في يوم الأحد 6 شتنبر 1959 عقد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مؤتمره التأسيسي، بعد حوار سياسي واسع على الصعيد الوطني منذ خمسين سنة، يوما بيوم عاش الحزب الوطني التقدمي في قلب تحولات مغرب المستقبل، وشارك بفعالية في تشكيل الملامح الاساسية لمغرب اليوم. لم يتوقف الاتحاد الوطني (الاتحاد الاشتراكي في ما بعد) في أية لحظة طوال نصف قرن عن متابعة هدفين نبيلين وضعهما نصب عينيه: بناء دولة ديمقراطية حديثة، وتحقيق عدالة اجتماعية لصالح القوات الشعبية. خلال نصف قرن كان الاتحاد حاضرا في المعارك السياسية، حول الحق في الاختلاف، والحق في التعبير والحق في الكرامة، فكان هذا الحضور تجليا يوميا في النضال النقابي، الطلابي والعمالي، وفي ربط الجسور النضالية بين البادية والمدينة، وفي العمل الاعلامي والنقابي والجمعوي، وفي الانتصار لقضايا التحرر في العالم العربي وعلى المستوى الدولي. خلال نصف قرن أعطى الاتحاد للعمل السياسي بعدا أساسيا في الحياة الوطنية، سواء من خلال المعارك السياسية التي خاضها أو من خلال المجهود الفكري الذي انصب على تحليل المجتمع، وعلى التقاط إشاراته وخصائصه الدالة. وفي كل ذلك توخى الاتحاد دائما أن يعمل على ترسيخ الثوابت الاساسية، سواء في ما يتعلق بوحدتنا الترابية أو بنظامنا الملكي أو بمعتقداتنا الدينية، أو بتعدد مكوناتنا الثقافية واللغوية، وانتمائنا الى مجال سياسي وثقافي واقتصادي مشترك على صعيد المغرب العربي والعالم العربي كما توخى الاتحاد موازاة مع ذلك العمل علي ترسيخ تقاليد النضال الديمقراطية، خصوصا بعد مؤتمره الاستثنائي سنة 1975، عندما كان سباقا الى اعتبار البناء الديمقراطي أفقا وحيدا لبناء الدولة الحديثة في المغرب، وسعى بناء على ذلك الى توسيع ثقافة المشاركة وتعبئة الإرادات الحية للدفاع عن حرية الانتماء والتعبير، وعن الانتخابات النزيهة، والاقتراع الحر، والمؤسسات الفعالة. إن استحضارنا لهذه التجربة الغنية، هو أيضا استحضار لكل تلك الإرادات الوطنية المخلصة مجسدة في شهدائنا، المهدي بنبركة وعمر بنجلون وفي قادتنا الراحلين عبد الرحيم بوعبيد والفقيد محمد البصري، وعبد اللطيف بن جلون، ومحمد الحبيب الفرقاني، ومصطفى القرشاوي وفي القادة الذين مازالوا حاضرين في حياة الاتحاد ووجدان مناضليه وعلى رأسهم أخونا المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، والكاتب الاول السابق محمد اليازغي. كما أن استحضار هذه التجربة، هي أيضا استحضار لآلاف المناضلين الذين بنوا الاتحاد بتضحياتهم، وقيمهم وإخلاصهم فبدون تلك الجهود العظيمة لم يكن حزب القوات الشعبية ليحقق ما حققه من مكتسبات يُعتمد عليها اليوم للتوجه نحو المستقبل. وأخيرا فإن استحضار هذه التجربة بنقط قوتها، ونقط ضعفها، بانتصاراتها وإخفاقاتها، هو دعوة لقراءة نفاذة وموضوعية لتاريخنا السياسي الحديث ودعوة الى تفكير عميق في المستقبل، ذلك أننا نعتبر هذا التراث النضالي الكبير ملكا للشعب المغربي، ولبنة من لبنات بناء مستقبله، ولن نقوم إزاءه بواجب الوفاء، والالتزام إلا إذا جعلناه في خدمة مشاريع الاصلاح والبناء التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية