1 ضرورة الانتقال من مفهوم قسم الحج بوزارة الأوقاف إلى مؤسسة وطنية مستقلة قائمة الذات على برنامج وتصور وهياكل ووظائف. كما تتحمل مسؤولية الجانب الديني فهي تتحمل مسؤولية الجانب الإداري ضمن فلسفة تنسيقية تضمن إنجاح العملية بالانفتاح على كبار العلماء المغاربة المتخصصين في ملف الحج وذوي التجربة العالية حيث يصبحون مراجع ثابتة في التأطير الديني للحج وفق الرؤية المغربية التي تجمع بين البعد العرفاني والتأصيلي والمقاصدي بالإضافة إلى إدماج الخبراء في المجال الإداري ذوي الذكاء الاستراتيجي والاستشراف المستقبلي على أساس أن تقدم مؤسسة الحج للسيد الوزير مشروع إدارة الحج ضمن التوجيهات الملكية الناظمة لفلسفة الحج. وأكيد أن مؤسسة الحج كما ستشرف المغرب بالتأهيل الأخلاقي المتدرج للآلاف وللملايين من الحجاج على المدى البعيد فإنها ستعمل على إدماج هذا المجال الديني ضمن المخطط العام الملكي القاضي بتوسيع دائرة التنمية البشرية لتصبح حقيقة التنمية تتمثل في الصناعة الروحية للإنسان والذي يعتبر الحج من أعظم المدارس للتنمية الروحانية التي تأخذ الإنسان الغارق في الذنوب وفي ثقافة السلبية والبطالة المعرفية والإعاقة النفسية وترمي به في بحر الشوق اللامتناهي الذي يوصله إلى قمة المقامات العرفانية حيث تجتمع سنويا أكثر من أربعة ملايين في وقفة عرفات لتفيض عشقا على الوجود باستشعار المقامات القربية من الله تعالى الذي يتجلى على الوجود رحمة ومغفرة في ذلك اليوم الذي يخاطب فيه رب العزة الملائكة ويقول لهم أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم هذه المغفرة الربانية التي تشكل الطاقة الروحانية للولادة الجديدة للإنسان. أي بالمفهوم النفسي والاجتماعي يصل الإنسان ضمن فلسفة التنمية الذاتية إلى قمة اليقين العقدي بتغيير نظرته تجاه ذاته ليعيش لحظة اكتشاف طاقاته الفطرية التي تولد لديه كبرى الاستعدادات النفسية لتفجير حقيقة كينونته الوجودية بقمة التناغم مع مكونات الوجود. وتلك هي بداية صناعة المواطن الصالح المحب لربه ولوطنه ولأمته، بل للإنسانية جمعاء. ورجاؤنا في الله كبير أن تصبح مؤسسة الحج صدقة جارية لملك البلاد ولكل العاملين عليها بأمل أن يصبح النموذج المغربي بعد عشر سنوات تجربة يضرب بها المثل في كافة دول العالم الإسلامي. ومن الممكن لهذه المؤسسة أن تنهض بالحج ليصبح ثقافة دينية في المجتمع من خلال عقد شراكات مع وزارة الاتصال والإعلام والثقافة لتصبح مناهج تدريس الحج في مستوى الرؤية الحضارية والروحانية لإعادة صياغة المجال الديني ككل هذا مع العلم أن هذا البرنامج الروحاني في التنمية الذاتية لا يتطلب من الدولة درهما واحدا ما دام أن الحجاج والمعتمرين يدفعون من جيوبهم كل شيء طلبا لرضى الله والجنة. وأي مجال في المغرب يمتلك هذه الطاقة الإنتاجية القوية التي تدفع كل الشرائح للمشاركة في أكبر برنامج كوني ودولي استجابة لنداء سيدنا إبراهيم عليه السلام سوى برنامج الحج الذي هو أصلا برنامجا لعشق الخلود. 2 ضرورة الخروج من العقلية التجزيئية للحج إلى النظرة الكلية التي تتجاوز مفاهيم التأطير الديني والإشراف الإداري التقني والعناية الطبية لصياغة نظرة شمولية للحج يستشعر الجميع مسؤوليته باعتبارها بالدرجة الأولى مسؤولية أخلاقية عقائدية تتيح للمسؤول سواء أكان عالما أو إداريا أو دكتورا أن يعيش حلاوة روحانية أثناء خدمته للحجاج باعتبارهم ضيوفا للرحمن بحكم أن غياب هذه الرؤية الروحانية للحج يمكن أن يدفع العاملين في هذا القطاع إلى نوع من الرفض النفسي لسلوكيات الحجاج وواقع معاملاتهم إذ كيف يمكن لطبيب أن يستقبل في اليوم أكثر من 200 حاج أن يصبر عليهم لولا هذه الثقافة الروحانية لان بعض ممارسات الحجاج قد تدفع أحيانا الإنسان إلى حالات نفسية عصبية تبرر عدم خدمة الحجاج، وهذا إشكال خطير لأنه مدخل من مداخيل الشيطان لتدمير عملية الحج بأكملها ولذا، لا يمكن أن نطلب من حاج مريض أو مفتون بالبحث عن أمتعته أو تائه عن الفندق أن يعيش روحانية الحج الذي جاء من أجل إتمامه باعتباره بالدرجة الأولى ركنا من أركان الإسلام وهذه كارثة حقيقية. وعليه، فثقافة تقسيم المجالات في الحج بين الإداري والطبي والديني ما هي إلا تقسيمات وظيفية تتعانق ضمن المقصد العام وهو خدمة الحاج أما وأن يتحول العمل في الحج إلى التهرب من المسؤولية بإلقائها على الآخر فهذا غير مقبول لأنه لا يمكن أن ننجح بهذه العقلية، ومن تم فإن صياغة هذه الرؤية الكلية تتطلب مجهودا كبيرا لتصبح ثقافة يعيشها العالم ليس باعتباره فقيها نظريا وإنما مسؤولا عن نجاح مشروع مؤسسة الحج ويعيشها الدكتور لأنه يعتني بصحة الحجاج حتى يكونوا في مستوى أداء هذا الركن الديني وقس على ذلك. والحمد لله كان الدكتور أمين الشعيبي، كمسؤول على بعثة الحج السنة الماضية، موفقا في آلية التنسيق للعمل الجماعي الذي انعكس ايجابيا على العملية برمتها حيث كان جهاد الطاقم الإداري وتضحياته الكبرى توفر للحجاج البنية التحتية للعمل الديني والإرشاد كما أن إدماج الدكاترة الأطباء في دروس التوعية الدينية ضمن ثقافة الوعي الطبي أدى مهمة كبرى خصوصا أمام ثقافة خطيرة مفادها أن وجود الأدوية بدون مقابل في السعودية يدفع بعض الحجاج إلى أخذ كميات كبيرة ليعودوا بها إلى المغرب كاحتياطي مستقبلي وهذه القضية تحتاج إلى فتوى شرعية. ولربما هذه العقلية التنسيقية التي ظهرت لدى البعض جنبت موسم الحج من الدخول في الصراعات الفارغة التي قد تؤدي إلى نسف المشروع برمته لأن على رأسه فلان أو علان. وهذه طامة كبرى لولا لطف الله وحكمة العقلاء وصدق الصادقين كان من الممكن أن تتسبب في دفع الحجاج إلى تنظيم تظاهرات احتجاجية دون أن يعرفوا الخلفيات من وراء ذلك. 3 ضرورة تغيير نظرة الحجاج لذواتهم باعتبارهم مجالا للتوجيه والتسيير إلى عناصر للمشاركة والتعاون ضمن إعادة بناء مفهوم المقاربة التشاركية والشورية التي تعتمد ثقافة إدماج الحجاج ضمن إستراتيجية التأطير الديني لتحقيق أمل مؤطر لكل خمسين حاجا كما وعد بذلك السيد الوزير في إحدى مداخلاته أمام البرلمان. هذه الأمنية التي عشنا جزءا منها هذه السنة حين تطوع لمئات من الحجاج للإسهام في عملية الضبط التنظيمي بتشكيل لجان تطوعية للحجاج يشرف عليها الإخوة المرشدين والمرشدات التي تخضع بدورها لإشراف العلماء تحت توجيه مدير المكتب في إطار تراتبية إدارية نسقية تصل إلى قمة الهرم المتمثل في المسؤول عن بعثات الحج بطاقم بعثاته العلمية والإدارية والطبية هذه السياسة التي نجحت في تحويل الخريطة التقليدية للحج والتي تضع الحاج في مواجهة الوزارة هذه العقلية التي رسخت في ثقافة الحجاج أنه بمجرد حصول أي مشكل فإن المسؤولية تقع على عاتق الوزارة ولذلك عوض إتقان فلسفة التفكير بالحوار والتواصل يتم تحريك المخزون النقابي لسب الآخر وتجريحه وعليه فإدماج الحجاج كطرف في العملية يعيد قلب أدوات التواصل حيث يصبحوا مؤهلين تدريجيا لتجاوز المواقف المسبقة والنيات السيئة وبالإيمان العملي بأن نجاح الموسم يتعلق بهذه العقلية التشاركية التي إما ستوصلنا للنجاح الجماعي وبالتالي سيكون النجاح نجاحنا جميعا أو سنفشل جميعا في حالة تفككنا واضطرابنا ومن باب الأمانة، برزت نماذج متطوعة من الحجاج في مستوى عالي من التكوين كان من الممكن استثمارها من المغرب قبل موسم الحج للتفكير في إدماجها في مشروع 1/50 . ولربما إذا ما تم الاهتمام بهذه النخبة مستقبلا فإنه من الممكن تجميع طاقة كبيرة تخدم الحجاج خصوصا وأن جزءا من العلماء العاملين وبعض أعضاء المجالس العلمية والطاقات الشابة تذهب للحج على حساب إمكانياتها ولذلك إذا كانت العملية مبرمجة قبلية فمن الممكن أن تجنبنا بعض الاختراقات. ومثل هذه الإشكاليات تتدارك عندما تكون الأمور مضبوطة منذ البدايات الأولى لتشكيل لوائح الحجاج وبالتالي نحقق هذا الوعد الذي أخذناه على عاتقنا وهو ضمان مؤطر واحد لكل خمسين حاجا. 4 ضرورة توظيف الوفد الإعلامي المرافق للحجاج باعتباره شريكا مركزيا في نجاح عملية الحج. الغريب في الأمر أن الوجود الإعلامي يقتصر منذ سنوات على نقل بعض اللقطات المفصلية للحج في حين بات من الواجب في زمن الثورة الإعلامية والمعلوماتية أن يكون برنامج الوفد الإعلامي محددا وفق غايات مسطرة مسبقا. ولم لا التفكير في تصوير عملية الحج بأكملها على أساس أن توثق كتجربة تقدم للمسؤولين لتحليلها وتشريحها والاستفادة من نقاط قوتها وتجاوز نقاط ضعفها في قنواتنا العمومية وتقديم أحسن اللقطات الروحانية كنماذج عملية في التأطير العملي حتى لا يبقى التأطير النظري هو الغالب لإمكانية تربية الحجاج تربية واقعية تتطلب منهم الإيمان بضرورة الصبر والتعاون والتسامح وكم تأسفنا لغياب برامج تتبع عمل الوفد الطبي لتبين للمغاربة حجم التضحيات التي يقوم بها بعض الإخوة الدكاترة والممرضين أو تتبع وضعية البعثة الإدارية لتحسيس الرأي العام المغربي بحجم الجهاد الذي يقوم به لتوفير راحة الحجاج حتى نربيهم على ثقافة الاحترام والتقدير والمحبة. ونفس الشيء يقال للعلماء لم لا نتوفر على برنامج إعلامي يرصد مسيرة العالم الدينية طيلة مدة الحج ليقدمه نموذجا للعالم المغربي الناجح على أساس أن يتم تنظيم على هامش ندوة الحج بالمغرب تكريم كبرى النماذج الإدارية والدينية والطبية والعناصر المتطوعة لترسيخ ثقافة الاعتراف والتشجيع والتربية على المواطنة الدينية. وأختم هذه النقطة الإعلامية بسؤال بسيط لنبين من خلاله قيمة التربية الإعلامية لإعادة بناء صورة العالم المغربي في مخيلتنا الاجتماعية بالتساؤل: هل وطننا عاجز على تقديم أحسن البرامج في مجال التأطير الديني على كافة المستويات تفوق ما قدمه الداعية المتميز : عمرو خالد أو الأستاذ طارق سويدان أو عموم رموز القنوات الفضائية؟ ولعل إشارة ٍِ.3 التي أنجزتها الوزارة هذه السنة لتأطير الحجاج تبين أن العقلية المغربية إذا ما أتيحت لها فضاءات التفكير والإبداع والاجتهاد فإنها تحقق الكرامات الربانية. 5 ضرورة الخروج من العقلية الدينية الضيقة إلى الأفاق المقاصدية الكبرى لعملية الحج، وهذه العملية تتطلب أيضا رفع السقف العلمي في مجال التأطير الديني للحجاج، إذ لا يعقل في زمن العلم أن يبقى الحجاج يستمعون أحيانا لخطابات دون مستوى مقاصد فلسفة الحج. ولقد صدمنا أحيانا ببعض النماذج الضعيفة الزاد الشرعي غير ضابطة لا للأصول ولا للمقاصد، وياليتها فقط كانت تعاني من نقص المادة العلمية وإنما الإشكال أنها تحول موسم الحج إلى فرصة لجمع الأموال الطائلة من النصب على الحجاج، ولعل هذا هو التحدي المطروح على مجتمعنا في هذا المجال الديني، فإما أن ننجح في تكوين علماء ومرشدين كبار في مجال التأهيل الديني و هذا يتطلب رفع القدرات المنهاجية والعلمية للعقلية المغربة في هذا المجال أو أننا سنفتح المجال واسعا لاستراتيجيات الاختراق الديني، ولعل الصراع الذي يعرفه الحجاج كل سنة يعكس في عمقه هذا الإشكال. 6 ضرورة برمجة لقاءات ربانية للحجاج الكرام سواء تمثلت في أمسيات قرآنية يشارك فيها كبار القراء المغاربة، أو في تنظيم ندوات علمية خاصة بالحج تكون عبارة عن تقليد سنوي يساهم فيه كبار العلماء المغاربة، هذا دون نسيان الأمسيات الروحانية الخاصة بالأمداح النبوية على الطريقة المغربية. والأكيد أن تسطير هذا البرنامج إلى جانب برنامج التأطير الديني وتعليقه بجميع الفنادق، سيعطي للحجاج المغاربة إشارة توجيهية تساهم في رفع الذوق الجمالي والثقافي وسينعكس إيجابا على عملية الحج برمتها. وللإشارة فإن اعتماد سياسة الندوات العلمية والأمسيات الروحانية لا يًهدف من ورائها إثقال الحجاج بالمحاضرات و الخطابات، وإنما بالدرجة الأولى ترسيخ تقليد سنوي يتوج العمل التأطيري الذي يقوم به السادة العلماء على أساس أن هذه الندوات تأتي في سياق بعد عام يشمل تجميع الحجاج في جو رباني وفي هذا المضمار، يمكن استشراف كبرى الندوات المنظمة على الشكل التالي: ندوة علمية بالمدينةالمنورة تدور حول محبة النبي عليه الصلاة و السلام تأصيلا و تقعيدا دون إغفال الموروث التاريخي والأمداح التي تغنى بها المغاربة في حق سيد الخلق عليه الصلاة و السلام. ويمكن أن تكون ندوة متنقلة في أهم الفنادق المركزية بالمدينةالمنورة تتلوها أناشيد و أمداح نبوية. وهذه الأمور لا تتطلب سوى الصدق مع الله والضبط الإداري والتنسيق العلمي. وسيرا على منوال الندوات المركزية بالمدينةالمنورة التي اعتبرناها لقاءات تعبر عن صحة الفرح بالله والاستعداد النفسي للتوجه لمكةالمكرمة، يمكن مثلا التفكير في ندوة علمية بمكةالمكرمة حول مقاصد الحج سواء من ناحية إبراز الطاقة الروحانية التي تعطيها العقيدة التوحيدية للأمة الإسلامية في هذا الموسم، أو من ناحية بيان عظمة فلسفة الذكر ودورها في صناعة الحضارة المطمئنة بالله والسائرة على خطى الحبيب، هذه الحضارة التي لا يمكن أن تموت أو أن تنقرض لأنها مرتبطة بثقافة التلبية والعشق الامتناهي لله، إلى غير ذلك من المواضيع التي يمكن أن تأخذ بعدا عالميا حين استحضار كبرى الإشكالات الخاصة بحوار الحضارات و الثقافات و المذاهب و الديانات بحكم أن أعظم مظاهر التجلي للأنوار الإلهية يتمثل في حج باعتباره أضخم هجرة روحانية لله تعالى في الوجود الإنساني. هذا بالنسبة لمكةوالمدينة، أما بالنسبة لأيام منى التي هي أيام ذكر وشكر وتكبير لله تعالى، فإن أجمل ما يقدم للحجاج ترطيبا لقلوبهم تنظيم أمسيات قرآنية و أمداح نبوية ترتقي بالحجاج إلى قمة مقامات الاطمئنان والحمد، خصوصا بعد الهدية الربانية للحجاج في وقفة عرفات بالمغفرة والرحمة. ولنا أن نتصور التأثير الإيجابي لهذه الأجواء على حجاجنا الكرام، أما إذا نقلت هذه الأمسيات الربانية في قنواتنا الوطنية فإن الأمر لن يقتصر على العيش في روحانية الأجواء و إنما الأمر سيتعداه إلى صناعة ثقافة دينية تستخدم عالم الصورة لترسيخ قيم الاعتزاز بالدين و الوطن بل والافتخار بالنموذج الديني المغربي باعتباره نموذجا حضاريا. 7 ضرورة اختيار الطاقم المسؤول عن الحج وفقا للمواصفات المشرفة للدين والوطن، وحتى لا يخيل للقارئ أن هندسة مشروع الحج مسألة في غاية التعقيد، يمكن الإشارة إلى أن العملية سهلة برمتها لا تتطلب سوى رؤية جمالية للدين قوامها الاعتقاد اليقيني في أن خدمة الحجاج باب من أبواب الجنة. دون إغفال الشروط المعقولة في عملية إنجاح موسم الحج وعلى رأسها الطاقم المسؤول عن العملية الذي يفترض فيه أن يكون طاقما ربانيا لأنه يشتغل أصلا في مجال الدين. أما وأن يلاحظ الحجاج بعض الملاحظات الخاصة ببعض السلوكيات التي تتنافى وأخلاق الحج فإن المسألة تصعب لغة التواصل بل وتقف حاجزا أمام التعاون والاستماع للتوجيهات والإرشادات. وبما أنه من شروط نجاح الحج التواصل والرحمة، فإن هذه الخصائص لا يمكن أن تكون إلا في الطاقم الرباني. 8 ضرورة الاستفادة من الطلبة الباحثين المغاربة المقيمين بالسعودية، خصوصا وأن الاستعانة بهذا الطاقم في مجال التأطير الديني لا يأخذ فقط بعدا دينيا وإنما يتجاوز ذلك بإبراز عناية الدولة المغربية بأبنائها، بل وتشريفهم بهذا الدور الذي يعبر لهم عن قمة الاعتراف العلمي والثقة بالأطر المغربية الشابة، هذه الثقة التي يستحيل أن تنتج سوى ثقافة الوفاء للقيم الوطنية. والغريب في الأمر أن توظيف هؤلاء الطلبة المغاربة كان مسألة عادية من قبل السفارة المغربية بالسعودية إلى حين الأحداث الإرهابية التي ضربت أمريكا وتحت الضغوطات الغربية تم تقرير أن كل من له علاقة بالسعودية هو مدان حتى تثبت براءته. وبهذا المنطق تم تهميش الطلبة المغاربة باسم علاقتهم المذهبية والفكرية بالاتجاه السلفي السعودي. ومع ذلك الانفتاح الذي وقع هذه السنة مع جزء مهم من هذه النخبة أبان عن المستوى العالي من اعتزاز هؤلاء الطلبة بانتمائهم المذهبي والوطني، ولعل اللقاءات التي عقدت معهم فضلا عن زيارة بعض الطلبة للوزير لرفع رسالة لجلالة الملك لأكبر دليل على ضرورة فتح قنوات التواصل مع أبنائنا الطلبة المعرضين أكثر من غيرهم للاختراق المذهبي والتوظيف السياسي قبل أن يأخذوا شواهدهم العالية في مجالات تخصصية مختلفة ويعودوا للمغرب مبشرين بمختلف الإيديولوجيات والعقائد والمذاهب. ولو اعتمدنا سياسة الإدماج العلمي والتكريم الأخلاقي لأبنائنا ما كنا لنتعرض لسياسات تشويه الخريطة المذهبية لوطننا، بل لو أنجزنا بحثا عن تاريخ إستراتيجية الاختراق المذهبي من قبل مجموعة من التيارات بمختلف حساسياتها لوجدنا أن المسؤول الأول عن هذا الاختراق يتمثل في غياب سياسة وقائية تحصن الشباب المغربي بالخارج. وهذا موضوع طويل ليس هذا مجال بحثه ولكن الإشارة تكفي إلى ضرورة إدماج هؤلاء الطلبة وهذا لن يتطلب أكثر من سياسة تدبيرية قبلية للملف لاختيار خيرة العناصر المتميزة بأخلاقها وروح صفاء ثقافتها، وإذا تصورنا إمكانية إدماج مثلا أكثر من أربعين طالبا فإن العملية لن تتطلب سوى ميزانية مالية بسيطة بحكم أن هؤلاء الطلبة أصلا مقيمين في الديار السعودية، وأملنا أن يتم التنسيق بين الجهات المسؤولة على ملف الحج للتفكير في إستراتيجية الإدماج حتى لا تفاجئ غدا بطلبة مغاربة يتحولون إلى مشايخ ينظرون لتعميم نماذج دينية لا علاقة لها بثقافة المغاربة أو بأخلاقهم. 9 ضرورة الحرص على إنجاح سياسة مؤطر لكل خمسين حاجا. ولقد كان إعلان السيد وزير الأوقاف في البرلمان عن مخطط مؤطر لكل خمسين حاجا عنصرا جديدا في مجال السياسة الدينية الخاصة بالحجاج. هذا العنصر الذي اعتبره وعدا يجب تحقيقه لضمان نجاح عملية الحج برمتها، ومع ما لهذا العنصر من قيمة مركزية فإن السؤال يبقى معلقا حول مدى الالتزام بهذه السياسة التأطيرية خصوصا أن عملية الحج عملية حركية باستمرار تتطلب لتحقيق هذه الفلسفة التأطيرية طاقما قويا يشتغل وفق عقلية تنسيقية عالية للحفاظ على صورة الضبط التنظيمي لعملية الحج بأكملها. وفي هذا الإطار يمكن القول بأن حضور الإخوة المؤطرين كان قويا سواء في عملية التنقيل حيث مواكبة وفود الحجاج من المدينة إلى مكة أو من مكة إلى عرفات. ومع ذلك ظهر نوع من الاضطراب في تنظيم العمرة الجماعية لحجاجنا الكرام إذ بالرغم من القدرة على ضبط عملية التسكين وتنظيم العمرة الجماعية للوافدين على مكة لأكثر من ستين بالمائة من الحجاج فإن الضبط اليومي لتوافد الحجاج أبان عن نقص خطير في إمكانية تحقيق هذه الأمنية، مع تسجيل قمة الفرح الذي عاشه الحجاج حيث لاحظوا بأنه لأول مرة تتم تنظيم عملية العمرة الجماعية للحجاج، إذ يطلب منهم مباشرة بعد السكن وأخذ قسط من الراحة، الالتحاق بالمجموعة المتوجهة لأداء مناسك العمرة والتي قد تصل أحيانا إلى أكثر من ثلاثمائة حاج، هذه المجموعة التي تكون مؤطرة بطاقم يتكون من عالم يتحمل مسؤولية إدارة العملية فضلا عن أكثر من أربعة مرشدين يعملون على تنظيم هذه المجموعة من خلال أساليب وتقنيات عالية حفاظا على الجو الروحاني للحجاج، وبكل إنصاف فقد أثرت هذه العملية التي شارك فيها الجميع بدون استثناء بالرغم من كل المشاكل فإن الحجاج بعد أدائهم العمرة يعودون لفنادقهم بنورانية خاصة تنسيهم التعب والعياء. وفي حقيقة الأمر يجب التفكير في برمجة هذه العمرة الجماعية انطلاقا من المغرب بحيث يتم ضبط لائحة الخمسين حاجا لكل مؤطر ويستحسن أن تتم العملية لمراعاة سياسة جهوية تأخذ بعين الاعتبار هيكلة عملية التأطير الديني انطلاقا من جانب الانتماء المؤطرين لجهاتهم وأقاليمهم حتى تسهل عملية التواصل، لأنه لا يعقل أن يؤطر المرشد الديني حجاج منطقته ليجد نفسه في مكة مع منطقة أخرى، وبهذا الشكل يمكن خلق ثقافة تواصلية كما تساهم في خلق جو الاطمئنان للحجاج لمؤطريهم فإنها تساهم في تحقيق المقاربة التشاركية التي تحدثنا عنها سابقا بإدماج الطاقات التي تريد المساعدة في خدمة الحجاج. وأكيد بأن توزيع عدد الحجاج المغاربة على المؤطرين انطلاقا من المغرب سيساهم في إنجاح عملية الحج سواء من زاوية مرافقة الحجاج بالطائرة أو بتنظيم مزارات المدينة أو بالإشراف على عملية العمرة بمكة أو بمرافقة الحجاج إلى منى وعرفات فضلا عن رمي الجمرات، وإذا وفقنا في ضبط هذه العملية سنضمن تحقيق التأطير العالي لحجاجنا، بحكم أن الحجاج بعد عودتهم للمغرب لا يتذكرون سوى أعظم اللحظات الروحانية التي عاشوها في الحج، أما ما عدا ذلك من مشاكل، فإنها تتجاوز وترمى في بحر النسيان، ولذلك فإن الحرص على إنجاح هذا المخطط التأطيري القائم على توفير مؤطر لكل خمسين حاجا يعتبر تحديا يجب على كل الفاعلين في ملف الحج النجاح لتحقيقه. 10 ضرورة بناء سياسة أمنية خاصة بالحج تضمن سلامة الموسم ونجاح العملية، والمقصود بالسياسة الأمنية استشعار قيمة التأطير الديني في الحج المبني على الوعي السياسي بخطورة الاختراق المذهبي الخارجي أو إمكانية خلق بؤر للتوتر داخل جسم الحجاج من خلال تيارات مذهبية أو سياسية تريد تصفية حساب سياسي مع جهة معينة. وأكيد ما تعرض له الحجاج في بعض المواقع هذه السنة من قبل بعض المدارس المتشددة لأكبر دليل على ضرورة استحضار هذا الوعي المقاصدي بكيفية التعامل بفقه الطوارئ وإلا فإنه من الممكن أن تحدث مواجهات خطيرة. ولعل ما كنا نتعرض له من اعتراض خطير من قبل هذه المجموعات المتشددة لمؤشر على كون الاختلاف في التقديرات الفقهية والاجتهادات المذهبية إذا لم يضبط بأصول ومقاصد الحج فإنه قد يصبح وسيلة للضغط السياسي أو للتوظيف الإيديولوجي، ومن ذلك ما لحظناه في بعض المجموعات من ظهور بعض الرموز التي تحاول بث خطاب معين باسم أنها هي التي تمتلك حقيقة فقه الحج القائم على الكتاب والسنة أما ماعدا ذلك فلا يوجد سوى البدع والخرافات والأساطير، وعليه فالواجب الشرعي يقتضي قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يتصورونه من خلال اتهام العلماء والفقهاء والمرشدين بكونهم لا يمثلون سوى علماء المخزن ... إلى غير ذلك من الاتهامات التي لا تقف عند العنف اللفظي بل تتعداه عندما يقفون أمام عمليات تنظيم الحجاج لرمي الجمرات مستنكرين على الحجاج التزامهم ببرنامج وزارة الحج السعودية ويا ليت الاستنكار والتشويش بقي في هذا الحد بل تعداه إلى خلق حالة من تخويف الحجاج بكون حجهم باطل، وهذه القضية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار في تكوين الأئمة والمرشدين لضبط فقه مراعاة الخلاف، لأنه مما يزيد الطين بله كون هذا الخطاب المبني على فقه التشدد يشعر بأنه مؤصل على مشايخ ينتمون أصلا لعلماء السعودية، ومع احترامنا الكبير لعلماء الأمة فإن ضرورة مراعاة الاختلافات المذهبية مسألة في غاية الأهمية لتجنب الفتنة، لأنه لا يعقل أن لا يجد الحاج أمامه في الحج سوى محلات للفتوى وفقا لمذهب معين، ولذا يجب التفكير في ندوات دولية تجمع المسؤولين على سياسات الحج للاتفاق على ضرورة الأخذ بمراعاة الاختلاف على المستوى العملي وليس فقط على مستوى البيانات والخطب النظرية، وإلا سيصبح الحج سوقا للتبشير المذهبي وللاستقطاب الإيديولوجي كما يعلم إخواننا التعصبية وبعض التيارات المذهبية. لأنه لا يعقل أن نؤطر الحجاج على ضرورة احترام برنامج تفويج الحجاج الذي سطرته وزارة الحج السعودية المؤصل على فتاوى كبار مشايخ السعودية ليأتي بعض ممثلي الوزارة في زيارات الحجاج المغاربة مؤكدين على أن هذا مجرد اجتهاد أما الأصل فهو الالتزام بالسنة دون الأخذ بمقاصد تنظيم أكثر من ثلاثة ملايين في يوم واحد. مما يتسبب في فتنة تدعمها وجود تيارات تابعة لمشايخ السعودية تقتدي بفتاويهم، الشيء الذي تترتب عنه إشكالية خطيرة في مخيمات الحجاج، وحتى لا نضخم المسألة فإن معالجة هذه القضية بسيطة إذا ما أخذت ضمن فلسفة التكوين العلمي للأئمة والمرشدين حتى يكونوا في مستوى عالي من إتقان فن المناظرة والإقناع لاستيعاب الوضعية والحفاظ على الجو العام للحجاج، أما بخصوص الاختلافات المذهبية الشيعية فالمسألة تحتاج إلى مقال تفصيلي لأن القضية أصلا ليست خلافات فقهيا مع المدرسة الشيعية وإنما القضية عبارة عن خلاف عقدي مذهبي، إذ بمجرد ما يجلس الشيعي إلى جانبك في أي موقع حتى يفاتحك بالكلام ليستدرجك للقيام بمهمة التبشير المذهبي ويعتبرون الحج أعظم فرصة لاختراق الأمة الإسلامية بكافة مدارسها العقدية وتياراتها الفكرية، وهذه القضية بدورها تحتاج إلى توجيه وضبط حتى يكون الحجاج على علم بدون تضخيم للموضوع حتى لا يسيس إعلاميا، أو يوظف استراتيجيا من قبل المتخصصين في زرع ثقافة الفتنة في الأمة. 11 ضرورة تهيئة الحجاج القادرين على المشي للتوجه على الأقدام من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى شريطة تأطير الحجاج بمرشد ضابط حتى لا يتيهوا، وذلك لحل إشكالية ترحيل الحجاج من منى إلى عرفة ذهابا وإيابا بحكم الضغوطات والإكراهات التي تعرفها خطوط وسائل نقل الحجاج. وسبحان الله يبقى السؤال حول إمكانية مرور الحجاج المغاربة لوقفة عرفة دون الوقوف بداية بمنى واردا ويحتاج إلى تأمل مقاصدي من باب التخفيف على الحجاج مشاكل التنقل خصوصا وأن العديد من الوفود تعتمده شريطة ضبط رجوع الحجاج إلى منى بعد المزدلفة خصوصا وأن الإشكالية التي تطرح ترتبط دائما لظروف وقفة عرفات بتيه عدد كبير من الحجاج، وهذه القضايا تتطلب ترتيبات تنظيمية مسبقة.