تتميز العلاقة بين العائلة الملكية والعائلة الرياضية بروابط قوية ومتجذرة منذ زمن بعيد.. في عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، كما في عهد الملك محمد السادس، تمتع الرياضيون بكل الحظوة لدى القصر الملكي.. كثير منهم تحسنت وضعيتهم الاجتماعية بفضل تدخل ملكي، وعدد منهم جالس الملك، تحدث مع جلالته مباشرة، ومنهم من وُضع اسمه في خانة «أصدقاء الملك»، يتم استدعاؤهم في المناسبات الرسمية، وفي الجلسات الخاصة، ويشاركون الملك في نشاطاته الرياضية الترفيهية.. متى كان اللقاء الأول مع الملك؟ في أية مناسبة؟ ماهي التفاصيل؟ لو أتيحت للرياضي فرصة أخرى للقاء الملك، ماذا سيقول لجلالته ؟ كل المشاعر والأحاسيس انتابتني ومنعت النوم عني في تلك الليلة.. خوف، اشتياق وشوق، تردد، وحيرة! مرت الساعات الفاصلة التي سبقت اللقاء متثاقلة وكأنها أيام وشهور.. في الساعة الثالثة سأكون أمام الملك محمد السادس.. هي الحقيقة التي يجب أن أعرفها وأسعد بها كثيرا! أذكر أن جلالة الملك، كان يوجد بمقر إقامته بمدينة الدارالبيضاء، التي مكث فيها ثلاثة أيام، إلا أن المكالمة الهاتفية التي تلقيت على إثرها الدعوة الكريمة للمثول أمام جلالته، أكدت أن المقابلة ستتم بالقصر الملكي بمدينة سلا الموجود بالقرب من المركز الرياضي العسكري. استيقظت باكرا في ذلك اليوم، مما أثار فضول أفراد أسرتي خصوصا أننا كنا في شهر رمضان، ونادرا ما يكون الاستيقاظ من النوم بشكل مبكر! لم ألتفت إلى كل الأسئلة التي تقاطرت علي، ولم أبح بحقيقة موضوع زيارتي في اليوم نفسه للقصر الملكي، خاصة للوالدة، التي كنت أدرك بأن مجرد قيامي بالسفر للخارج كان يرعبها ويخيفها، فبالأحرى أن تعلم أنني مدعو للمثول أمام الملك! انخرطت في الاستعداد والتحضير، بدأت أبحث عن أنسب الملابس، انهمكت في ذلك أمام نظرات التساؤل من طرف والدتي.. وفي الأخير، وباقتراح من والدتي نفسها التي خمنت أنني مقبل على حضور مناسبة هامة تستدعي هنداما لائقا، بدون أن يدور بخلدها أنني بعد سويعات سأكون أمام ملك البلاد شخصيا! ارتديت قميصا أنيقا، بنطلونا من الجينز جيد النوع، و«جاكيت» من الجلد سيما أن الطقس كان يومها شتويا، والمطر لايكاد يتوقف عن الهطول. وفي حدود الساعة الواحدة زوالا، استقلت سيارتي، وانطلقت في اتجاه العاصمة الرباط! أمام القصر الملكي، استوقفني أفراد الحرس، ولما تأكدوا من هويتي، طلبوا مني مرافقتهم، بعدما تكلفوا بالسيارة. سرت لبضعة أمتار بعد تجاوزي لبوابة القصر، ذهلت لروعة المكان وجماليته، وتهت في عوالمه وسحره، إلى أن انتبهت إلى وجود أحد كبار موظفي القصر وهو يرحب بي.. كان اسمه «خالد الكوهن». كنت مرتبكا، مذهولا، متخوفا وحائرا، لكن لطف «خالد الكوهن» ورحابة صدره، أعادا لي بعض التوازن وبعض الارتياح. قادني الكوهن إلى قاعة الاستقبال.. ارتفع هطول المطر، واحتجبت السماء بالغيوم.. ولجت القاعة وزاد انبهاري بما كانت تتميز به من عمران نادر، وديكور من المستوى العالي.. وقفت أتأمل المكان، ودقائق الساعة تتسابق كما تتسابق نبضات قلبي لهفة في لقاء الملك والوقوف أمام جلالته! وفي لحظة، ظهر جلالته، استقمت واقفا، ارتميت أقبل يديه الكريمتين، كان يرتدي بذلة رسمية، بدون ربطة عنق ونظارات سوداء! رحب بي جلالته وطلب مني الجلوس.. ثم بادرني بالسؤال عن أحوالي وأحوال الرجاء، ليفاجئني بالسؤال:« آش كا تدير بالفلوس اللي كتربح من الكورة؟» تخلصت حينها من ارتباكي وتخوفي، وانطلق لساني في التعبير.. بُحت بكل شيء لجلالته وبكل صدق، وأثناء استرسالي في الحديث، كنت ألاحظ على جلالته علامات الرضا والمباركة، خصوصا عندما أخبرته أنني نجحت في اقتناء شقة للأسرة، وبأنني أضع ما أكسبه من فريق الرجاء رهن إشارة والدي وإخوتي.. وعندما كنت أتحدث عن فريق الرجاء، كان جلالته يتدخل لتصحيح بعض المعلومات، ولتذكيري ببعض التفاصيل، مما يؤكد ما لجلالته من إلمام واسع بكل ما يتعلق بالفريق البيضاوي، بل أكاد أجزم أنه يعرف عن الرجاء، عن لاعبيها، مسيريها، وحتى عن المشتغلين في محيطها، أكثر من بعض الرجاويين أنفسهم! دامت المقابلة لأزيد من ثلاثين دقيقة، عشت خلالها لحظات رائعة، واكتشفت فيها شخصية الملك محمد السادس الخفية، كإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معان سامية.. تواضع، وعطف، وسلوك أخلاقي رفيع، يتحدث بهدوء وتركيز، ويمنحك حرية الحديث بدون مقاطعة، ويستمع لك باهتمام.. كنت مشدوها لتواضعه الكبير، حتى بدا لي وكأني أمام صديق أو أخ أو والد حنون! وقبل أن تنتهي لحظات اللقاء، تكرم جلالته بمنحي هبة مالية محترمة، ووافق على تسلم طلبات الدعم التي كنت أحملها.. وبعد حوالي أسبوع، تسلمت أربعة تراخيص للنقل (كْريمات)، واحدة باسمي، والثلاثة الأخرى باسم والدي ووالدتي وأخي الأكبر مني سنا، وتراخيص أخرى باسم بعض أصدقائي وزملائي في فريق الرجاء البيضاوي. عندما عدت للمنزل، قبيل موعد الإفطار، وما أن أخبرت أسرتي بالحدث السعيد، حتى تحول البيت إلى عرس تعالت فيه الزغاريد والتهاني.. وبسرعة، ذاع الخبر في الحي، وبين الأهل والأحباب والأصدقاء.. وبكل صدق، نسيت في ذلك اليوم أنني كنت صائما، نسيت تناول وجبة الإفطار، كنت كجسد حلقت روحه في الأعالي.. أنا ابن الطبقة الشعبية المواطن البسيط، أنا زكريا عبوب، عدت توا من مقابلة ملك البلاد محمد السادس! إذا سنحت الظروف مرة أخرى وحظيت بشرف لقاء جلالته من جديد، سأحدثه بعد إذنه إن شاء الله، عن واقع كرتنا الوطنية، وأنا متيقن أن جلالته يعرف عنها أكثر من أي أحد آخر.. سأقبل يديه الكريمتين بقوة، امتنانا وشكرا وتقديرا!