بكل نزاهة نقولها: كان المنتظر سيكون أسوأ وأقبح مما حصل على أرض الواقع في ياوندي، زوال الأحد الماضي، وما حصل هو »مسخ« ذلك الطابور الكامروني من الأسد المستعصية على الترويض، مسخه، إذ تحول من آلة كاسحة دفاعاً ووسطاً وهجوماً الى فريق جد متواضع لم يعطنا طيلة 94 دقيقة من اللعب أي دليل على تنطعه التاريخي، وأية لحظة يمكنها أن تؤكد أنه فعلا ذلك الفريق الذي يستحق عن جدارة تمثيل المجموعة في نهائيات كأسي افريقيا والأمم بجنوب افريقيا... فما الذي حصل له إذن ليعطينا هذه الصورة الباهتة؟ هل استشعر مدربه الألماني فيتشر ذلك ونأى بنفسه عن حضور لحظة وفاة نخبة كانت مهابة الجانب وأفول أنجم لامعة لم يبق من بعضها إلا غوغاء البطولة الأوربية؟ وعن هذا التراجع الكامروني، يكفي أن نستظهر المناسبات الأربع التي توفرت لفريقنا الوطني مبكراً كي يسجل الأهداف السهلة، لكنه ورغم الوقت المناسب، لم يجد الرجل المناسب في المكان المناسب تكتيكيا لأن: (1) التعليمات كانت صارمة بحيث تحظر على رجال الوسط والهجوم أي اندفاع وتفرض عليهم البقاء في المؤخرة و »الصيام« عن الهجوم الجماعي والاكتفاء فقط بالحركات الخاطفة في الفراغات التي يوفرها اندفاع الدفاع الكامروني أمام تراجع أولادنا لتحصين منطقة الدفاع. 2 لم نسجل للاعبينا أية لحظة تبادلوا فيها الكرة أكثر من مرتين فقط ليكون مصيرها، وبالتالي مصير ومسار النخبة الضياع والارتباك 26 (كرة مهداة للخصم مقابل 7 من الكامرون). 3 أننا لم نمارس ذلك الضغط المرجو من الجناحين، بحيث لم نوال التسربات الجانبية، ومن ثم لم ترسل إلا أربع تقويسات ساعدت أولاها على توفير قذفة على العارضة وذهبت ثانيتها إلى البحث عن تلال ياوندي. 4 أما التسربات العميقة، فإنها كانت متوفرة، عندما كان زمامة (قبل خروجه المفاجىء) يرسمها لأصدقائه في المساحات والتوقيت المناسبين، لكنها لم تكن لتعطي أكلها، نظراً للعزلة التي كان يعاني منها الحمداوي وحده في المربع الكامروني، دون أية مساندة من رفاقه حجي/ كمال/ خرجة، خاصة وأن الدفاع الكامروني بقيادة الشيخ صونغ كان متباعداً وثقيلاً وقابلاً للاختراق. فهل هو الخوف من سمعة الكامرون؟ هل هو عدم التركيز في تسديد الكرة إلى مرماها الذي لم يكن محروساً من طرف حارس قوي مهاب الجانب، مثلما كان عليه حال لمياغري الذي أبدع وأقنع في حراسة مرماه، بل في مساعدة الدفاع على درء العديد من الهجمات.؟ 5 ونتيجة لذلك، ظهر لاعبو الوسط والمهاجمون وكأنهم يلبسون أدوراً جديدة عليهم وهي تغطية منطقة العمليات أمام لمياغري وبناء حصون بشرية، وكأنهم سيواجهون عباقرة البارصا في شخص إيطو، ميسي وأصحابهما... إذ أصبحوا يشتتون الكرات حيثما تأتى لهم خارج منطقة الدفاع ويسارعون في إبعادها الى الأمام أحياناً بدون اتجاه، وأحياناً نحو صديق منفرد في مساحة نائية، لا يمكن لزملائه أن يدعموه في تداولها أو تحويلها الى خطر جماعي في المربع الكامروني، لأنهم »لاصقون« في المؤخرة.. إن الكامرون، وكما عايناه، كان في المتناول جداً نظراً لتواضع أداء لاعبيه، وللارتباك التقني الناتج ولاشك عن استقالة مدربه في آخر لحظة، لكن الذي حصل لنخبتنا من اهتزازات في آخر لحظة كذلك، كان من القوة بحيث أربك توقعات المدرب وأدى به الى تجشم عناء الخوف المبالغ فيه ولعب ورقة »اللي خاف انجا« و »الوقاية أفضل من العلاج«. وها هنا نتساءل: هل كان لومير يتابع عن كثب وبواسطة »الوسائل المعروفة لديه وعنه« مجريات الاستعداد عند هذا الكامرون؟ وهل توفرت له وكأي مدرب كبير، عناصر استخباراتية عن خصمه؟ لا يسعنا أمام هذه النتيجة العجائبية، إلا أن نتساءل عن مصير نخبتنا التي تصدع كيانها بسلوكات ومواقف بعض عناصرها في آخر لحظة، ولعل هذه النتيجة/ العلاج ستتيح للطاقم التقني بعض الارتياح النفسي واسترداد الثقة لكن فيمن؟ ... ومع ذلك، نحيي عطاء لمياغري والخط الدفاعي الرباعي والولد زمامة.... وسلام على المرسلين!! ومع ذلك، علينا أن لا نفقد الثقة، ويحق لنا أن نتنفس الصعداء وأن نستلذ أغنية »الأمل«... وأن نكون صرحاء في تعرية الأخطاء وأسبابها وتحديد نقط الضعف الفردية والتكتيكية.