ترتبط الظاهرة الانتخابية بالمغرب عموما، وبفاس على وجه التحديد، بارتفاع نسبة الجريمة، وتزايد في فرص عمل المجرمين (ضحايا المجتمع والمفسدين)، ونقصد مجرمي الحق العام، وبالضبط الذين يمتهنون السرقة والسطو المسلح على المواطنين وسلب أموالهم وممتلكاتهم، وليس كبار المجرمين ناهبي المال العام، والمحسوبين على فئة المسؤولين المصنفين ضمن من أساءوا التسيير والتدبير، لقد خرج سكان فاس للتنديد والاحتجاج على ارتفاع الجريمة، بعد أن أصبحوا عرضة للابتزاز والتهديد والسلب الذي يمارس عليهم من طرف زبائن الكائنات الانتخابية، وقدموا رسالة واضحة للمسؤولين عن تسيير الشأن العام المحلي، والسلطات واللجان المكلفة عن توزيع أموال الشعب باسم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مفادها أن الانتخابات الجماعية والمجالس المنتخبة لم تقدم رغم الأموال الطائلة التي جاءت بها المبادرة والأموال الضخمة المحصلة من تفويت الأراضي التي كانت في ملكية الجماعة، أو تلك التي جمعت بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق تفويت أراضي التعاونيات، بعد أن أدرجت الأراضي الفلاحية ضمن المجال الحضري، في الدورات الأخيرة من عمر المجلس، الشيء الكثير لسكان الأحياء الفقيرة التي تعرف كثافة سكانية مرتفعة، ونسبة تصويت عالية بالمقارنة مع الأحياء الراقية للمدينة، وأن السكان المحتجين ضد المجرمين والإجرام، لازالت وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية جد مزرية، ويتخبطون في التهميش والإقصاء والانحراف والحرمان وغياب أبسط شروط العيش الكريم والسكن الكريم، أمام سيطرة لوبي العقارات على كل البقع المتواجدة وسط المدينة، بما في ذلك تلك التي كانت مخصصة لبناء الملاعب والحدائق. الأكيد أن الجريمة وليدة عدة عوامل متداخلة ومتراكمة، ويعد الفقر المدقع والبطالة من الأسباب الرئيسية لتفشيها، لكن استغلال بعض المرشحين بالمدينة للمهمشين والمهمشات من أبناء المحرومين والمقصيين، هو ما جعل الظاهرة تنتشر بسرعة وبحدة، هذا النهج البصراوي في التحكم في نتائج الانتخابات، وفي كل من له علاقة بالجريمة الصغيرة غير الواعية وغير المنظمة، وغير المؤثرة على الأمن والاستقرار العام، تمثله بعض الحزبيين والسياسيين، وعملوا على تكريسه للحفاظ على الكتلة الناخبة واستقطاب فئة أخرى أقل منها وعيا وأسحق من الأولى. لقد حوصر السكان من التوجه نحو وسط المدينة للتنديد بالحيف والجور الذي يعانون منه، و أيضا لأنهم عملوا على إزالة النقاب عن سياسة تنموية هي أقرب لسياسة الواجهة، ولكنها بعيدة جدا عن سياسة القرب، كما أنهم تساءلوا عن المشاريع المدرة للدخل، وتلك التي هللت بها المبادرة الوطنية للتنمية، والمرتبطة بإدماج الشباب في سوق الشغل ومحاربة انحرافه، وإدماج المرأة والطفل في النسيج المجتمعي. إن أول اللجان الانتخابية التي هيكلها بعض السياسيين والحزبيين الذين استطاعوا بسط نفوذهم على المستضعفين، هي لجان المجرمين، والمنحرفين والمنحرفات، أي ذوي السوابق العدلية والممتهنين للبغاء، ولا غرابة وأنت تدخل مدينة العلم والعرفان، في أنك ستكتشف أولا، أسماء بعض زعماء الأحياء، قطاع الطرق، وبعض أباطرة ترويج المخدرات والسطو والاعتداء المسلح، ثم أسماء بعض المرشحين المرتبطين بتدبير المدينة، هذا التلاقي غير بريء طبعا، فالمرشحون الذين يفقهون في ترتيب الحملات الانتخابية، يعملون جاهدين على تقسيم المناطق والدوائر الانتخابية، وفق طبيعة الحي والصعوبات التي تواجهه على مستوى الجريمة، وليس البرنامج الانتخابي للخصم، وقدراته التعبوية والتواصلية، والتي أصبحت ثانوية، أي أن مهمة جماعة الإجرام تنحصر في حماية الأصوات المكرطنة داخل الحي، خصوصا تلك التي بيعت سلفا، ناهيك عن منع بعض المرشحين والأحزاب بعينها من الدخول للترويج لحملتها والتعريف ببرنامجها، وهناك أعمال يقوم بها المنحرفون والتي تدخل في باب الاجتهاد تتمثل في جمع أطفال الحي وشبابه ورفع شعارات التهليل بالمرشح المعلم مول الشكارة، والدعاء له، وفي يوم التصويت يقوم بمنع المواطنين الذين يشك في أمر التزامهم، وبالأخص سحب البطاقات من النساء غير المضمونين التصويت، وبالتالي تحسم نتائج التصويت حتى قبل غلق مكاتب التصويت،