المخزن أخذ كذلك الدروس والعبر من المغامرات الفردية التي أقدم عليها «ضباط ضائعون» (المذبوح، أوفقير، الدليمي...) لكن لابد من إضافة علاقة محورية ل «المجموعة» الجديدة لفهم الكيمياء التي لاتزال عاملة، التي نسجها الحسن الثاني في التقاليد العلوية: فالوزير الأول في جمهورية الريف التي أعلنها عبد الكريم الخطابي الدكتور بوجيبار (المتوفي سنة 2003) تم نفيه الى الجديدة، وتزوج هناك ابنة خالته، إحدى بنات عبد الكريم الخطابي. أما أخت الدكتور بوجيبار فقد تزوجت عبد الكريم الخطيب، رابطة بذلك عائلة متمرد الريف بأحد أوفياء الحسن الثاني. ورغم تباعد الأجيال، فعبد الكريم الخطيب هو صهر بالعلاقة مع إحدى بنات عبد الكريم الخطابي. هذه العلاقة الريفية جد مهمة بالنسبة للقصر، لأنها تضمن اتصالا دائماً مع إحدى جبهات المعارضة التاريخية والأكثر إصراراً وعزماً في قبائل الريف. وهكذا يمكن جزئياً تفسير الدور الكبير الذي لعبه عبد الكريم الخطيب سنة 1955، في الخروج من الصراع المسلح بالريف (59/58) ثم في تأسيس الحركة الشعبية سنة 1959، وهذا الحزب أصبح معبراً سياسياً نحو الدولة بالنسبة للنخب الريفية بعد هزيمتهم العسكرية الثانية. ومن بين أصدقاء عائلة الخطابي الذين ظلوا في المغرب، هناك الإخوة: المنصوري المنحدرين من الناظور، وهم ريفيون مندمجون في المخزن الأول هو بن علي المنصوري هو عضو في الديوان الملكي وعضو مؤسس للجمعية الثقافية والاجتماعية لحوض المتوسط. الثاني هو الجنرال ميمون المنصوري قائد الحرس الملكي منذ اختفاء الدليمي ومحمد بوعطار. هذان الأخوان حصلا من الحسن الثاني سنة 1993 على ظهير التقدير والاحترام الذي هو بمثابة تأكيد لسلالة الشرفاء، ويجبر السلطات العمومية بالناظور على معاملتهم بالاحترام الواجب للشرفاء. ويعتبر تعيين شرفاء في أوساط أمازيغية عملا سياسياً كبيراً. الأخ الثالث هو مصطفى المنصوري، هذا الأستاذ الجامعي الذي بدأ حياته السياسية كمسؤول عن فرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بريمس حيث درس. ثم نائباً عن مدينة الناظور حيث ترأس الفريق البرلماني لحزب التجمع الوطني للأحرار (98/92)، وترأس جهة الشرق ثم رئيس المجلس البلدي لجماعة العروي. عين وزيراً للنقل في حكومة التناوب 98 ثم وزيراً للصناعة (2000) والتشغيل في حكومة جطو. ثم انتخب خلفاً لأحمد عصمان على رأس التجمع الوطني للأحرار (2007) وأصبح يوم 16 أكتوبر 2007 رئيساً لمجلس النواب. هذا التدبير الرفيع والممنهج للنخب والمعارضين للنظام هو عمل شاق وطويل النفس. فالرجال يمرون، ولكن الخبرة والبنية تبقى. فذاكرة المخزن قوية وطويلة، وهو ما يسمح له بخنق محاولات استقلال أو تمرد العائلات وأفرادها. ومختلف المسؤولين والمعارضين يدخلون في شبكات علاقات متشعبة ولكنها فعالة، وبالتالي فهم ملزمون باحترام قسم البيعة. ويلزمون به أنفسهم وأقاربهم وأبناءهم، فالاستراتيجية العائلية في قلب هذه التحالفات المتشابكة التي تتداخل باستمرار مع المنطق الحزبي أو المؤسساتي أو الاداري. ففي هذا النظام، الرجال بدون ارتباط خطيرون. بالنسبة لأمنهم الخاص أو بالنسبة لأمن الجميع، لذلك يجب إدماجهم في الشبكة بتزويجهم. هذا العمل ذي الطابع الأرستقراطي يدمج بين الشرفاء الذين هم الضمانة الدينية والسلالية للجميع، وبين «العوام»، هذه البورجوازية الفاسية مشكلة من عائلات كبرى اغتنت من التجارة، وفي خدمة الدولة أو في خدمة الاسلام (العلماء). وأرقى هذه العائلات تنحدر من سلالة أندلسية (برغاش، أندلسي، قباج، سلاوي، برادة...) أو سلالة يهودية أندلسية (بنشقرون، لحلو، الكوهن...) لكن مؤهلين جدد مازالوا يلتحقون بهذا النظام، وبالتالي يسمحون له بالاستمرار. كان ذلك حال «الجزائريين» تحت الحماية (الخطيبي، لخضر، عصمان، سيناصر...) ثم بعد 1956 الحاصلون على دبلومات عليا (مزيان بلفقيه، بنموسى، مراد الشريف، أبو يوب، حلاب...) والضباط الأمازيغيون (أحرضان، أوفقير، أمقران...) وهو حال الوافدين الجدد (بنهيمة، أوريد، المنصوري...) لاسيما وأن القصر بإمكانه، إذا أراد ذلك، أن يمنح ظهير التقدير والاحترام الذي يمنح الهبة والشرف، كما حصل مع الإخوة المنصوري. وسيكون من المجحف ادعاء أن محمد السادس يراقب كليا هذه الشبكات المخزنية الواسعة، ولكن عن طريق لعبة التحالفات ومعرفته بالعائلات، وسلطته في التعيين والنفوذ، واطلاعه عن طريق تقارير المخابرات وعن طريق عائلته وعن طريق قنوات متعددة أخرى. فهو يمارس بمساعدة الدوائر القريبة منه، مراقبة متيقظة للمسارات والمؤهلات، لا يتردد في التوبيخ أو الترقية، ولكن لضمان تنقل دائم ومستمر للنخب في مملكته. ومحمد السادس عبر عن مطالبه في مجال الكفاءة وإدماج الأطر. وكان حتمياً أن يشجع المهندسين خريجي المدارس العليا الفرنسية.