عندما نريد ذكر اسم جلالة الملك نحتاط كثيرا حتى لا نتخطى الخط الدستوري الأحمر، ونرفع درجة الحذر إلى مستوى كبير من المسؤولية، حتى لا يتم الخلط بين مستويات التعامل مع شخص الملك. كل هذا الحذر لم يعد يجدي في نظر السيد فؤاد عالي الهمة. ولم يعد يجدي بأن نضع جلالة الملك في صفوته الدستورية والدينية والتاريخية. لأن الهمة يريد أن يخوصص الملكية ويجعل لها رقما بنكيا في حساب حزبه.. أن يسقط آلاف المغاربة في دروب البيضاء، وفجاج الأطلس وفي كاريانات البيضاء، وفي رمال الصحراء المتحركة، وفي المنافي وفي التلال، من أجل أن يعود ملكهم، من أجل أن تبقى الملكية للمغاربة كلهم، ومن أجل أن يُركِعوا قوى الاحتلال فذلك كله يراد له اليوم أن يقبل التأويل الفوري، ويدخل في التصنيف السياسي العابر. الهمة يردد بأن حزبه هو مشروع جلالة الملك. لا داعي لكي نقول :هل الآخرين لا حق لهم في أن ينتسبوا إلى قيم الملكية وخلود الملكية ورمزية الملكية؟ يمكن أن نطرح السؤال بمرارة ونضيف: هل يمكن أن تصبح الصداقة مشروعا سياسيا للدولة؟ هل يمكن أن نعوض العقد الخالد بين الشعب والملك بصورة صديقين، مهما كانت قوتها الإنسانية والعاطفية وعروتها الحميمية؟ لا يمكن بتاتا أن نصنع من الصداقة بديلا للوطنية. المغاربة كلهم أيضا يشعرون بما يفوق صداقة خاصة مع الملك: إنهم يعيشون في بلد ملكه ديموقراطي، وحداثي ويحب الفقراء من أمثالهم.. ملك يحب أصدقاءه، لكن كما كان أفلاطون يردد دائما: إننى أحب سقراط ولكن حبي للفلسفة يأتي قبل كل شيء.. ملك لا شك أن من شيمه الوفاء لأصدقائه، لكنه بالدرجة الأولى، وفيٌّ لشعبه ولبلده المغرب، ولكل ما يخرج من هذه الأرض الطيبة.. هناك ما يدعو إلي الخوف، ليس من استغلال اسم جلالة الملك فقط، بل أيضا من أن يتعمم الاعتقاد بأن سمو شخصه في الدائرة المدنية والسياسية والدينية للبلاد ليس ضرورة .. هناك تحزيب غير مقبول اليوم للملكية.. لقد كان هنري دومنترلان يردد باستمرار أن «الصداقة توجد دوما في قلب مأساة السياسة»، ولم يكن بعيدا عن الصواب.. لأن المسار الذي يمكن أن تأخذه الأشياء من بعد لا يمكن أن يتنبأ به أحد.. ولا يمكن أن يحسب مداه أحد.. في الانتخابات لا يمكن أن نكرر ما وقع في بداية الستينيات عندما كانت الإمارة في خدمة الدائرة، كما حدث في دائرة يعقوب المنصور حيث انتصر بائع الفاخر على رجل القصر (انظر مذكرات الفقيد عبد الرحيم بوعبيد) وفي الانتخابات يجب أن نستحضر قدسية الملك في ذهن البسطاء من القرى والمدن، وما يمكن أن يدور في خلدهم عندما يكتشفون بأنه «غرر» بهم من أجل مقاعد زائلة. لا يمكن أن نستخدم الخالد في خدمة العابر. فيا أيها العابرون في اقتراع عابر انتبهوا واخرجوا من المقدس الذي يجمع المغاربة. يجب أن نذكر الوزير الأول عباس الفاسي، بأنه سبق أن أصدر بيانا عن إقحام شخص الملك عندما تحدث عبد الإله بنكيران عن خطأ عن اسم جلالته في قضية حساب التضامن مع الشهداء والضحايا في غزة. يجب أن نذكره بأن هناك أشياء تستحق الانتباه غير مراسلة حميد شباط ودعمه ضد وزير التشغيل !! ليسمح لنا كل أصدقائنا في حزب الأصالة والمعاصرة، وليسمح لي فؤاد شخصيا إذا ما رفعت في وجهه سبابة 30 مليون مغربي قائلا: لا يحق لك أن تحول الملكية في حساب انتخابي مفتوح مهما كانت درجة انخراطك في مشروع الملك محمد السادس.. والحقيقة أن في الأمر رائحة عتاقة لا تليق بالحداثة التي قادها ودافع عنها بجرأة نعترف بها، من وسط الدائرة العليا للقرار السياسي.. «دولة الأصدقاء» ليست مشروعا مريحا في التاريخ، ولا في الجغرافيا ولا في التربية الوطنية كذلك. دولة الأصدقاء قد تكون هامشا في الجمهورية الخامسة، كما قال شيراك ذات يوم، لكنها لن تكون بديلا لثورة دائمة بين العرش والشعب. هناك شيء من المخاطرة في ادعاء خوصصة الملكية لحساب طرف ما، والمخاطرة في أن يصبح التاريخ دورة حلزونية لأفعى تعض ذيلها باستمرار..