعة واحدة، واحدة تبث باللغة العربية وأخرى تبث باللغة الإسبانية، وسيكون بثها موجها، ليس فقط نحو منطقة طنجة وشمال المغرب، كما كان مرسوما لها في البداية، بل نحو المغرب وبلدان شمال إفريقيا، بالإضافة إلى إسبانيا والجنوب الأوربي. ويقول مشبال «نحن سنمتلك حرية أكبر في معالجة مختلف القضايا، في إطار احترام الثوابت الوطنية والدينية المغربية، وسنعالج القضايا المغربية بقدر كبير من المهنية التي يخولها لنا توجهنا نحو جمهور أوسع ما بين شمال إفريقيا وأوربا، وسنخصص كذلك حيزا مهما لتحليل الأخبار واستضافة باحثين ومحللين، كما سنخصص فترات زمنية مهمة للرياضة خلال نهاية الأسبوع». إن إذاعة المضيق، يضيف مشبال، «ستكون مفخرة للإعلام المغربي، وإضافة حقيقية للمشهد الإعلامي، وستكون أيضا مفخرة للهاكا التي منحت تراخيص لعدد من الإذاعات، التي أصبحت توزع عليها الإنذارات بسبب إخلالها بمواثيق العمل الإعلامي». رحيل «إذاعة المضيق» نحو إسبانيا وعدم وجود ترشيح آخر لإذاعة محلية في طنجة، سيجعل إذاعة «كاب راديو» الوحيدة حاليا، بل ولسنوات مقبلة، التي تملك حق البث في المنطقة، وهي التي حصلت مؤخرا على حق البث وطنيا، بحيث تقدم برامجها بمزيج من الدارجة والأمازيغية. ويبدو أنه على الرغم من اعتبار طنجة القطب الاقتصادي والديمغرافي الثاني في المغرب، فإن المجال الإعلامي بها لا يتسع لكثير من الأصوات، حيث توجد بها حاليا إذاعة واحدة، والإذاعات المقبلة ربما ستكون مجبرة على طلب «اللجوء الإعلامي» في الأراضي المجاورة، لأسباب قد تكون مرتبطة بالسياسة وبالإشهار وبالنفوذ.