برشلونة يلذغ الريال ويتوج بلقب كأس الملك للمرة ال 32 في تاريخه    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    لقجع يظفر بمنصب النائب الأول لرئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم    مراكش… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بإلحاق خسارة مادية بممتلكات خاصة وحيازة سلاح أبيض في ظروف تشكل خطرا على المواطنين.    بنكيران يتجنب التعليق على حرمان وفد "حماس" من "التأشيرة" لحضور مؤتمر حزبه    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    الرصاص يلعلع في مخيمات تندوف    توقيف أب تلميذ اقتحم إعدادية بساطور    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    بنكيران: "العدالة والتنمية" يجمع مساهمات بقيمة مليون درهم في يومين    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    الجامعي: إننا أمام مفترق الطرق بل نسير إلى الوراء ومن الخطير أن يتضمن تغيير النصوص القانونية تراجعات    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجود علي.. مطلقة وعمري سنوات 10
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 07 - 2009

إسمها نجود، فتاة بسيطة صغيرة، تنحدر من محافظة «حجة» شمال غرب اليمن حيث تعيش مع والديها رفقة 16 من الأخوة والأخوات.
تعتقد نجود أنها تبلغ من العمر عشر سنوات،
ففي بلدها اليمن لا يتوفر السواد الأعظم من أبناء البوادي على وثائق ثبوتية، وغالبيتهم لا أثر لهم في سجلات الولادة.
مثل أي فتاة في العاشرة من العمر، تعشق نجود اللعب بين أزقة قريتها، وتحب لعبة القط والفأر مع صديقاتها وأخواتها، والألوان المفضلة لديها هما الأحمر والأصفر، وهي تفضل الشوكولاتة وجوز الهند، وتحب الكلاب والقطط، كما أنها لم تعرف البحر مطلقاً وتحلم بأن تعانق يوما أمواجه. نجود علي رفقة الصحفية الفرنسية ديلفين مينوي، تقربنا من تفاصيل تجربتها الفريدة، التي صاغتها في كتاب عنونته ب«أنا نجود، عممري 10 سنوات، مطلقة»
تمسكوا جيدا، إننا سننطلق.
قبل الانطلاق، فتح السائق «مسجلة» السيارة رافعا صوتها إلى الحد الأقصى، لتنبعث من مكبرات الصوت الصدئة مثلما السيارة، إيقاعات موسيقى فلكلورية.
يصاحب ايقاعات آلة العود، صوت مغني محلي معروف، حسين محب، الذي سيرافق في ذات الآن الهزات التي تتسبب فيها الحجارة الكبيرة التي تهز سيارة «البيكوب».
كنا نقفز في كل الاتجاهات، وكانت بعض الحجارة تجد لنفسها مكانا أمام واجهة السيارة الزجاجية. وكانت يداي الخائفتان تلتصقان بقبضات الباب، وكنت لا أتوقف عن الدعاء لكي أصل غير منقوصة الى القرية.
اسمعي الموسيقى! إنها ستنسيك قلقك، يقول السائق.
ماذا لو عرف القلق الآخر الذي ألفت التعايش معه.
سارت بنا السيارة لعدة ساعات على إيقاع الأغاني الحزينة لحسين محب. كنت أود أن أحسب عدد المرات حيث عمد السائق إلى إعادة وضع هذا الشريط السمعي.. كان يبدو وكأنه ثملا بفعل الموسيقى التي كانت تمنحه من الشجاعة ما يكفيه لمقاومة قوة الطبيعة. متشبث بمقود السيارة مثلما فارس على صهوة جواده، كانت عيناه تبقيان مثبتتين على هذه الطريق الملتوية لحظة الوصول الى كل منعرج، كما لو أنه على علم بكل فخاخها.
إن هذه الطبيعة التي خلقها الله صعبة جدا، غير أن الله لحسن الحظ، خلق أيضا رجالا أكثر مقاومة، يقول السائق...
كلما توغلنا في الوادي، أحسست بكومة قلق تكبر في حنجرتي. كنت متعبة، وأحسست بالألم في قلبي، أحسست بالجوع والعطش، وكنت على الخصوص خائفة.
لقد استنفدت من رأسي كل أفكار الألعاب الممكنة والمتخيلة أيضا لأجل أن أتمكن من تناسي هذا المكروه.
ونحن نقترب من واد «لاء»، بدا لي شيئا فشيئا أن مصيري أصبح غير مؤكد. كما أن أملي في أن أعثر لنفسي على مهرب أصبح جد ضعيف.
لم تتغير قريتي «خراجي»، ذلك الجانب الآخر من العالم. بعد أن وصلنا للتو، أحسست كما لو أن ظهري منكسر بفعل الهزات على طول الطريق، تعرفت على خمسة منازل بنيت من الحجارة، وذلك الوادي الصغير الذي يخترف القرية، والنحل الذي يجمع رحيقه من زهرة وأخرى، وكذا الاشجار الممتدة على طول البصر. وأطفال القرية المتوجهون لجلب الماء من المنبع في صفائح صفراء.
على عتبة أحد البيوتات كانت سيدة تجلس في انتظارنا. أحسست، للتو، أن نظرات عيونها تعبر كامل جسدي. لم تقبلني، ولم أظفر منها ولو بقبلة صغيرة واحدة أو لمسة ملاطفة منها. إنها والدته، حماتي الجديدة. كانت امرأة عجوز، قبيحة المنظر. جلد جسدها كان مليئا بالتجاعيد مثل جلد العظاءة. تنقصها سنتان في فكيها الأمامين أما ما تبقى منها فقد تآكلت بفعل التسوس واسودت بفعل التدخين. غطت شعر رأسها بمنديل ذي اللونين الأسود والرمادي. بحركة بيدها أشارت إلي بالدخول إلى البيت. كان داخله مظلما، وبه بعض الأثاث. بيت يتكون من أربع غرف، وبهو، ومطبخ صغير. أما المرحاض فكان في الطبيعة خلف أغصان الأشجار.
دون أن التزم بحدود اللياقة، التهمت الأرز واللحم اللذين كان أخواته قد طهوه لنا. كنت أتضور جوعا. لم أبتلع شيئا منذ مغادرتنا لصنعاء.. مباشرة بعد وجبة الطعام، التأم الكبار لينطلقوا في حصة جديدة من لو «القات». حصة جديدة! كما التحق بالجمع المدعوون من الجيران.
بإحدى الزوايا جلست منكمشة على نفسي، صامتة أنظر اليهم. كانت دهشتي كبيرة لكون لا أحد منهم بدا كما لو أنه فوجئ لصغر سني. وقد علمت في ما بعد أن الزيجات من فتيات صغيرات السن شئ معتاد بالقرى. فأنا إذن، لا أشكل حالة استثناء ذات خصوصية بالنسبة إليهم،« إذا ما تزوجت فتاة عمرها تسع سنوات، فذلك ضمانة لزواج سعيد»، كما يقول المثل القبلي..
بين الكبار، كانت الأحاديث متواصلة بشكل كبير.
لقد أصبح المعيش باهظا جدا في صنعاء، تشتكي أخت زوجي.
منذ الغد، سوف ألقن للصغيرة كيفية العمل، تزايد حماتي العجوز دون أن تنطق اسمي. ومن جهة ثانية، آمل أنها حملت معها بعض النقود.
لقد انتهى زمن نزوات الطفلات الصغيرات. سوف نعلمها كيف تصبح امرأة حقيقية!
بعد غروب الشمس غادر المدعوون البيت، حينها دلوني على غرفتي، وأتذكر أنني أحسست وقتها ببعض الانفراج. أخيرا سأتمكن من أن أنزع عني هذه العباءة البنية التي أرتديها منذ البارحة والتي بدأت معها رائحة كريهة تنبعث مني.
ما أن أغلق الباب الغرفة من خلفي، تنفست الصعداء وانطلقت مسرعة لتغيير ثيابي وأضع قميصا صغيرا من الصوف أحمر اللون حملته معي من صنعاء. كان تنبعث منه رائحة بيتنا هناك، رائحة العود المألوفة والأكثر ضمانا.
حصير ممتد وضع مباشرة على الأرض. إنه سريري. إلى جانبه وضع قنديل قديم لأجل الإضاءة، والذي تنعكس أنواره على الحائط. لم أكن في حاجة لإطفائه لكي أنام. وأخيرا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.