في سنة 1861 وصل الرحالة الألماني غيرهارتس غولفس إلى المغرب قادما من الجزائر، وبعد مروره من عدد من المدن المغربية حط الرحال بمدينة فاس، حيث شغل منصب الطبيب الشخصي للسلطان سيدي محمد بين عبد الرحمان وبعدها رئيسا لأطباء الجيش المغربي، لكنه سرعان ما طلق هذه المهنة ليواصل رحلته الاستكشافية عبر جنوب الاطلس ، واحة تافلالت و توات، ثم العودة الى الجزائرمن جديد. في هذا الكتاب الذي نقترح على قرائنا بعض فقراته، حيث يمدنا غيهارتس غولف في كتابه هذا بتفاصيل دقيقة عن الحياة الاجتماعية، الاقتصادية و السياسية في المغرب لمنتصف القرن التاسع عشر. نلفت عناية قرائنا أن هذه الترجمة هي الأولى من نوعها لهذا الكتاب مباشرة عن الألمانية، وستظهر مجموعة في كتاب السنة القادمة ضمن منشورات ناتان في معرض الدارالبيضاء للكتاب. حتى استطيع التخلص افضل من الاسئلة الملحة، لماذا جئت ، لماذا ارتددت عن ديني ، لماذا لم اتزوج و أستقر الخ،الخ. أجيب ، انني طبيب؛ لكن منذ اللحظة لم تعد هناك راحة . مثل المصابين بالامراض حقا كان المعافون تماما ، الكل يسعى للحصول على دواء والنصائح من طبيب مسيحي سابق. طبعا جعلت من ذلك بعض المنافع كذلك، حيث مثلما في اوروبا هنا كذلك ، يطلع الطبيب احيانا على امور اكثر مما يطلع عليها قسيس الاعتراف ، ففي كل الاحوال للمغاربة ثقة في الطبيب ، إذا ما خبروا و لو مرة اقل برهان على قدراته الشفائية. الخيمة، التي سكناها ليلا، كانت هي نفسها، حيث استعمالات عائلة مضيفنا. عموما فخيام المغاربة اصغر حجما الى حد ما من خيام الجزائريين، غير انها اكبر من خيام سكان طرابلس وبرقة . غير ان هذا لا ينطبق الا على المناطق المغربية ، التي تخضع لنفوذ السلطان او ولاته سفاكين الدماء ، في المناطق ، التي لها سيادة مستقلة ، فالقبائل تملك هي الاخرى خياما كبيرة ، إن لم تكن خياما اكبر من التي للعشائر في الجزائر. حقا يمكن للانسان انطلاقا من الدور الكبيرة او الخيام الكبيرة الحكم على ثراء كل على حدة ، و كذلك على كل العشيرة ، و كما يقال عندنا في اصل القول: انه من بيت كبير، يؤسس بيت كبير ، ليس بالمعنى المجازي فقط و انما يؤخذ على مآخذ الجد ، هكذا هو كذلك في المغرب :min dar kebira, او cheima kebira , اي من بيت كبير ، من خيمة كبيرة و معناه ، ان هذا، المعني به، فعلا يملك بيتا كبيرا او خيمة كبيرة ، اذا الثراء و السلطة . يمكن للانسان تصور، ان الخيمة ، حيث سكنا ، لا تنتمي الى الكبريات؛ ففي نصفها ينام رجل و امرأة ، في الاخر ننام نحن وكذلك ذكران يافعان. كان الجدار الفاصل مشكل عبر الاثاث المعتاد في الخيمة: اكياس عالية من الحبوب ، عليها سرج ، محراث، بندقيتان ، قربة ماء كبيرة ، اخرى، حيث يمخض اللبن و هذه فيما يبدو مملوؤة الى نصفها فقط* ، قدور و صحاف خشبية فارغة تتمم المتراس الفاصل. لكن عند الوجهاء يكون تشكيل امتداد الجدار الفاصل من الادوات. مهر صغير، الذي كان موثق الى جهتنا، كان الزوار ياتونه مساء لمرات عديده ، المعز ، الخراف ، ربما كانت ملكا لصاحب الخيمة ، كانت تأتي من وسط الدوار الى الخيمة ، للقيام بزيارة قصيرة ، حيث تتسلق من غير كلفة فوقنا . لحسن الحظ لم يعد يٌخشى من كلاب الخيمة، التي آوتنا ذات مرة ، كأنها ، تريد حترام ضيف سيدها. لكن الويل ، للذي يريد مغادرة دوار ما ليلا دون هراوة او الدخول اليه ، فانه سوف يسقط فريسة جميع الكلاب الموحشة النصف جائعة. ومع ذلك تحدث احيانا السرقات. تستدرج الحيوانات الجائعة عبر اللحم الفاسد او الطري بعيدا ، ثم يمكن للواحد و ببساطة السرقة ، حيث ان الاهالي لا يعتمدون ليلا الا على حراسة كلابهم فقط . الانعام ، اي. البقر، الغنم والمعز فانها تساق ليلا الى دائرة الخيام الداخلية ثم يتم حلبها مساء و صباحا . اذا ما ملك احدهم كثيرا من الخراف ، هكذا فانها تقسم الى مجموعتين متجهة برؤسها الى الامام ثم توثق الى بعضها في اختلاط ، ليتم حلبها. ما ان تحلب شاة ، حتى تطلق حرة. مع الوقت تقوم كباش القطعان المختلفة بصراع مرعب وغالبا ما يسمح لهم المالكون بذلك. كل من المتصارعين يتراجع حوالي عشرخطوات الى الوراء ، ثم يجهز كل منهما برأسه المنحني على الاخر، حيث تهدد الرؤوس بالانفجار. عند كل نطحة يطعنون برؤوسهم نحو الامام ، يجثون على الركب ، ختاما يخلي احدهم الميدان ، بينما يسرع الاخر في تشمم مرتفع الى قطيعه. الخروف المغربي ليس ذلك السمين الذيل . قرون الخروف استدارتها لولبية الشكل ، الرأس قبائي الناصية ، الصوف طويل و ناعم ، عبر لقاح هذا الخروف نشآ الخروف الاسباني ميرينو. من اجل تحسين فصيلة الخراف لا يبذل طبعا في المغرب اي مجهود ، على العكس يستغرب الانسان من أنها مع مثل اسلوب المعاملة السيئة هذه، لا تزال تتنامى بشكل رائع . يقدر عدد الخراف باربعين الى خمسة و اربعين مليون رأس. فحيث توجد الخراف ، تكون كذلك في نفس الوقت تربية المعز وبالمقارنة فهذه تنمو افضل ، لانها لا تحتاج الا الى القليل من العناية . على الخصوص في المناطق الجبلية في المغرب يتم تربية هذا النوع الذي يحظى بتقدير الاهالي ، نظرا لقيمة جلوده . فقراب الحاجة من الماء ، الدلاء ، لا تعتبر جيدة ، الا حين تصنع من جلود المعز او الكباش. لكن كذلك الجلود المدبوغة ،Safian, Maroquin ، او الذي يحظى اليوم باكثر تقدير Fessian و يعد في منطقة تافيلالت من جلود المعز؛ اما اللحوم فالمغاربي يفضل مع ذلك لحم الغنم على لحم المعز. يتبع