كثيرة هي الجرائم التي يتابع فيها بعض المواطنين بتهمة انتحال صفة، وكثير من هذه الحالات يقوم فيها هؤلاء بانتحال صفات مسؤولين إداريين. من قبل كانت ملفات انتحال صفة مسؤؤل إداري أو أمني والتي ينظر فيها القضاء لاتتجاوز كونها لعبة يقوم بها الشخص لمحاولة التهرب من أداء غرامة مالية لخرقه قانون السير غيره، أو محاولة النصب على السفهاء الذين لهم مآرب إدارية ويبحثون عن أسهل الطرق لقضائها ولو بمقابل. لكن الخبر الذي نشرناه في عدد الأربعاء الماضي حول إلقاء عناصر الشرطة القضائية لأمن الحي الحسني القبض على شخص مارس النصب والاحتيال على عدد من المقاولات والمؤسسات التجارية المختلفة - بحسب القصاصة الخبرية - من خلال انتحال صفة رجل سلطة و الادعاء بأنه رئيسا للدائرة تارة و رئيسا لقسم الشؤون الداخلية أو قائدا تارة أخرى ولربما صفات أخرى لم يفصح عنها، ليس خبرا عاديا كما قد يبدو ويمكن لمن يقرأ بين السطور أن يكشف عن خباياه ودلالاته. إلى حدود القراءة السطحية للخبر فإن الأمر عاد وطبيعي، شخص انتحل صفة أشخاص ينظم القانون مهنتهم تم إلقاء القبض عليه سواء أكانت عملية إلقاء القبض تمت من خلال التبليغ عنه أو من خلال فطنة عناصر الشرطة القضائية. لكن المثير هو كون انتحال صفة مسؤول كانت تتم بهدف الحصول على مبالغ مالية حيث كان - بحسب ماتسرب من التحقيق- يتصل بضحاياه، معرفا إياهم ب «صفته»، ومخبرا إياهم بكونه سيرسل عونا ما للتوصل بمساعدتهم التي ليست سوى مبالغ مالية! الخبر يحتاج إلى أكثر من وقفة تأمل لمعرفة خباياه ودلالته اللغوية والإجرامية والتي من الأكيد أن التحقيق الذي جرى سيمر عليها مرار الكرام لأن وراء الأكمة ماوراءها، فما الذي كان يجعل ضحايا هذا المحتال يسلمونه مبالغ مالية بمجرد إخبارهم بصفته، ويرسل من يأتيه «بالمساعدة!» وماهي العلاقة التي تربط بين من يوجد في هذه المناصب التي ينتحل صفاتها وهؤلاء الذين يجودون عليه بسخاء منقطع النظير لدرجة تدفع الشخص إلى المغامرة بانتحال الصفة؟ الأكيد أن في الأمر سر لايعلمه إلا الراسخون في العلوم الإدارية ببلادنا، سر كنا نظن أنه أقبر بشكل نهائي مع هبوب رياح التغيير على بلادنا، لكن الظاهر أن تلامذة المايستر القديم وفكره ماتزال تعشش في بعض إداراتنا. ملفات قضايا انتحال صفة تملأ أدراج مكاتب المحاكم ويتفنن المنتحلون المحتالون في إيجاد تخريجات خاصة لدرجة أن الأمر يتخد أبعادا قد تكون لها تبعات اقتصادية خطيرة على فئات اجتماعية ضعيفة سقطت ضحية عمليات نصب مخطط لها. فتتعدد الصفات المنتحلة والهدف واحد لايتغير، الإبتزاز والحصول على الأموال. ترى لماذا ترتبط دائما صفة المنتحل للصفة بهذه المناصب الأمنية والإدارية وترتبط بالرغبة في الحصول على الأموال؟ فهل هذه المناصب مفتاح سحري يفتح «أبواب الرزق الوفير »لمن يتربع على كراسيها؟ سؤال قد يجيب عنه تحقيق نزيه في واقعة الحي الحسني الأخيرة وفي واقعة خنيفرة والتي ماتزال لغزا قائما! وإلى حين الحصول على جواب شاف لهذا السؤال يبقى الاحتيال والانتحال وجهان لعملة واحدة...