تتميز العلاقة بين العائلة الملكية والعائلة الرياضية بروابط قوية ومتجذرة منذ زمن بعيد.. في عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، كما في عهد الملك محمد السادس، تمتع الرياضيون بكل الحظوة لدى القصر الملكي.. كثير منهم تحسنت وضعيتهم الاجتماعية بفضل تدخل ملكي، وعدد منهم جالس الملك، تحدث مع جلالته مباشرة، ومنهم من وُضع اسمه في خانة «أصدقاء الملك»، يتم استدعاؤهم في المناسبات الرسمية، وفي الجلسات الخاصة، ويشاركون الملك في نشاطاته الرياضية الترفيهية.. متى كان اللقاء الأول مع الملك؟ في أية مناسبة؟ ماهي التفاصيل؟ لو أتيحت للرياضي فرصة أخرى للقاء الملك، ماذا سيقول لجلالته ؟ يواصل جريندو استحضار تفاصيل حضوره أمام الملك، ويحكي: «... عندما عدت لبيت أسرتي بعد حضوري حفل الاستقبال الذي حظينا به من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، رجعت بشخصية جديدة، وفكر جديد، وبنضج أرفع ومتزن.. عدت أحكي لأفراد أسرتي، باعتزاز وافتخار، عن ملك متواضع، حنون، وأب بمعنى الكلمة. لا أخفيكم سرا أنني أحسست وأنا أقف أمام الملك، أني لم أكن يتيما توفي والده وعمره يناهز ثلاثة أشهر فقط، يتيما عاش رفقة إخوته الثلاثة محروما من حضانة الأب، فتح عينيه على أم جابهت كل الظروف الحياتية الصعبة، لتضمن لأبنائها التربية الحسنة، و«عيش» مستقر .. شعرت فعلا أن الملك الراحل الحسن الثاني هو الأب الذي افتقدته منذ طفولتي.. وبكل صدق، مازلت أختزل ذلك الشعور إلى اليوم. بل إن هذا الإحساس تقوى وازداد بعد أن نلت شرف مقابلة الملك محمد السادس سنتين بعد اللقاء مع الراحل الحسن الثاني. لن يسقط من ذاكرتي ذاك اليوم التاريخي في حياتي، كان يوم خميس وتحديدا الثاني من شهر يونيو من سنة 2000. قبله بأيام معدودة، كنت قد أُبلغت بموعد اللقاء، وحين حل، توجهت إلى العاصمة الرباط، وأنا أرتدي أفضل ما كنت أملكه من اللباس.. وأنا أمام بوابة القصر، وبعد أن أنهيت كل الإجراءات الأمنية المسطرة لولوج القصر، تقدم نحوي رجل تبدو على ملامحه آثار المرض والألم، طلب مني الإنصات إليه بعد ما علم أنني في طريقي لمقابلة الملك محمد السادس.. وهو ما لم أتردد في القيام به، ليقدم لي ملفا طبيا يتضمن الكثير من الوثائق والشواهد الطبية، مضيفا بأنه يعاني من مرض في النخاع الشوكي، وحالته تتطلب علاجات باهظة الثمن بفرنسا، وأن لاأمل له سوى تدخل ملكي لإنقاذ حياته! تأبطت ملفه وأنا أتألم لحاله، وعدته بأن أعمل ما في وسعي حسب الظروف. في انتظار لقاء الملك، انتابتني نفس الأحاسيس التي شعرت بها قبل سنتين وأنا ألج القصر الملكي للقاء الملك الراحل الحسن الثاني، رهبة، خوف، عرق يلف كل بدني.. لم أستطع الجلوس على الأريكة التي أشار لها أحد موظفي القصر ودلني للجلوس عليها.. كنت واقفا أتأمل تلك القاعة التي كنت بوسطها، كثيرة هي الصور التي مرت أمامي، وكثيرة هي الأفكار التي راودتني: أنا ذلك الطفل اليتيم، الذي تكفلت بتربيته أم ضعيفة ظل اعتمادها على الله سبحانه وتعالى فقط، أنا ذلك اللاعب البسيط الذي انطلق في دروب الدارالبيضاء، اجتهد وتعب لضمان مكانة بين لاعبي الرجاء.. أنا ذلك المواطن العادي هنا في القصر الملكي، وبعد ثوان سأكون أمام ملك البلاد ! شعور غريب، وإحساس يصعب وصفه.. وأنا غارق في تفكيري، أعادني صوت منير الشرايبي رئيس ديوان جلالته إلى حقيقة الواقع.. «تفضل، سيدي سيقابلكم حالا»! كان جلالته واقفا، مبتسما ومرحبا، وبشكل غريب، سقطت مني كل أحاسيس الرهبة والخوف، وبمجرد نطق جلالته للكلمة الأولى حتى تولد لدي ذلك الإحساس الجميل المغلف بالطمأنينة والارتياح لشخص قريب منك! فعلا، ما لم أكن أتوقعه حدث وحصل، كنت أتخيل أنني وبمجرد وقوفي أمام الملك، سأفقد منطق الحديث والكلام، سأرتعش وأخاف، لكن تواضع الملك محمد السادس، وطريقة حديثه العادية جدا، ومعرفته الدقيقة والشاملة بمساري الرياضي، وبكل شؤون كرة القدم الوطنية، كل ذلك جعلني أتخلص من أحاسيسي السابقة، وشجعني على أن أتحدث بطلاقة وبدون رهبة.. كنت والملك لوحدنا في تلك القاعة.. سألني عن أحوالي المعيشية، عن أسرتي، عن فريق الرجاء البيضاوي، عن المنتخب الوطني، عن حال كرة القدم الوطنية.. آراء جلالته وتحليلاته كانت من السمو بمكان، كانت منطقية وواقعية، تنم عن ثقافة رياضية عالية جدا.. دام اللقاء حوالي 35 دقيقة، أعتز بذلك، إذ وحسب بعض موظفي القصر التقيتهم وأنا أهم بالمغادرة، فاستقبالي من طرف جلالته دام لوقت يعتبر أطول وقت حظي به رياضي آخر! وقبل نهاية اللقاء، قال جلالته: «مكتبي سيظل مفتوحا في وجهك، كما هو مفتوح في وجه أي مغربي، لا تتردد في القدوم وقت ما تشاء ووقت ما تحتاج إلى ذلك». مدني جلالته بظرف مالي بمبلغ محترم، مؤكدا أنها هبة للتشجيع وللمساعدة.. شكرت جلالته بعبارات لم أكن لأنجح في ترتيبها، لكنها شجعتني على مفاتحة جلالته في موضوعين اثنين، الأول يتعلق بطلب مساعدة زميلي لاعب فريق الكوكب المراكشي عبدالصمد الرياحي، الذي كان يعيش حينها ظروفا صعبة، وكان يحتاج إلى إجراء عملية جراحية بأتعاب مالية عالية، لم يتردد جلالته في الاهتمام بالأمر، ورفع سماعة الهاتف متصلا بطبيبه الخاص بتعليماته السامية وجلالته يقول:«غدا سيأتي عندك عبداللطيف جريندو اللاعب الرجاوي المعروف وبرفقته أحد أصدقائه.. إعمل معهما الواجب»، ثم مدني جلالته بمبلغ مالي مهم لأسلمه لعبدالصمد الرياحي.. أما الموضوع الثاني، فلم يكن يتعلق سوى بالملف الطبي الذي مدني به ذلك الرجل عند مدخل القصر الملكي، تناوله مني جلالته، وأبدى تأسفه على حالة الرجل، ووعدني خيرا، قبل أن يمدني بنصائحه وإرشاداته السامية.. لأنصرف وأنا في عز الانتشاء والاعتزاز والفخر والشرف.. في اليوم الموالي، استقبلنا الطبيب الخاص لجلالته، قام بأكثر من الواجب.. وبعد يومين، هاتفني رجل الملف الطبي، شكرني كثيرا، وأكد لي أنه وبأمر من جلالة الملك محمد السادس، سيتم نقله لفرنسا لتلقي كل العلاجات على نفقة ملك تكتشف وأنت في حضرة جلالته أنه «إنسان بحالنا بحالو..»!