كشفت التقارير الأخيرة الصادرة عن المندوبيات الجهوية للشغل بالدارالبيضاء الكبرى، أن نزاعات الشغل بالقطب الاقتصادي والتجاري الأول بالبلاد، وصلت برسم سنة 2007 إلى 10 آلاف و 265 نزاعاً، حظيت فيها عمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي بالنصيب الأوفر من حركة التوتر هذه، بألفين و309 حالات، تليها عمالة مقاطعات الدارالبيضاء أنفا بألفين و 4 حالات، هذا في حين لم تخرج ، وفق ذات المعطيات، باقي المجالات الترابية والادارية عن مسرح أحداثها، وإن كان ثمة تفاوت واضح بين منطقة وأخرى تمليه بنظر المختصين، خصوصية كل منطقة من حيث خريطة توزيع المركبات الصناعية والتجارية والخدماتية. وفي سياق حركة التوتر الاجتماعي هذه، تفيد ذات المصادر، بأن ممثلي المأجورين تقدموا الى المقاولات ب 19 ألفاً و 303 من المطالب، يقول بشأنها أكثر من معني، إن جلها يتعلق بالحقوق الأساسية للعمال، بدءاً من احترام ساعات العمل وتعميم التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والرفع من قيمة المنح والتعويضات، وتوفير شروط الصحة والسلامة والرعاية الاجتماعية، تبعاً لخصوصية المقاولة، وتوفير بطاقات الشغل وتعميمها، واحترام وتفعيل مقتضيات مدونة الشغل والحد الأدنى القانوني للأجر إلخ... البيانات المتوفرة لدينا، تقول إن عدد المطالب المستجاب إليها من قبل رؤساء المقاولات من مجموع المطالب، وصل الى 11 ألفاً و 851 مطلباً، ما أدى إلى اجتناب 288 حركة إضراب معلن عنها من قبل ممثلي العمال، هذا ولم يخف بعض الفاعلين الاجتماعيين، من أن عدداً من النقابات بكثير من المؤسسات عمدت الى تعليق قرار الإضراب بمجرد دخول مشغليها في حوار قطاعي منظم حول القضايا مثار النزاع. ذات المعطيات تفيد من جانب ثان، بأن عدد الإضرابات التي تم تنفيذها بالجهة بلغت 24 إضراباً، انخرط في حركيتها 7 آلاف و 735 أجيراً، خلَّفت كأيام إضراب، المصطلح عليها بأيام العمل الضائعة، 38 ألفاً و 923 يوماً، أكبر نسبة منها سجلت بعمالة مقاطعات سيدي البرنوصي ب 20 ألفاً و 91 يوماً، يليها إقليم النواصر ب 6 آلاف و 303 أيام ثم مقاطعات عين السبع الحي المحمدي ب 4 آلاف و 555 يوماً، هذا في حين وصلت أيام الإضراب بمدينة المحمدية، وعن ذات السنة، إلى 4 آلاف و 28 يوماً. من جانب ثان، وفي ما يتعلق بالنزاعات الاجتماعية المعروضة على أنظار القضاء بالجهة، أفادت المصادر بأن عدد قضاياها الموزعة بين المحكومة والمسجلة والمخلَّفة وصل إلى 21 ألفاً و 903، لم تفصل المحكمة منها سوى في 10 آلاف و 240 قضية. مصادر ذات صلة، لم تستبعد في هذا الإطار، أن تعرف وتيرة النزاع بين طرفي الإنتاج (الأجراء و المشغلون) خلال السنة الحالية تصعيداً خطيراً ، جراء إقدام عدد من المؤسسات على إغلاق أبوابها وتسريح آلاف العمال بشكل جزئي أو جماعي، خاصة بقطاع النسيج الذي يشكل بنظر معظم المتدخلين المجال الأكثر عرضة لهذه الهزات الاجتماعية بفعل تداعيات الأزمة المالية العالمية التي انعكست على دورته الإنتاجية بشكل مباشر بدءاً مع انطلاق الشرارة الأولى لها. وبنظر ذات الرأي، فإن قطب الدارالبيضاء الكبرى يمثل في ظل هذه الأوضاع واجهة جلية لمظهر التوتر الاجتماعي السائد ببلادنا، لأنها تمثل، حسب التقرير السنوي الأخير للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 2007، بناء على معطى التوزيع الجغرافي للنشاط المهني، والمقاولات المنخرطة والمؤمن لهم، (تمثل) 36 في المائة، من حيث عدد المقاولات، و 45 في المائة، في ما يتعلق بعدد الأجراء، تليها وفق ذات المصادر، منطقة الرباطالقنيطرة ثم أكادير. بينما تأتي من حيث توزيع النشاط المهني، حسب القطاعات الأكثر تمثيلية داخل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وذلك بالنظر إلى عدد الأجراء والمقاولات، قطاع التجارة والخدمات، يليه البناء والأشغال العمومية، ثم قطاع الصناعة التقليدية وصناعة الملابس الجاهزة. إلى ذلك، وفي ما يتعلق بالسكان النشيطين بالدارالبيضاء الكبرى، فإن عددهم يصل من أصل السكان البالغين 15 سنة فأكثر، كما كشفت عن ذلك النشرة الإحصائية السنوية للمغرب 2008، إلى مليون و 200 ألف و 38 فرداً، يقدر معدل النشيطين منهم لدى الفئة العمرية من 25 إلى 34 سنة، ب 65,7 في المائة ومن 35 إلى 44 سنة 62,3 في المائة، ومن 45 سنة فأكثر 39 في المائة، بينما لا يتعدى لدى الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة، 32 في المائة، هذا وتكشف مديرية الإحصاء للمندوبية السامية للتخطيط بخصوص المؤهلات الثقافية لديهم، أن 39,3 في المائة من هؤلاء النشيطين بدون مستوى ثقافي (شهادة)، نسبتهم بالمجال القروي، تقدرها ذات الأوساط ب 50,9 في المائة والحضري ب 38 في المائة. وارتباطاً بالموضوع، وبالنظر الى الحالة في المهنة للنشيطين المشتغلين والعاطلين الذين سبق لهم العمل، حسب نتائج آخر إحصاء عام للسكان، فإن أجراء القطاع العام بالجهة لا تزيد نسبتهم عن 10,7 في المائة ، يصل عدد موظفي الدولة ، حسب النشرة الإحصائية السنوية للمغرب 2008 بالدارالبيضاء الكبرى عن سنة 2007 إلى 45 ألفا و 332 موظفاً ، عدد الإناث منهم 20 ألفاً و 662، تتمركز بالدارالبيضاءالمدينة وحدها 38 ألفاً و 412 موظفاً. بالموازاة مع ذلك، يصل العدد من الساكنة النشيطة بالقطاع الخاص إلى 63 في المائة. هذا وفي ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور الذي شكل ولايزال إحدى نقاط الخلاف الأساسية بين الفرقاء الاجتماعيين وأرباب الشغل، والدولة بشأن تحريك سلمه، فقد أفاد بهذا الشأن بيان لوزارة التشغيل والتكوين المهني يوم الاثنين الماضي (29 يونيو)، أن الحد الأدنى القانوني للأجر سيصبح ابتداء من فاتح يوليوز وبتطبيق المرحلة الثانية من الزيادة في الحد الأدنى القانوني للأجر بالقطاع الخاص التي أقرتها الحكومة من جانب واحد، يوليوز السنة الماضية، 10,14 درهم للساعة بالنسبة لقطاع النسيج والألبسة، و 55,12 درهماً في اليوم بالنسبة لقطاع الفلاحة. لتبقى، بحسب أكثر من رأي، الدارالبيضاء، كقطب اقتصادي وتجاري، مركز «تصدع» اجتماعي عمالي بامتياز، وتيرمومتر قياس درجة صعود أو هبوط حركية التوتر والنزاع ببلادنا، في ما يخص عدد النزاعات والمطالب المستجاب لها، والإضرابات المعلنة وكذا المجتنبة، وأيام الإضراب المنفذة، والوقفات والاعتصامات والإغلاق، والتسريح الجماعي للعمال بأكثر من مؤسسة وأكثر من قطاع.