من المقرر أن تعكف مجموعة خبراء المياه التابعة للاتحاد من أجل المتوسط على صياغة استراتيجية إقليمية في مجال المياه في المتوسط، ومن غير المستبعد أن تكون المخاطر الواردة في آخر تقرير علمي أعده المرشح السابق للرئاسة الامريكية آل غور، حاضرة بقوة في صياغة الاستراتيجية لأن مضامينه التي تعني بشكل حاد مصر، لا تستثني باقي الدول بما فيها المغرب. مجموعة الخبراء التي ستعقد أول اجتماع لها في العاصمة اليونانية اثينا يومي 7 و 8 شتنبر 2009 في إطار التحضير للاجتماع الوزاري الذي سينعقد بإسبانيا من 12 إلى 14 أبريل 2010 ، سيكون عليها مواصلة نتائج المؤتمر الوزاري الأورومتوسطي للمياه الذي احتضنته الأردن سنة 2008. وبعد أن بدأت مظاهر التحولات المناخية تشمل عدة دول وتتسبب في إزهاق المزيد من الأرواح، وفي الرفع من عدد الجياع في العالم، فإن واقع دول المنطقة الأورومتوسطية، يؤكد بأن نوعية المخاطر التي تواجه كل دولة على حدة صارت تطرح على الخبراء إشكالية التعجيل بوضع استراتيجية قابلة للتنفيذ، كما صارت تطرح على الدول الأعضاء والهيئات الدولية المختصة والمانحين، إشكالية توفير الإمكانيات المالية والتقنية والبشرية الكافية لمواجهة مخاطر الجفاف والفيضانات المرتقبة، بفعل عواقب الانحباس الحراري وخاصة منها ذوبان الثلوج الذي سيسفر عن إغراق العديد من الأراضي الساحلية التي تستغل نسبة كبيرة منها في إنتاج المواد الغذائية. هذا الموضوع يهم المغرب بشكل كبير، ليس فقط لأنه بدوره يواجه في آن واحد مخاطر الجفاف ومخاطر الفيضانات، ولكن أيضاً لما راكمه من تجارب في مجال التعامل مع ندرة المياه ومحاربة التصحر ومكافحة الجراد، ومواجهة تسرب مياه البحر المالحة إلى الأراضي الزراعية وإنتاج الطاقة النظيف، وحماية البيئة وما إلى ذلك من المجالات التي تتعدى حدود توفير المياه الصالحة للشرب، والرفع من الإنتاج الفلاحي لتشمل الحد من مخاطر تحويل مناطق آهلة بالسكان إلى فضاءات لا توفر لساكنتها الحد الأدنى من شروط الاستقرار والعيش الكريم. الموضوع يهم المغرب كذلك لأنه ينفرد بكونه الدولة الوحيدة التي منحها الاتحاد الأوربي مرتبة متقدمة تفوق الشريك وتقل عن العضو، فمكانته هذه تؤهله للعب دور متميز في صياغة خارطة الطريق المرتقب اعتمادها من طرف الاتحاد من أجل المتوسط في مجال التعامل مع الماء وباقي المجالات المرتبطة به. فبعد أن أسفر التعاون المغربي مع جيرانه عن ربط الشبكة الوطنية المغربية للكهرباء مع الشبكتين الجزائرية والإسبانية وعن المساهمة في إنجاز أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإسبانيا، بل وعن تقدم الدراسات الخاصة بالربط القاري عبر مضيق جبل طارق، فقد بات من المفروض أن يتعزز هذا التعاون بتوسيع شبكة نقل المياه من المناطق التي تصل فيها معدلات التساقطات المطرية الاعتيادية أو الاستثنائية إلى مستويات تتسبب في الفيضانات، أو في ارتفاع نسبة المياه التي يتعذر استغلالها أو تخزينها، فتتجه مباشرة إلى البحر ، إلى المناطق التي تعاني من خصاص في المياه أو التي تتوفر على قدرة تخزينية كافية. وإذا ما تحققت تكهنات الدراسات العلمية وأسفر ذوبان ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي عن ارتفاع مستوى البحر بعلو يتراوح بين متر واحد وخمسة أمتار، فإن الأراضي التي ستغمرها المياه في كل دولة من دول المنطقة ستكون لها انعكاسات مباشرة على الخارطة الجغرافية لمراكز الإنتاج الفلاحي وعلى المبادلات التجارية، وإذا كان لابد من تغليب الرؤية الشمولية في معالجة إشكالية الماء، فإن المساهمة بشكل فعال في هذه الرؤية تمر بالضرورة عبر التوفر على رؤية وطنية تراعي خصوصيات كل منطقة وتتجه نحو التعامل مع الماء على أساس أنه عملة نادرة، ولكنه في نفس الوقت ضروري للحياة ولتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي انتظار الاجتماع الوزاري الذي سينعقد بإسبانيا ابتداء من يوم 12 أبريل 2010 ، فإن الهيئات المغربية المختصة مطالبة بتوسيع الحوار والتشاور حول مختلف المرتبطة بالماء . وقد يكون من المفيد في هذا الجانب، إشراك كافة الأطراف وخاصة منهم المستهلكين سواء في مجال الفلاحة أو الصناعة أو الشرب في رسم خارطة طريق وطنية للماء، خارطة يكون فيها البعد المحلي حاضراً بقوة ويكون فيها التعاون مع كافة الجيران منفذاً ضرورياً لمواجهة المخاطر الطبيعية المرتقبة.