سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد المسكاوي الرئيس الدوري للهيئة الوطنية لحماية المال العام ل "التجديد": كل درهم من المال العام يختلس يعد جريمة اقتصادية لا بد من قوانين لا تترك للمختلس أي مفر من العقاب
يعتبر الرئيس الدوري للهيئة الوطنية لحماية المال العام أن الترسانة القانونية التي تراقب بمقتضاها الدولة المال العام بالمغرب ترسانة متخلفة يجب تحديثها، ويشرح محمد المسكاوي في الحديث الذي خص به التجديد دوافع تأسيس الهيأة باعتبارها هيأة من المجتمع المدني وصوت لتحسيس الرأي العام بجرائم نهب المال وانعكاساتها السلبية بوصفها جرائم اقتصادية على التنمية البشرية ككل. ويبدى الناشط الجمعوي جملة آراء الهيأة حول قضايا ومؤسسات وأحداث مرتبطة بتسيير وتدبير المال العام بالمغرب، مقترحا في الآن نفسه إجراءات ترمي إلى محاربة ظاهرة الاختلاس والأهم من ذلك القطيعة مع ظاهرة الإفلات من العقاب. ما هي خلفية تأسيس الهيئة ومطالبها المستعجلة؟ لقد تأسست الهيأة الوطنية لحماية المال العام في 24 مارس ,2001 على خلفية انفجار مجموعة من ملفات الفساد. هذا التأسيس جاء بمثابة تحسيس أو تنبيه للرأي العام الوطني والفاعل السياسي على خطورة الجرائم الاقتصادية، باعتبارها العائق الأساس أمام تطور التنمية الوطنية الشاملة. ولقد اعتبرنا أن المال العام المغربي العمومي تعرض مدة 40 سنة لاستنزاف خطير جدا ومنظما، إذ كانت هناك مافيات تستغل قربها من السلطات العليا لقضاء مصالحها ونهب المال العام. واعتبرنا أن ناهبي المال العام بمثابة مجرمين ضد الإنسانية، لأن عمق المشكل في تقديرنا هو أن الشباب الذي يرتمي في أحضان البحر، والفتيات اللواتي يرتمين في أحضان الدعارة، إنما ارتموا بشكل أساس لذلك لأن ثمة فقرا بالمغرب. فقر ليس قدرا على المغرب، بل ناتج في جزء منه عن سوء تسيير المالية العمومية، وسرقها ونهبها بشكل كبير. واعتبرنا أيضا أن الملفات التي انفجرت في الآونة الأخيرة ما هي إلا جزء بسيط من الحقيقة والغمامة السوداء التي يمكن أن تخيم علينا، كما أن عملنا في هيئة حماية المال العام هو اشتغال ضمن إطارات المجتمع المدني التي تمثل مجموعة من المنظمات، بحيث نقوم بعملنا عن طريق الندوات والوقفات الاحتجاجية والواجهة الإعلامية أيضا، كما سنحاول مستقبلا أن ننتصب كطرف مدني في قضايا نهب المال العام. ما هي أهم المطالب التي تنادي بها الهيأة؟ أهم مطلب أساسي ورئيس نطالب به، ونتمنى أن تتبناه جميع القوى السياسية الحية بالبلاد، هو عدم الإفلات من العقاب في مجال الجريمة الاقتصادية ، ونحن نناضل من أجل ذلك. والسبب في ذلك هو أن استمرار سياسة نهب المال العام ومسلسل الفساد الاقتصادي مرتبط بمبدأ اللاعقاب، فالإفلات من العقاب يولد لدى المختلس ولدى المجرم بصفة عامة الاطمئنان إلى الفعل ومعاودته. فالمطلب الأساس هو سن قوانين لا تترك للمختلس أي مفر من العقاب. والمطلب الثاني للهيأة هو استرجاع الأموال المنهوبة، ونحن هنا لسنا ضد أو مع اعتقال أحد، بل نحن مع إجبار المختلسين في حال ثبوت اختلاساتهم، على إعادة الأموال المنهوبة إلى الدولة. تصوروا لو أن تلك الملايير عادت إلى خزينة الدولة، ما الذي كانت ستوفره للشباب وللتنمية الاقتصادية؟ نحن إذن نطالب بمحاكمة المجرمين الحقيقيين، وليس أكباش فداء. ماذا يعني المال العام؟ المال العام هو كل مال عمومي يستخلص من ضرائب المواطنين، كل مال يوجد لدى الوزارات والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، فكل مال يدخل إلى الخزينة العامة، أو يخرج منها هو مال عمومي. ويدخل في مفهوم المال العام أيضا مقالع الرمال، والأراضي الفلاحية للدولة صوديا وسوجيطا، ورخص الصيد في أعالي البحار، ورخص نقل المسافرين بين المدن. ونعتبر الأنواع الأخيرة من الأموال العمومية التي ذكرت سببا للفساد السياسي والاقتصادي، لأنها استعملت لشراء الذمم وشراء النخب لتبقى في توافق مع سياسة معينة وتدبير سياسات معينة. متى يصير نهب المال العام جريمة اقتصادية؟ نحن لا نقيس الجريمة الاقتصادية بمقدار المال المنهوب، فكل درهم من المال العام يختلس يعد جريمة اقتصادية. هذه الأخيرة تحدث عندما يُختلس مال عمومي من مؤسسة عمومية، أو جماعة محلية أو وزارة. ونعتبر في الهيئة الوطنية أن حماية المال العام ليست قضية مزايدة أو قوانين، بل هي نظرة تنطلق من أن الاختلاس مشكل أمة؛ فمبلغ 115 مليار درهم الذي اختلس من الصندوق الوطني الضمان الاجتماعي تعادل خمس مرات احتياطي المغرب لسنة ,,.2001 فالجرائم الاقتصادية تدمر مستقبل أمة بكاملها، وتؤجل أحلام الشباب والتنمية بالبلاد، ويترتب عليها لجوء الدولة إلى الاستدانة من الخارج. والدولة لم تتحرك حيال هذه الجرائم حتى الآن باستثناء إلغاء محكمة العدل الخاصة، وهو مطلب كانت الهيئة نادت به منذ تأسيسها، معتبرة أن وزير العدل يقف حجرة عثرة في طريق فضح قضايا نهب المال العام، لأن الدعوة في هذه المحكمة لا تتحرك إلا بأمر كتابي منه على خلاف جرائم الحق العام، والدليل على ذلك ملف السليماني وعفورة؛ فإلى حدود الثانية عشرة ليلا من أحد الأيام وقاضي التحقيق ينتظر أمرا كتابيا من وزير العدل بمباشرة الدعوة. وهنا يمكن أن نتحدث عن تدخل الحسابات السياسية بالنظر إلى انتماء الوزير إلى هذه الجهة أو تلك وانتماء المتهم إلى الجهة نفسها التي ينتسب إليها الوزير. ما هي الانعكاسات السلبية الواضحة لنهب المال العام على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين من جهة، وعلى الأداء الاقتصادي الوطني؟ بالنسبة إلى انعكاسات نهب المال العام على الاقتصاد الوطني فهي واضحة للعيان ولجميع المواطنين الذين يشتكون، وذلك رغم وجود سياسة حكومية في المجال الاقتصادي. المشكل أعمق من ذلك، وهو أنه عندما نتحدث عن الخوصصة فإننا نلحظ في المغرب أن المؤسسات العمومية تخوصص بعدما يتم إفلاسها بشكل ممنهج، ولدينا مجموعة من المؤسسات التي ساهم مديروها في إفلاسها ثم عادوا ليسيروها بعد خوصصتها كحال شركة سامير، ولذلك فليس المشكلة لدينا في المغرب مشكلة الكفاءة، بل هي مستوى التسيير والتبذير للمال العمومي الذي ينتج عنه عجز في مالية الدولة. هذه الأخيرة مثلا تدخلت لتضخ أموالا طائلة في ميزانية شركة كوماناف بعد أن اختلس مسؤولون بها أموالها، وبدل أن تعاقبهم الدولة فإنها ضخت أموالا إضافية كان يمكن أن توجه إلى التنمية الاقتصادية من خلال دعم البنيات وتحريك الاستثمار. وإن السعي وراء إنقاذ هذه المؤسسة أو تلك من الإفلاس يربك بل ويخرب مالية الدولة. وعندما تصير المؤسسات العمومية التي يفترض فيها أن تدعم التنمية بالبلاد تمتص جزءا من المالية العمومية فإن ذلك سيؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني، هذا التأثير يؤثر بشكل مباشر على الحقوق الاجتماعية للمواطنين، ذلك أن الدولة ترعى مصالح أفراد المجتمع. وعندما نقول باقتصاد متأزم نقول ببطالة خانقة خصوصا في صفوف الحاملين للشهادات، وكذا ببنيات تحتية مهترئة. وفي هذا الصدد لا أدري كيف سنستعد لمونديال 2010 لو قدر لنا أن نحتضنه؟ ولا نعرف كيف سيواجه المغرب تحديات توقيع اتفاقية التبادل الحر مع الولاياتالمتحدة الأمريكية؟ وكيف سننافس الاتحاد الأوروبي سنة 2010 وتركيا؟ وكيف نؤهل مؤسسات مختلسة لتكون في مستوى المنافسة الخارجية؟ ألا ترون أن على الدولة أن تلزم المختلسين بإرجاع الأموال المختلسة بدل إثقال كاهل المواطنين والشركاء من جديد لتجاوز أزمة المؤسسات العمومية كالبنك المغربي للإنماء الاقتصادي وصندوق الضمان الاجتماعي نموذجا؟ نرى في الهيأة أنه ليست لدى الدولة إرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذا الملف، فلا بد من توفر هذه الإرادة، وإلى جانب الإرادة السياسية ثمة إجراءات أخرى لا بد أن تقوم بها الدولة: أولا: الإجراءات القانونية، فترسانة القوانين التي تُراقب بها مالية الدولة تعود إلى الستينيات والسبعينيات ترسانة قانونية متخلفة في مجال الرقابة المالية، وهذا إشكال كبير في المغرب، ولا مناص من تحديث الترسانة. ثانيا: لا بد من تكريس دستور ديمقراطي ينص على الفصل الحقيقي للسلط، فوزير العدل لا علاقة له بتحريك الدعوة داخل محكمة العدل الخاصة أو المحكمة العليا للوزراء. وبالتالي يجب أن يكون لدينا قضاء يرقى إلى مستوى الدستور. أما الآن فما يزال القضاء يعد لدينا وظيفة، والمطلوب هو إعطاء ضمانات حقيقية لاستقلالية القضاء حتى يشعر القاضي بأنه يؤدي واجبا وطنيا بعيدا عن أي ضغوطات سياسية لوزارة العدل، أو للجهاز التنفيذي بصفة عامة. إذن المشكل مشكل تحديث الترسانة القانونية، ومشكل غياب الإرادة السياسية. والأساس هو التربية، إذ يجب أن نربي أبناءنا في المدارس، وعبر وسائل الإعلام على معنى الحفاظ على المال العام، لأنها ثروة وطنية تهم جميع المغاربة، وخطورتها تمس جميع الفئات. أضف إلى ذلك أن الحفاظ على المال العام هو بند من بنود احترام حقوق الإنسان، خصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية. ومع أن المغرب صادق على هذا العهد إلا أن لا يطبقه. هل نهب المال العام بالمغرب ظاهرة ظرفية أم بنيوية؟ نحن نعتبر أن نهب المال العام ظاهرة بنيوية بالمغرب، لأنه تشكلت منذ استقلال المغرب شبكات منظمة وبنيات لا تحترم القانون وتعتبر نفسها فوقه، وقد استغلت قربها من السلطات العليا لتعيث في المال العام فسادا كما وملف عفورة ماثل أمامنا. والملاحظ أن القوانين تحرك استثناء عندما يراد تصفية حسابات بين مواقع النافذة أو استبدال مواقع، أما القاعدة فهي أن الدعوة القضائية تحرك دون أن ينتظر من ورائها أي شيء... وما يجب فعله هو تطبيق قانون التصريح بالممتلكات بالنسبة للمسؤولين والمدراء العامين ورؤساء الجماعات المحلية، حتى يمكننا أن نقارن بين ممتلكاتهم عند تقلدهم المناصب وبين ممتلكاتهم بعد إعفائهم منها، وكما يجب أن توفر إرادة حقيقية لمحاربة ظاهرة نهب المال العام. شهدنا ضعفا في على مستوى المتابعات القضائية لجرائم نهب المال العام ، كيف تتصورون دور السلط الثلاث والمجتمع المدني والإعلام والمنظمات في مناهضة الإفلات من العقاب؟ لا بد أن أركز على دور السلط الثلاث في ما يخص الرقابة على المال العام؛ فبالنسبة إلى السلطة السياسية، فالرقابة يمارسها البرلمان عن طريق لجن تقصي الحقائق، هذه الأخيرة تحتاج إلى تقوية دورها داخل البرلمان. أما بالنسبة إلى المراقبة الإدارية التي تمارسها السلطة التنفيذية من خلال وزارة المالية، فلا بد من تحديث المفتشية العامة لوزارة المالية وتقوية وتأهيل أطرها بشكل كبير. وعلى المستوى القضائي فإن الذي يمارس الرقابة هو المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، ولقد لاحظنا داخل الهيأة أن دسترة المجلس الأعلى للحسابات قد تأخرت إلى حدود سنة ,1990 ولم يكن المجلس بمثابة مؤسسة دستورية إلا مع حلول هذا التاريخ. هذا التأخر جعل هياكله في حالة الفوضى، في وقت كان فيه المجلس مطالبا بأن ينظر في 40 ألف تقرير سنويا، وهو لا يتوفر إلا على 200 موظف، بينهم 74 قاضيا وبناية متواضعة. وهذه المعطيات لم تكن مساعدة، فحسب علمي فالمجلس لم يتمكن في السنة الماضية سوى من الانتهاء من دراسة ميزانية 1998 في حين أن ولاية حكومة التناوب كانت انتهت. ونعتبر أن إحداث المجالس الجهوية للحسابات، والمحاكم المالية مسألة إيجابية جدا، لكن ما يزال يعتريها نوع من النقص في ظل وجود رقابة علنية للدولة تمنع المجالس من القيام بمهامها على الوجه الصحيح، بالإضافة إلى التصادم بين هذه المجالس الجماعية. أما المجتمع المدني، فإننا نعلم أن له سواء الحقوقي منه أو السياسي أو الشبابي أو النسوي دورا ممتازا جدا بالرغم من التفاوتات الحاصلة، واعتبر أنه بمثابة سلطة موازية للسلطات الثلاث، لأنه يمثل نبض وقلب الشارع، ويحمل همومه إلى المسؤولين على مستوى السلطات المذكورة، ومع ذلك كله فإن المجتمع المدني غائب عن عملية مراقبة المال العام مع بعض الاستثناء. وإن كان المجتمع المدني قد خاض بشكل كبير في الجرائم السياسية إلا أنه لم يخض في الجرائم الاقتصادية. ونعتبر أن الهيئة الوطنية لحماية المال العام هي بمثابة صرخة لتحسيس الفاعل السياسي بأن الجرائم الاقتصادية لا تقل وزنا عن الجرائم السياسية، فلو افترضنا أن الدولة عالجت جميع المشاكل المرتبطة بالجرائم السياسية، واعترفت بخطئها ومن ثم تحركنا كمجتمع مدني في مجال المطالب الحقوقية، فإن هذا يمكن أن يساهم في تقدم الثقافة الحقوقية، واحترام حقوق الإنسان. ولكن إذا ضغطنا لحل المشاكل المتعلقة بالجرائم الاقتصادية، فالأكيد أن المغرب سيتبدل ويتغير في وقت وجيز، ومن ثم سنوفر الوقت ونسترجع الأموال المنهوبة وستنتعش ميزانية الدولة كثيرا، مما سيساعد على خلق استثمارات وتقليص سنوات تحقيق التنمية دون انتظار احتضان كأس العالم .2010 أما بخصوص وسائل الإعلام، فإنها سلطة رابعة تؤدي دورا أساسيا في ممارسة الضغط والتأثير، إلى جانب المجتمع المدني. لكن الملاحظ هو أن الجرائد نفسها تركز على الجرائم السياسية ولا تعطى إلا حيزا ضئيلا للجرائم الاقتصادية. هل معنى هذا أنكم تطالبون بمعالجة ملفات الجرائم السياسية والجرائم الاقتصادية بالقدر نفسه؟ طبعا، لأن الملفين مرتبطان ولا يمكن أن نتصور وجود فساد اقتصادي في مقابلة نظام سياسي ممتاز، فالفساد الاقتصادي مرتبط إذن بالفساد السياسي، كما أن القرار الاقتصادي يؤثر فيه القرار السياسي؛ فالنائب المختلس يستغل منصبه السياسي ليقوم بجرائم اقتصادية... ماهي العناصر الواجب توفيرها لضمان تدبير ومعالجة جيدين لملفات الجرائم الاقتصادية ونهب المال العام، وكذا التقليص من ظاهرة الإفلات من العقاب؟ من تلك العناصر استقلال قضائي حقيقي عن قرارات السلطة التنفيذية، قضاء يباشر ملفات نهب المال العام بشكل عادي كأي جريمة في إطار جرائم الحق العام، وإذا ثبت أن شخصا ما مختلس فيجب معاقبته ومطالبته بإرجاع الأموال التي نهبها. فلا بد من قضاء نزيه بعيدا عن سياسة الهوات. ولا بد أيضا من الكشف عن جميع ملفات الجرائم الاقتصادية، وبشكل مستمر وعادي وليس ظرفي، وهنا أشير إلى أنه يجب ألا نخصخص كل مقاولة عمومية سجل فيها حالة اختلاس، ولا مناص من إرجاع الأموال التي اختلست مع تزويد هذه المقاولة بأطر كفأة. حاوره: محمد أفزازِ