في هذه الحلقات سنحكي قصة الضابط المغربي علي نجاب، الذي كان رهن الأسر لدى البوليساريو لمدة 25 سنة، فبعد عدة لقاءات مباشرة مع هذا الضابط الطيار المتقاعد، روى لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» تفاصيل حياته منذ النشأة الأولى، دراسته الابتدائية بتازة والثانوية بالدار البيضاء والجامعية بفرنسا وأمريكا للتكوين في مجال الطيران، ويروي علي نجاب كذلك عن سيرته العملية في الجيش المغربي، وكيف سقط في يدي العدو بالصحراء المغربية، ويتذكر تفاصيل المعاناة والتعذيب الوحشي بمعتقلات تندوف لدى البوليساريو، ويكشف حقائق جديدة لأول مرة حول شخصيات عربية ومغربية، ومواقفهم المعادية للوحدة الترابية، كما يعطي وجهة نظره حول نزاع الصحراء المفتعل كمشارك في حرب الصحراء المغربية، ويتذكر أيضا هنا حين زار المنبهي مخيمات تندوف، كما هو الشأن لعلي المرابط الذي حاور عبد العزيز المراكشي بتندوف، ويتحدث عن أشياء أخرى كالمسيرة الخضراء، وجمعية ضحايا وأسرى الوحدة الترابية، وعن الإفراج عنه وكيفية الاستقبال بالمغرب. ومن بين الشخصيات التي زارت مخيمات الذل والعار ومعتقلات البوليساريو، الفريق المصري سعد الشادلي قائد أركان القوات المصرية في حرب أكتوبر73 ، لقد زارت هذه الشخصية العسكرية تندوف سنة 1979 ، فتم تجميعنا نحن الأسرى من أجل مقابلته، فلما كان أمامنا يقول علي نجاب كان يرتدي لباسه العسكري المصري وبقبعة المظليات، وكان يرافقه في هذا اللقاء عقيد جزائري وهو أيضا يرتدي لباسه العسكري الجزائري، فسألني سعد الشادلي، أنت أيها الطيار المغربي ما هو الوزن الأقصى لطائرتك F5a عند الإقلاع ؟ فتعمدت أن أعطيه رقما خاطئا، فسألت أنا بدوري علي نجاب لماذا لم تعطي لسعد الشادلي الرقم الحقيقي لوزن الطائرة عند الإقلاع، فقال نجاب، لو أعطيته وهو الخبير في المجال الحربي الرقم الحقيقي لاكتشف الحجم الحقيقي لكمية الذخيرة التي كنا نحملها ونستعملها أثناء الحرب لمواجهة هجمات البوليساريو، ويسترسل نجاب ولما انتهيت من الكلام نظر إلي سعد الشادلي قليلا وبدون تعليق، وبعد ذلك قال لي الضابط الجزائري ما هو رأيك في زيارة الفريق المصري سعد الشادلي إلى البوليساريو؟ فلما كانوا أمامي لم أعقب بكلمة واحدة عن هذا السؤال الملغوم أمام كل الأسرى المغاربة، وفي الوقت الذي يمران فيه (سعد الشادلي والعقيد الجزائري) من أمام الأسرى، قلت بصوت منخفض -وهنا أكد علي نجاب ان نكتب ما قاله بالفرنسية وفيما بعد سنشرحه بتفصيل - Dans ce sac ridicule où Scapin S>enveloppe; je ne reconnais plus, l auteur du misantrope وهنا أشار علي نجاب الى الكاتب المشهور الفرنسي موليير، الذي قال عنه ناقد روائي لما قرأ رواية la misantrope التي يضع موليير احد شخصياتها Scapin في كيس، فهذا الناقد لا يعترف بكاتب la misantrope التي تعتبر إحدى الروايات المشهورة لموليير، وحينها سألته ماذا تقصد بهذا وعلاقة ذلك بالفريق سعد الشادلي وزيارته للبوليساريو وسؤال الضابط الجزائري، فابتسم علي نجاب وقال أن هذا اللباس العسكري الذي يرتديه الفريق سعد الشادلي بتندوف يجعلني لا أعترف بالبطل رئيس أركان حرب أكتوبر، فالتفت حينها إلي الضابط الجزائري قائلا وماذا يعني ذلك، وقال له سعد الشادلي، لا تهتم بالأمر فلقد فهمت قصده. وفي مناسبة ثانية، يتذكر علي نجاب على أن الفريق سعد الشادلي المصري زار تندوف مرة ثانية، فقرر البوليساريو بأن لا يكون علي نجاب حاضرا في هذا اللقاء، لكي لا احرجهم واحرج ضيوفهمو بل لكي لا افضح مخططاتهم الدعائية التي تحاول زعزعة الوطنية الراسخة في أعماق الأسرى المغاربة، ومحاولة إقناع الأسرى المغاربة بأننا نخوض حربا ضد ثوار أحرار ونسعى لاحتلال أرضيهم بدون وجه حق، لكي يستخدموننا في إستراتيجيتهم الإعلامية على وعسى أن يكسبوا من وراء ذلك بعض النجاحات السياسية، في الحرب النفسية التي كان يقومون بها عن طريق ما كانوا يبثونه بما يسمى إذاعة البوليساريو التي كانت تذيع برنامجا يسمى «مغرب الشعوب»، قال لي بعض أصدقائي من الأسرى المغاربة على أن الفريق سعد الشادلي جاء هذه المرة لتندوف بلباس مدني عادي وليس ببذلته العسكرية.