«وجدة (1907 -1960 ).. ذاكرة وهوية وكوسموبوليتية» هو عنوان معرض للصور ينظم حاليا برواق الفن بوجدة ويتواصل إلى غاية 7 شتنبر المقبل. ويمنح هذا المعرض، المنظم تحت إشراف مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية بوجدة، للزوار من خلال حوالي 80 صورة سفرا في الزمن هو حنين إلى الماضي بالنسبة للبعض واكتشاف بالنسبة لآخرين. وبالرغم من أن هذا المعرض، الذي ينظم بمبادرة من الأستاذ الباحث بدر المقري، لا يغطي إلا فترة قصيرة نسبيا من تاريخ مدينة تضرب جذورها في التاريخ، فإنه يثير الانتباه إلى ضرورة صيانة الذاكرة الجماعية للثرات الوطني ونقله إلى الأجيال القادمة. وحسب بدر المقري، فإن هذا المعرض «يمكن ألا يبدو إلا كتفصيل ولكن الأكثر أهمية هو أنهذه المبادرة لا يمكن أن تثمن إلا بالأخذ بعين الاعتبار هدفيها الكبيرين المتمثلين في التغلب على النسيان والحفاظ على الذاكرة». واعتبر المقري أن زائر هذا المعرض «سيكون له الحظ الاستثنائي للكشف عن البنيات العميقة للذاكرة الخصبة لمدينة تمتد على11 قرنا من التاريخ». ومن بين الموضوعات التي تناولها المقري في هذا المعرض «الهندسة المعمارية الأصلية للمدينة العتيقة» (1296 - 1907 )، و«الهندسة المعمارية الاستعمارية للمدينة الجديدة » (1907 - 1950 )، و«مدارس الحركة الوطنية المغربية» (1936 - 1956 )، و«التعليم الأوروبي العصري » (1913 - 1955 )، و«التنوع الإثني» (1907 - 1956 )، و«الثقافة والفنون الجميلة» (1931 - 1947 )، و«ذاكرة الرياضة» (1919 - 1960 ). تجدر الإشارة أن مدية وجدة، في أقصى الشمال الشرقي للمغرب، ظلت دوما تحتل مكانة خاصة في الذاكرة المغربية، أولا لبعدها الكبير عن المركز ( محور الرباط الدارالبيضاء )، وثانيا لأنها بوابة المغرب الأولى التي واجه فيها المغاربة أطماع المشرق، بتعدد الطيف السياسي لذلك المشرق، منذ الأمويين، مرورا بالعباسسين والفاطميين والعثمانيين والفرنسيين. بذلك فقد كانت قلعة صمود ناذرة في تاريخ المغرب، منذ تأسست فكرة الدولة في بلادنا خلال نهايات القرن الثامن الميلادي. ووجدة، ليست فقط قلعة صمود، بل إنها كانت أيضا ملتقى تجاريا هاما، ومدرسة لذاكرة مغربية في مجالات إبداع عدة، تاريخية، علمية، ديية وفنية. فهي دوما مدينة الصوفية المغربية، ومدينة التعايش مع الديانات السماوية ( خاصة اليهودية )، وهي أيضا عاصمة الطرب الغرناطي، ومجال التعايش الهائل بين المغرب وعمقه المغاربي. فهي خلطة ثقافية وإنسانية خاصة، لا توهب بذلك الألق الذي يميزها سوى للتجمعات البشرية التي تكون على تماس دائم مع الحياة ومع تحدي الغدر ( غدر الزمان وغدر المصالح عبر التاريخ ). بذلك المعنى فإن معرضا استعاديا لذاكرة المدينة، يعنينا عميقا كمغاربة، وهو أيضا لحظة للتمتع بقوة وعمق مدينة مغربية أصيلة إسمها وجدة. ولعل من مكر الكلمات، الذي قليلا ما نتبه إليه، أن اسم المدينة إنما هو ترجمان لشئ واحد « الوجد »..