أعتقد أن مملكة الطيور العجيبة تملك سحرا رهيبا وعشقا لا يمكن مقاومته، فأول علاقة لي بعالم الطيور كانت منذ الصغر حيث دخلت لهذا العالم عن طريق حميد الزعزوعي الملقب ب «ليبيري» وشريكة محمد بوشريف الذين كانا يملكان محلا لبيع الطيور بساحة السراغنة درب الطلبة، اشتريت منه طيور الحسون والكناري، أذكر أني كنت في سني 13 سنة 1960، لكن البداية الحقيقية مع الفلاوطة والمالينوا بذات مع الحاج المختار سنة 71 حيث ترك عندي طائر كناري فلاوطا، أحتفظ به الى حين يريده، كان الحاج جمال المختار صديقي، ويعلم أني أحب الطيور المغردة وأهتم بها. كان الطائر غريباً وساحراً، فتنت بتغريداته وأحسست بأن شوكة «الولاعة» قد غرزت في كياني. تتلمذت على يد المرحوم السي محمد «الصايلة»، وسيدي المكي الوزاني والمرحوم محمد الزعيمي الملقب بالشرقاوي. حدث يوماً أن زارني شيخي «الصايلة» في منزلي بدرب الطلبة سنة 1985، ولما رأى قفص التزاوج «الكْريا» التي تضم طيور المالينوا، لم أكن ألقن طيوري أشرطة التغريد بادرني بالقول: «واش باغي تبيع وتشري، ولا باغي تتولع؟» أي أن تربية الطيور المغردة تكون إما للربح من خلال البيع، وإما لتلبية غريزة الهواية، ولما علم أن العشق من جذبني نصحني بألا أفكر في التلقين إلا بعد حصولي على الجيل الرابع أو الخامس للطيور، وفعلا كان ذلك، وهو ما حقق لي نتيجة جد طيبة، كانت مجموعة من الطيور تتقن الأداء، وذلك بشهادة العديد من »الماليع« المغاربة بعد سنوات. انقطعت عن «الولاعة» سنة 1996، وذلك لاعتبارات مرتبطة بطبيعة عملي كموظف، أعطيت كل طيوري لصديقي وشيخي «الشرقاوي» لأن العلاقة بيننا كانت ذات مستوى كبير، لم يعد يربطني بعالم الطيور سوى الساعات القليلة التي أقضيها مع الشرقاوي الذي كنت أتوجه إليه بحي اشماعو بمدينة سلا. كانت وفاة الشرقاوي الذي ارتبطت به إلى الأنفاس الأخيرة من حياته، كان الرجل عجيبا، كان يتألم على فراش المرض، ويختلس لحظات الهدنة ليعود ويوصيني على هذا العالم الجميل، كانت «الولاعة» كل حياته، وحضرت حتى في لحظات مماته. لقد كان عظيماً عدت لمملكة الطيور بقوة إكراما لروح «الشرقاوي» أولا، وإرضاء لرغبتي وعشقي لمقامات الطائر الساحر، وأعتقد بأن الفضل يرجع بالأساس الى علي «الباتيسيي» بالدار البيضاء والحاج محمد الملقب ب «امسيسي» بالرباط والدكتور كراكشو والحاج الداودي بالبيضاء، حيث قدموا لي مساعدات كبيرة في هذا المجال. من بين المستملحات التي حدثت وأتذكرها جيداً، في إطار حماقات «الولاعة» وغرابتها سنة 1974 أن أختصم اثنان من الماليع القدامى بالدار البيضاء، رحمهما الله، كان القدميري أحد المربين الكبار، وباع طائر كناري فلاوطا صغير للحاج «امرَيَّحْ» ب 150 درهم، لكن بعد عدة أيام، عاد الأخير إلى الأول وطلب منه تغيير الطائر، بدعوى أنه أنثى، رفض القدميري الطلب، فتوجها معاً الى دائرة بوشنتوف التي ينتميان إلى ترابها. احتار القائد في أمر هذا الخصام، فاستشار بعض موظفيه، اقترح عليه أحدهم بأن الحل قد يكون عند مرشود، وهو موظف بمقاطعة القريعة، كنت أنا المطلوب من طرف هذا القائد الذي أرسل في طلبي لحل هذا المشكل الذي لم يسبق له أن بث في مثل هاته القضية. عند دخولي وجدت جل الموظفين متحلقين حول الرجلين الذين كانا في العقد السابع تقريبا من عمرهما، كان نقاشهما حاداً، وكانت علامات الاستغراب تنبعث من الحضور. تعرفت عليهما، وأخبرت القائد بأني سأتكفل بإيجاد حل لهذه القضية، فأخذتهما وانصرفنا الى بيت البائع، كان يحترمني، ولم يرفض طلبي بتعويض الطائر. وفعلا كان ذلك، تمكن الحاج «امرَيَّحْ» من أخذ طائر ذكر، رغم أن الطائر المتنازعه عليه كان ذكراً أيضاً، كان سر الولاية كامنا وراء هذا الخصام الطريف. لقد توفي الحاج »امريح« بعد الحادثة بشهور قليلة، لكن الحكاية ظلت تتردد على ألسنة العديد من «الماليع».