شاءت الصدف أن يكون إسمي العائلي «مزيوقة»، أعرف أنه إسم لطائر الحسون، المتنوعة أسماؤه في بعض مناطق المغرب على غرار «موقنين»،«سطيلة»... وغيرها فتحت عيني على مناداتي بهذا الإسم الذي حمله قبلي أبي في العرائش. كان رنين هذا الإسم في أذني غريبا جعلني أرتبط بمملكة الطيور دون اختيار، «هذا ما حباني به أبي وقد منحته لإبني»، فعِقد سعادتي اكتمل بعد أن تلقيت عن أبي تعاليم الولاء لمملكة الطيور، وتمكنت بدوري من تمريرها لإبني، فاكتملت باقة الجمال و السماع و الذوق بالأخلاق و الاهتمام بالطائر و الاعتناء به في سلسلة عائلة «مزيوقة». أتذكر أنني فتحت عيني على الوجود ، وجدت أبي محمد مزيوقة يهتم بكل الحيوانات، يعطي أهمية كبرى لتربية الطيور، إلى حد أنه أصبح معروفا في مدينة العرائش بمربي الطيور. وقد كان في الكثير من الحالات يسافر إلى عدة مدن للإستمتاع بالإستماع لطائر معين، وحدث أنه قرر في أحد أسفاره التوجه إلى مدينة طنجة لسماع طائر قيل له أنه في جيوبه تغاريد ساحرة قد يطرب، لكنه حين أبطأ في العودة إلى البيت، بحثنا عنه في كل الأماكن التي يمكن أن يتواجد بها، المحطة، الأماكن التي يتردد عليها، سألنا كثيرا رفقة أصدقائه لكننا لم نعثر عليه. وفي الغد أدركنا أنه قضى الليلة بمدينة طنجة في ضيافة هوس مملكة الطيور، كان طوال الليل جالسا بإحدى المقاهي قرب الشرفة التي كان بها الطائر الذي أطربه وسحره، عندها تأكدت من أني ابن مهووس بترانيم الطائر السحرية، وبعوالمه الخفية، لدرجة أنه كان يشتري الطائر بأثمنة خيالية آنذاك. كان الطائر متواجدا داخل البيت، حتى المتجر الذي كان أبي يمارس فيه التجارة، كانت الطيور تحتل كل المساحات في كل الأماكن وأولها قلبه وحياته، كان يربي طائرالكناري و الحسون، ولم يعمل قط على تهجين هذين الطائرين. تشربت عشق الطائر في البيت الذي خلقت فيه، تربيت وكبرت مع الطيور..... لعلها كانت تربيني أيضا، سمعت تغاريدها، وامتلكت أول طائر سنة 1965، أذكر أني اخترته من بين الطيور التي كان أبي يبدع في انتقائها، الطيور التي كان البيضاويون يقتنونها منه عابرين مئات الكلمترات تجاه العرائش. عرفت طائر الحسون و الكناري بالبيت، وبحكم قربنا من الثقافة الإسبانية، كنت قد تعلمت أو فهمت بأن الطائر ضروري لجمالية و سكينة البيت، حتى إنني أتذكر أن كل سكان «جنان قروير» وهوالحي الذي كنا نقطن به، كانوا يضعون الطيور في شرفات منازلهم، كان تقليدا مميزا، وكانت سعادتهم تكمن في سماع تغاريدها، كان الأمر يتعلق بعادة لايمكن الاستغناء عنها، ونفحة من سحر مملكة الطيور التي غزت حينا ووضعت في كل بيت منه علما ورسولا. كانت كل البيوت تفتخر وتتباهى بطيورها وبتغريداتها وسحرها. انتقلت للعمل بمدينة الجديدة سنة 1987، حيث بدأت أكون مجالي الخاص في تفريخ الطيور، وفي نفس السنة تمكنت من إنتاج حوالي 70 طائر كناري في القفص، الشيء الذي أثار إعجاب بعض المواليع بهذه الطيور، وبذلك تمكنت من كسب بطاقة الدخول إلى مملكة عشق الطائر بامتياز، وغيرت تخصصاتي. سنة 1993 سمعت طائر كناري «التيمبرادو» ذي الأجراس الإسبانية، انبعث في جسمي شعور غريب، أحسست أنه يجب أن أمنح كل اهتماماتي لهذا الطائر الاسباني، وكأنه أمر غامض من مملكة الحب، تمكنت من انتاج سلالة نقية بتغاريدها. وبعد ذلك اثارني الطائر البلجيكي «المالينوا» ، اشتغلت عليه، وتخليت عن الأجراس الاسبانية، فتحول السحر من اسبانيا إلى بلجيكا، لكن بجنون مغربي . ارتبطت جل أحلامي بتغاريد طائر المالينوا الذي عشقت سماعه و سماع مقاماته المائية. كان دائما يثير لدي الرعب لسماعه، قشعريرة غريبة، فهذا الطائر يكون مهددا دائما، كنت أخاف أن أفقده، أشياء كثيرة تجعله عرضة «للخطر».. جمال لونه، تغاريده الساحرة تبهرني، لكن كنت دائما و مازلت أكتفي بتربيتي واحدا أو اثنين، وأفضل في أغلب الحالات أن أسمعه خارج القفص لكن حلاوة عشق طائر الحسون تظل دافئة في إسمي «مزيوقة»، وكياني ، كنت دائما أفضل التغريد الويداني لأني أعتبره حقيقة طبيعية لا تخلو من سحر، كما اعتبرت دائما بأن فرض مقامات على طائر الحسون، يعتبر ظلما في حقه و اعتداءا على حريته في اختيار مقاماته التي يفضلها والتي قد يبدع فيها أكثر من تلك التي يتلقاها «بالقوة». دخلت مملكة عشق الطيور، عشقت جمالية مقاماتها، ولازلت أسكن هذه المملكة، وأحاول تمرير معارفي و تجاربي لإبني، واهبا إياه كل أوقات فراغي، معلما إياه كيفية الاعتناء و الاهتمام بسفراء مملكة الطيور، وتقديم المساعدة للطائر، لأنه في نظري كائن يستحق كل التقدير والاحترام، إنه يشكل حلقة من حلقات الوجود، وعدم وجوده قد يشكل خللا في التوازن الطبيعي