الآن وبعد أن قطعنا الشوط الثاني من مسلسل الاستحقاقات الانتخابية ، والشروع في تشكيل المجالس المسيرة و تكوين مجالس الجهات، آن الأوان لفتح أوراش التسيير والتدبير بالجهات ولم لا إصلاح المنظومة الجهوية ببلادنا . إن تفعيل دور الجهة يقتضي كذلك إعادة الاعتبار للتخطيط الترابي الجهوي، باعتباره الاطار الذي سيحدد التوجهات الكبرى لتنمية الجهة ويكشف عن مكامن الخلل والمعوقات ويبرز المؤهلات التي يجب تعبئتها في إطار من التوازن والتضامن بين المكونات الترابية للجهة، ومتطلبات تنمية وتهيئة للتراب الوطني من جهة ثانية. كما يتطلب تفعيل دور المؤسسة الجهوية أيضا تغييرات عميقة في اتجاه اللامركزية واللاتركيز والتي يجب أن تفضي إلى إقرار نمط جديد للتدبير يقوم على أساس تعاقدي بين الدولة والجماعات المحلية. وفي هذا الاطار يتعين تحديد دور مؤسسة الوالي وتوضيح اختصاصاتها في اتجاه يجعلها مؤسسة ذات طابع تنموي واضح ولها امكانية تنشيط وتقوية التعاون والتنسيق الافقي بين مصالح الدولة على المستوى الجهوي. إن مثل هذه الاجراءات هي الكفيلة بتحويل المؤسسة الجهوية إلى جماعة ترابية تتمتع بالمقومات الضرورية والشخصية المتميزة وتساهم في ترسيخ دعائم البناء الديمقراطي، وتتحول إلى إطار يسمح ببلورة مشاريع تنموية مندمجة ضمن نهج ارادي ومتناسق لإعداد التراب وتخطيط عقلاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتدبير فعال للشأن العام الجهوي. وستصبح بذلك الجهة قادرة على تفعيل هدفين كبيرين للسياسة الوطنية لإعداد التراب وهما: الاندماج الوطني وتنمية وإنعاش الشغل. لكن، كيف تنظر سلطة الوصاية ممثلة في مؤسسة الوالي إلى المجالس الجهوية؟ ففي الوقت الذي تعتبر الأحزاب السياسية الوطنية بأن المنتخبين يعدون ممثلين لها وللسكان في المجالس المنتخبة و مسؤولين عن بلورة تصوراتها ونظرتها للشأن المحلي، تعتبر السلطة المنتخبين مجرد عناصر وأفراد للواجهة ولتأثيث الندوات والمناسبات وبأنهم غير أكفاء لتحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي ! إذا كانت هذه النظرة التحقيرية مرتبطة بعمليات تزوير الانتخابات في فترات سابقة وانتشار ظاهرة الإرشاء الانتخابي، فإنها تفضي إلى هيمنة سلطة الوصاية في تكوين القرارات والمصادقة عليها بحيث يصعب على المجلس الجهوي التخطيط والخروج بقرارات لا ترضى عنها سلطات الوصاية والأمثلة على ذلك كثيرة. السؤال المنطقي الآن، هل الخريطة الجماعية المنبثقة عن الانتخابات الجماعية الأخيرة قادرة على إفراز تسيير جهوي فعال يسير في اتجاه تعزيز دور الجهة كقاطرة للتنمية؟ سؤال سننتظر وللأسف ست سنوات للإجابة عنه بعد تقديم حصيلة عمل هذه المجالس...!