إليكم الأحجية التالية: ما هو الشيء الضخم والصاخب الذي لا حاجة ضرورية له، ومع ذلك يكلف 75 مليون دولار؟ بالطبع لا يتعلق الأمر بفيل متقاعد يرتدي زياً مرصعاً بالجواهر، إنما يتعلق بقمة مجموعة دول العشرين التي تنعقد اليوم. فهذه القمة وعلى غرار باقي اللقاءات الفارغة وعديمة الجدوى مثل مجموعة دول الثماني الصناعية الكبرى، واصلت انعقادها المنتظم منذ عام 1999 بعيداً عن وسائل الإعلام لتظهر مؤخراً وبشكل مفاجئ على الساحة وتحظى بكل هذا الاهتمام. وحسب الإعلام يُصور الاجتماع المقرر عقده في لندن يوم الخميس على أنه اللقاء الذي سينقذ النظام الاقتصادي العالمي وسينعش أسواق الأسهم المتهاوية منذ مدة، والقادر على خلق ازدهار دائم، فضلا عن كونه فرصة يحافظ فيها السياسيون على ماء وجوههم إزاء احتجاجات الناخبين المستائين والغاضبين مما آلت إليه الأمور، وكل ذلك يُعتقد أنه سيتم في يوم واحد! ومع ذلك تبقى الحقيقة أن لا شيء مما سيناقش في الاجتماع، أو أي لقاء آخر سيعقب القمة لم يكن بالإمكان مناقشته في مكالمة هاتفية مثلا، أو في رسالة عبر البريد الإلكتروني، بل وكما أشار إلى ذلك أحد الكتاب البريطانيين 'كان على قادة العالم العمل بالتفاهات التي لا يملون من تكرارها كل مرة بأنهم يستشرفون المستقبل وينخرطون مع الشباب في وسائلهم الجديدة ليعقدوا القمة بمجملها على الفيس بوك'. لكن الهدف الرئيسي من هذه القمة، كما شأن باقي القمم، ليس الجلوس لمناقشة القضايا العاجلة والملحة، بقدر ما يندرج في إطار ممارسة السياسة، وهكذا ومن وجهة نظر الطرف المضيف، يبقى الهدف الأساسي هو إنقاذ رئيس الوزراء البريطاني، جوردون براون الذي انحدرت شعبيته إلى الحضيض وبلغت رقماً قياسياً في نسبة التدني. فقد شغل 'براون' طيلة الفترة الممتدة بين 1997 و2007 منصب وزير المالية، أو ما يعادل في أمريكا وزير الخزانة ، وبالتالي لا يستطيع مثل نظرائه الأميركيين تحميل مسؤولية الأزمة المالية الحادة التي تمر بها بريطانيا على الإدارة السابقة، وإذا كان قد حظي بإشادة الرأي العام البريطاني وقت الازدهار والرخاء باعتباره مهندس عملية الإقلاع، فهو اليوم مطالب بتحمل المسؤولية ومواجهة غضب الرأي العام والاستجابة ربما للدعوات الصاخبة في الصحافة البريطانية التي تطالبه بالاعتذار للشعب. لذا يأمل 'براون' أن تساهم اللقاءات التي سيجريها على هامش القمة والصور التي سيلتقطها إلى جانب قادة أميركا والصين وروسيا والأرجنتين في إخفاء الواقع الاقتصادي المتدهور وإعادة بعض الألق إلى صورته الملطخة. ولا يقتصر الأمر على رئيس الوزراء البريطاني، بل يمتد أيضاً إلى سياسيين آخرين جاؤوا يحملون أجندتهم الخاصة، والتي لا علاقة لها بجوهر النقاش حول الأزمة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال تسعى إدارة أوباما إلى استغلال القمة كأداة للضغط على الألمان وباقي الأوروبيين لإنفاق المزيد من الأموال كوسيلة للنهوض من الأزمة. وفي هذا الإطار، تريد الولاياتالمتحدة إقناع كل دولة بتخصيص 2 في المئة من ناتجها الإجمالي العام لتحفيز الاقتصاد وتوفير ما يشبه الدعم العائلي المريح لخطة أوباما الإنقاذية وإحاطتها بالتأييد السياسي، وهو ما سيتيح لأوباما أيضاً الرجوع إلى واشنطن وإعلان النصر أمام الرأي العام. وحتى في حال عدم اتباع الأوروبيين لخطته سيكون على الأقل قد عثر على مذنب يحمله المسؤولية إذا لم يتعافَ الاقتصاد العالمي من تلقاء نفسه خلال شهر أو شهرين، حينها ستلقى المسؤولية بأكملها على عاتق الأوروبيين الذين يتهمون عادة بتضييع الوقت في التردد والصراع بينهم بدل رص الصفوف مع أمريكا. ومع أني أول من يتهم الأوروبيين بالتردد والصراع الداخلي، إلا أنني هذه المرة أجدني متعاطفة مع الألمان في تحفظهم على إنفاق أموالهم كما تلح إدارة أوباما على ذلك، فالسبب الذي أدى بالفرنسيين والألمان وغيرهم إلى تحسس جيوبهم والامتناع عن تخصيص برامج كبيرة للإنقاذ لا يكمن في انعدام الكفاءة بقدر ما يُعزى إلى قناعتهم بأن الإنفاق لن يحل الأزمة. والغريب حقاً أن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ومعها الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، اقتنعا بما يسمى 'الرأسمالية الأنجلو أمريكية لأنها تتقشف في النفقات، ولا تشجع على التدخل الحكومي، هذا بالإضافة إلى تخوفهما من الإفراط في الاستدانة من جهة وارتفاع نسبة التضخم من جهة أخرى. والحقيقة أن الخوف من إيقاظ شبح التضخم يبرز على نحو أوضح لدى البلدان الأوروبية الصغيرة التي شرعت العديد منها في تقليص موازناتها واتخاذ تدابير تقشفية، وهو ما ينقلنا إلى صورة مشابهة وقعت في السنوات الأخيرة، أرجو ألا تتكرر مرة أخرى، فمباشرة بعد هجمات 11 سبتمبر ،2001 قرر بوش، بدلا من التركيز على مواجهة تنظيم 'القاعدة' في أفغانستان وباكستان، غزو العراق، وقتها عبر العديد من الأوروبيين عن تحفظهم باستثناء بريطانيا التي تشعر بالندم حالياً. واليوم وبعد اندلاع أزمة المصارف في الولاياتالمتحدة، نرى أنه بدلا من فرض قيود على النظام المالي وتنظيم سوق الرهون العقارية، اقترح أوباما خطة مُكلفة للإنقاذ الاقتصادي، تقوم على بناء الجسور وزيادة الإنفاق على التعليم، وربما معالجة مشاكل الرعاية الصحية، وعلى غرار حرب العراق يبدي الأوروبيون تحفظهم مرة أخرى، فهل سيأتي يوم تندم فيه الأطراف التي انساقت وراء الولاياتالمتحدة مثلما فعلت بريطانيا في السابق وتفعل اليوم؟ محللة سياسية أمريكية عن «لوس أنجلوس تايمز»