تحت عنوان «انطباعية الحياني: السفر إلى الذات»، أصدر الزميل العربي بنتركة كتاباً يتضمن قراءة في تجربة بوشتى الحياني التشكيلية المنغمسة في الانطباعية التي يقول عنها المؤلف بأنها «انطباعية قادرة على البوح بمكامن الذات وترجمة المتخيل إلى المدرك والتحرر من أبجدية القوانين المحبطة أحياناً حين تقيد الرأي والرؤية وتفسد على المبدع حريته، كما لو أنها نهجاً إلزامياً يسمح بشيء ولا يسمح بأشياء، والقادرة بالتالي على أن تمنح الفنان حقه في تطويع أشكاله وتطوير أفكاره واختيار شخوصه واقتناص رموزه وصهر ألوانه (...) ومنذ انجذابه إلى الانطباعية تأثر الحياني بالكثير من اعلامها وروادها في الغرب، انطلاقاً من فان غوغ إلى سيزار وماتيس ونحوهم». والعربي بنتركة إذ يقدم في هذا الكتاب تجربة بوشتى الحياني التشكيلية، فإنه يقدم أيضاً تجربة حياة هذا الفنان بدءاً بمسقط رأسه بتاونات، فالتحاقه بمعهد الفنون التطبيقية «الخنساء» بالدار البيضاء ، ثم بمركز تكوين الأساتذة بالرباط «عمر الخيام»، حيث سيلتقي الحياني بثلة من التشكيليين ممن سيصبحون من بعد من بين رواد الحداثة التشكيلية بالمغرب، إذ سينظم بوشتى الحياني إلى مجموعة من فنانين أولهم بغداد بنعباس الذي هاجر إلى كندا بعد سنوات قليلة من الشهرة في المغرب، وعبد الباسط بندحمان الذي عرف بشفافية ألوانه وفؤاد بلامين وعبد الواحد الشرايبي الذي انحاز إلى الديكور والإشهار. هكذا ومنذ بداية السبعينات وبوشتى الحياني حاضر في الحقل التشكيلي المغربي، وحاضر في العديد من المعارض بالخارج أيضاً، إذ عرض في كل من فرنسا واسبانيا وايطاليا وبلجيكا وأمريكا وسويسرا والهند والجزائر وتونس، ومصر وسوريا وقطر واليمن وجنوب افريقيا وساحل العاج والسينغال وبانغلاديش، مثلما ظلت أعماله الكرافيكية حاضرة في أغلفة العديد من الكتب، ورسوماته وتخطيطاته حاضرة ببعض المجلات. وخلال هذه المسيرة الفنية للتشكيلي بوشتى الحياني، جرب الفنان عدة أشكال وألوان ومواد أيضاً، ليستقر، كما يشير إلى ذلك لوحاته الأخيرة التي تزين صفحات هذا الكتاب، في التركيز على موضوعة الجسد، الجسد العاري، الذي يصل عريه الى حد الخلص من لحمه ليظل مجرد هيكل عظمي، والجسد الأنثوي المطمور إلا من بؤر الرغبة، والجسد الذي يواجه الموت أو الفراغ أو المجهول أو الآخر، والجسد الذي يواجه نفسه في مرآة نفسه التي لا تعكس حقيقته، والجسد الحالم بالأجنحة وبالتحليق، والجسد المحاصر أو المطوق، لكن الفنان الحياني، إذ يتجول في غابة شخوصه، فإنه يفعل ذلك بعين طفولية وبصمات لا تخلو من طفولة أيضاً، و الطفولة كانت وتظل أبداً عين ومنبع الخلق والإبداع الأول. ولأن تخصيص كتاب لفنان تشكيلي واحد هو عمل شاق دوماً، ولأن مثل هذه الكتب على قلتها في حقلنا الثقافي المغربي، لابد وأن تشكل إضاءة وإضافة تسلط الضوء على إبداعات هذا الفنان التشكيلي أو ذاك، في مجال إبداعي هو مجال الفن التشكيلي الذي يشكو دوماً من غياب متلقين يستطيعون سبر أغواره، فإن مرافقة ومصاحبة الكاتب والصحفي العربي بنتركة للفن التشكيلي ولفنانيه منذ بداياته في مجال الإعلام سهل عليه مشقة وعناء كتابة وإصدار كتاب عن فنان واحد، وهو كتاب يستحق الصحبة والرفقة في درب هذا الفن الصعب على الأفهام والوعر أيضاً.