في هذه الحلقات سنحكي قصة الضابط المغربي علي نجاب، الذي كان رهن الأسر لدى البوليساريو لمدة 25 سنة، فبعد عدة لقاءات مباشرة مع هذا الضابط الطيار المتقاعد، روى لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» تفاصيل حياته منذ النشأة الأولى، دراسته الابتدائية بتازة والثانوية بالدار البيضاء والجامعية بفرنسا وأمريكا للتكوين في مجال الطيران، ويروي علي نجاب كذلك عن سيرته العملية في الجيش المغربي، وكيف سقط في يدي العدو بالصحراء المغربية، ويتذكر تفاصيل المعاناة والتعذيب الوحشي بمعتقلات تندوف لدى البوليساريو، ويكشف حقائق جديدة لأول مرة حول شخصيات عربية ومغربية، ومواقفهم المعادية للوحدة الترابية، كما يعطي وجهة نظره حول نزاع الصحراء المفتعل كمشارك في حرب الصحراء المغربية، ويتذكر أيضا هنا حين زار المنبهي مخيمات تندوف، كما هو الشأن لعلي المرابط الذي حاور عبد العزيز المراكشي بتندوف، ويتحدث عن أشياء أخرى كالمسيرة الخضراء، وجمعية ضحايا وأسرى الوحدة الترابية، وعن الإفراج عنه وكيفية الاستقبال بالمغرب. يقول علي نجاب أثناء الاستنطاق تذكرت ما قاله لي الجنرال القباج حين سألته يوما ما قبل أن يتم أسري، عن كيف يمكن لطيار أن يتصرف إذا ما سقط في يدي العدو، فقال لي الجنرال القباج يومها، أنت وعدوك رجلان يملكان عضلات وكل واحد يعرف قوة الآخر، ويترقب هجومه وهذا في حد ذاته ليس سرا، فالسر يكمن في متى سيهاجمك؟ وكيف سيهاجمك؟ فهذا الضابط من حسن حظه أن كان قد تلقى مثل هذا الجواب من الجنرال القباج، لكن من غريب الصدف أن علي نجاب سبق له أن طرح نفس السؤال على ضابط في المكتب الثاني بأيام قليلة قبل أسره، وكأن قدره كان ينبئ إحساسه على أنه سيقع يوما ما في مثل هذا الموقف، فكان جواب الضابط المغربي التابع للمكتب الثاني « اذا وقعت لاقدر الله في أيدي العدو يمكن أن تقول كل ماشئت خلال الاستنطاق إلا نقطة واحدة لا يجب السقوط فيها، فإياك أن تقبل بشتم المقدسات والثوابت الوطنية لبلدك. فهذا الجواب الخاص بالضابط المغربي التابع للمكتب الثاني، ساهم في مكافحة ومقاومة علي نجاب بشدة للامتناع وللرضوخ لرغبة مستنطقيه، من أجل تحقيق ما كان يهدفون إليه خلال خمسة وأربعون يوما من الاستنطاق، هذه الرغبة المتمثلة في سب وشتم النظام المغربي ومؤسساته، ويقول نجاب لقد انتبهت مبكرا إلى شيء مهم جدا، ساهم في قهر المكلفين باستنطاقي، وخلق لهم متاعب في عملهم هذا، حيث كنت احتفظ بكل الأجوبة التي كنت أدلي بها في كل حصة من الاستنطاق، وكنت أحفظها عن ظهر قلب في الليل، فهكذا اقتنعوا بصحة أقوالي، والشيء الذي كان بعيدا عن الحقيقة ولا يمت بأية صلة بها بتاتا. فبعد خمس وأربعين يوما من الاستنطاق، عادت القوات الجزائرية بعلي نجاب متدهورا ومنهوك القوة إلى معسكر البوليساريو بالرابوني، فلأول مرة سيرى كيف يعيش الأسرى المغاربة في أيدي البوليساريو، ويقول علي نجاب «بكامل الصراحة كان الأمر صعبا للغاية، فرغم التعذيب الذي عانيت منه أثناء الاستنطاق، لم أر ما رأته عيني من وضعية لاإنسانية ومنحطة لما يعيش فيه الأسرى المغاربة، إنه قمة الذل والاهانة لبني الإنسان». لقد وجدت الأسرى يسكنون بحفر غير مغطاة في الأرض، ودام ذلك لمدة عشر سنوات، تحت حرارة الشمس الحارقة في فصل الصيف، والبرد القارص خلال فصل الشتاء، وبدون غطاء ولا فراش، ويتذكر نجاب أنه خلال شهر فبراير 79 لما سقطت أمطار غزيرة بمعسكر البوليساريو وصلت المياه في تلك الحفر التي يستقر بها الأسرى المغاربة إلى متر بداخلها، وقضى الأسرى ليلة كاملة في المياه التي غمرت تلك الحفر فوصلت حتى الحزام للأسرى، ففي الصباح جاء مسؤول من البوليساريو ببعض الخيام وطلب مني أن أعين الجنود المغاربة على بنائها وتركيبها، فكانت بالنسبة إلي المرة الأولى من نوعها التي اقترب فيها من الأسرى المغاربة، فكانت مناسبة وفرصة سانحة كي أتحدث معهم واعرف بعض الأخبار وخصوصا وأنني حديث العهد بالاستقرار في هذا المعسكر. ويقول نجاب، بعد عودتي تم وضعي في زنزانة صغيرة جدا، بمديرية الأمن التي تتواجد بساحتها الكبيرة تلك الحفر التي يسكنها الأسرى المغاربة، الذين كان يقدر عددهم ب ثلاثة مائة أسير، وكان محرما علي الحديث معهم. لكن أثناء بناء الخيام اخبروني بالمعاناة والمأساة اللانسانية التي يعيشونها يوميا وعلى أنهم تعرضوا هم الآخرون للضرب والتعذيب خلال الاستنطاق من قبل ضباط جزائريين وقياديين من البولساريو ، كما أخبروني بأن هناك ضباط مغاربة وطيارين أسرى يوجدون بالجزائر في معسكرات البليدة وبوغار وبوفارق قرب العاصمة الجزائر مع مجموعة من الجنود الذين يتراوح عددهم تقريبا 400 أسير، ويتواجد فيما بينهم أسرى موريتانيون الذين سيطلق سراحهم بعد توقيف إطلاق النار بين موريطانيا والبوليساريو سنة 1978 .