قبل ثلاثة أيام وردت أخبار إيجابية من سواحل المحيط الهندي، تتعلق بإطلاق سراح القبطان الأمريكي ريتشارد فيليبس من يد خاطفيه من القراصنة الصوماليين أمس الأول. غير أن فضيحة بقاء هؤلاء القراصنة على قوتهم وقدرتهم على هزيمة القوى البحرية الدولية، تظل تراوح مكانها بالطبع. ومن السذاجة أن نعتقد أن ملايين الدولارات التي تدفع فدية للقراصنة سنوياً تنفق في شراء البيوت والسيارات الفاخرة وغيرها من وسائل الترفيه. فالصومال دولة لا تكف فيها التنظيمات الإرهابية عن استثمار الفوضى المتفشية فيها. وعلى رغم العلم بالخطر الجدي الذي يشكله القراصنة الصوماليون على حركة ملاحة السفن التجارية، لم تفعل القوى الدولية حتى الآن ما يمكنها من القضاء على هذه الظاهرة. ولكي تكتمل الصورة الأوسع في أذهاننا عما يجري في السواحل الصومالية، علينا أن ندرك أن الإرهابيين أشد فتكاً وخطراً، وبوسعهم إرغام القراصنة -الذين هم ليسوا سوى قطاع طرق صغار قياساً إلى الإرهابيين- على الاستمرار في هذا النشاط واقتسام عائداته معهم لتمويل أجندتهم ومؤامراتهم الإرهابية. ولما كانت هذه هي الحقيقة، فلماذا نواصل مكافأة القراصنة على ما يقومون به من نشاط هدام خطير؟ لتكن بداية إجابتنا عن هذا السؤال أولئك القانونيون والمحامون الذين يسيئون تفسير نصوص قانون معاهدة البحار وغيرها من معاهدات جنيف الأخرى، أثناء قيامهم بدور الوساطة بين القراصنة والجهات الساعية للإفراج عن المختطفين. وبسبب سوء ذلك التفسير، يخفق هؤلاء القانونيون في تطبيق القوانين الدولية الرادعة لنشاط القرصنة. والمقصود هنا إخفاقهم في تطبيق قانون 'حق الدفاع عن النفس' الذي يجيز قتل القراصنة لحظة محاولتهم التسلل إلى سفينة ما. ومع ذلك يلاحظ عدم تسليح طواقم السفن المارة بمياه البحر الأحمر وخليج عدن. ويقول مالكو تلك السفن إنه ليس بوسعهم الثقة في طواقم السفن المسلحين، وهو قول لا تسنده الحقائق كثيراً. ففي الولاياتالمتحدة على سبيل المثال، يسمح القانون لجميع الراشدين بحمل السلاح وامتلاكه. وهناك قوانين شبيهة سارية في دول أخرى غير الولاياتالمتحدة. وحتى إذا ما خشي مالكو السفن من تسليح جميع أفراد طاقم السفينة، ألا يثقون بقادة هذا الطاقم مثل قبطان السفينة وغيره من كبار مساعديه؟ تحت أسوأ الفروض لم لا يسلح هؤلاء المالكون قبطان السفينة مع تعيين اثنين من ضباط الشرطة في مرافقة أي سفينة من سفنهم العابرة لتلك الخطوط البحرية الخطيرة؟ فليس بوسع طواقم السفن غير المسلحين فعل الكثير في مقاومة القراصنة أثناء تسلقهم للسفن واختطافها. وفي حين نشرت الولاياتالمتحدة الأميركية وغيرها من القوى الدولية الأخرى أساطيل من السفن الحربية في مياه البحر الأحمر وخليج عدن -وهي أساطيل تبلغ تكلفتها السنوية ملايين الدولارات- إلا إن هذه الجهود لا تفعل شيئاً لمنع القراصنة من تسلق السفن التجارية غير المسلحة واختطاف طاقمها. من مزايا القانون الدولي الخاص بحق الدفاع عن النفس، أنه يسمح بإنشاء نظام للتفتيش والعزل البحريين في سواحل الصومال، بهدف القضاء على أي سفينة أو مركب بحري له صلة بنشاط القرصنة. ومن شأن نظام كهذا أن يقلل كثيراً من مخاطر الزج بدول بحالها في وضعية تفاوض مهين مع القراصنة، على نحو ما حدث للدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم، جراء اختطاف قبطان السفينة الأمريكية مؤخراً. وفوق ذلك، ينبغي على مجلس الأمن الدولي حظر دفع أي فدية للقراصنة مقابل الإفراج عن المختطفين. ففي استمرار دفع هذه الفديات ما يشجع القراصنة على الاستمرار في نشاطهم الإجرامي. وبدلا من تحفيزهم ومكافأتهم، يظل في مقدور مجلس الأمن الدولي فرض حصار عسكري على الصومال، إلى حين الإفراج عن المختطفين. (*) باحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومؤلف كتاب «لكل حرب نهايتها» عن «لوس أنجلوس تايمز»