فرضت الطبيعة نفسها بقوة في الدورة 24 لماراطون الرمال وكان على المنظمين أن يؤمنوا للمتسابقين الذين جاءوا من مختلف أنحاء المغرب حداً أدنى من متعة مواجهة قساوة الطبيعة، فهذا الصنف من الرياضة لا يجلب فقط الرياضيين الراغبين في الفوز بالجوائز المبرمجة، ولكنه يجلب بشكل خاص المولعين بالطبيعة الذين لم تعد تهويهم حياة البذخ ومغريات كبريات المدن والمؤسسات الفندقية الفخمة وبالمقابل زاد ولعهم للرياضات التي يعرضون فيها قواهم الجسدية لمواجهة قساوة الطبيعة ومغازلة ما توفره من نشوة لا مثيل لها. قانون الطبيعة: لم تتوقف الأمطار عن التهاطل طيلة الرحلة التي انتقلنا فيها يوم السبت 28 مارس من ورزازات إلى أرفود، كان على السائق ابراهيم أن يكون حذراً |أكثر من المعتاد ما دام أن المياه غمرت مساحات شاسعة من الطريق وشكلت وديان جارية عابرة لها، إن هذا المناخ الذي هدد بإلغاء الدورة الرابعة والعشرين أظفى على الطبيعة مسحة فريدة من نوعها إذ رغم قدرة الرمال العالية على امتصاص الماء فإن البرك المائية ومجاري المياه كانت منتشرة على نطاق واسع. أثناء التوقف لتناول وجبة الغذاء بلغنا أن حافلات «ستيام» التي كانت تقل المتسابقين والعديد من المنظمين اضطرت إلى توقيف رحلتها بعد أن غمرت المياه القناطر ولم تعد حركة العبور مفتوحة إلا أمام السيارات الرباعية الدفع، حينها تزايدت مخاوف المنظمين من الاضطرار إلى إلغاء الدورة، أما العاملين في المطعم فكانت فرحتهم عارمة، وكيف لا وقد صاروا شبه متأكدين من أنهم سيجنون موسماً فلاحياً جيداً ومن أنهم سيضمنون التزود بالماء لفترة طويلة في ظروف أحسن. عند اقتراب الغروب وصلنا إلى أرفود، وكان علينا أن نعبر القنطرة لنصل إلى المأوى القريب من المخيم الذي أعد لإيواء المتسابقين، وكان علينا أكثر أن نقبل بالمخاطرة وبالعبور رغم أن سيول المياه كانت تغطي القنطرة وتهدد بالغرق. على الظفة المحادية للمجمع السكني وقف السكان يراقبون ما يحذث أمامهم، فعبور أي مركبة يشكل بالنسبة إليهم فرصة لاستعادة النفس، ولكنه في نفس الوقت يحيلهم على واقعهم المر، فشتان ما بين إمكانيات الوافدين من أجل متعة عابرة وبين واقع يمقيمونفيه و لا يملكون حتى إمكانية العبور من أجل دفن من كتب عليه الموت في المقبرة التي توجد في الظفة الثانية من الواد طيلة أيام الفيضانات. مرت المغامرة بسلام، وتوجهنا إلى المخيم، فوجدنا خيامه المنصوبة خصيصاً لهذا الغرض قد فقدت أدنى شروط الإيواء، لم يكن حينها أمام مدير السباق باتريك باوير إلا أن يتخذ قرار إيواء الجميع بالفنادق عوض الخيام، كان أمله حينها أن تتحسن الظروف المناخية وتؤمن شروط الانطلاقة الجيدة للسباق ولكن الأمطار استمرت في التهاطل وفرضت اتخاذ القرار الثاني القاضي بإلغاء المرحلة الأولى من السباق مع إدخال تعديلات على المراحل الموالية، أما القرار الثالث القاضي بخيار إعطاء الانطلاقة بعد يوم من التأخير عوض إلغاء الدورة فقد قوبل بتصفيقات المشاركين الذين كانوا قد أعدوا كل العدة ليستمتعوا بالمناظر الخلابة التي توفرها الطبيعة في الصحراء المغربية. اللوجيستيك: أهمية القرارات المتخذة تكمن في أنها كانت تأذن بشروع الفرق المكلفة بالجانب اللوجيستيكي والتنظيمي باتخاذ ما يكفي من الإجراءات لتأمين إقامة حوالي 1200 مشارك ومشاركة في ظروف سليمة، وبالفعل فقد سجل المغاربة كيف أن ساحة فندق الشركي التي تولى فيها المنظمون تقديم وجبة غذاء يوم الأحد استعادت نظافتها بعد أقل من ساعة من تقديم آخر وجبة، أما مدير السباق فلم يفته أن يؤكد اعتزازه برعاية جلالة الملك للدورة ويجدد تشكراته للقوات المسلحة الملكية التي وضعت رهن إشارته 18 شاحنة قادرة على نقل الخيام والماء والأطعمة إلى مختلف النقط التي أعدت لاستقبال المشاركين. نفس المشهد تكرر عند إعطاء انطلاقة السباق صباح يوم الإثنين بالقرب من مرزوكة القريبة من الحدود مع الجزائر، فبعد مغادرة 812 متسابق يمثلون 44 فريقاً من 39 دولة وتبعهم حوالي 400 مؤطر و60 صحافي تبين أن الموقع الذي كان عبارة عن «موسم» نظيفاً ولولا آثار العجلات والأحدية لانعدمت إمكانية إثبات أن هذه الساحة هي التي احتضنت التظاهرة التي تناقلتها العديد من وسائل الإعلام الدولية. السياحة والرياضة: من الصعب الفصل في ما إذا كانت تظاهرة «ماراطون الرمال» ذات طابع رياضي أم سياحي، ولكن من المؤكد أنها تجمع بين الجانبين، فباستثناء القلة القليلة من المتنافسين على الفوز بالمقاعد الأولى في الترتيب، فإن الأغلبية الساحقة دفعت مقابل الحق في المشاركة أكثر بكثير من قيمة الجائزة الأولى، بل إن من المشاركين من بإمكانه أن يحتضن الدورة أو على الأقل مجموعة من المشاركين فيها، فالمقاربة السياحية المرتكزة على منظور بيئي لها مقومات ثقافية لم تنضج بعد في دول العالم الثالث رغم أن ما يزخر به هذا العالم من مؤهلات طبيعية يؤهله لاعتماد السياحة البيئية كفرصة لخلق مناصب الشغل ولتأمين استقرار السكان القرويين في الوسط القروي. قبل أن تنطلق المرحلة الأولى من السباق تحدث لنا لحسن أحنصال عن خصوصية السباق وعن استعداده للصمود أمام مؤهلات الاخ الأصغر محمد الذي كان على أتم الاستعداد للفوز بلقب ثالث، لكنه تحدث أيضاً عن غياب الاهتمام الرسمي بهذه الرياضة، إذ باستثناء الرعاية السامية لجلالة الملك فإن إشراف فرنسي على تنظيم التظاهرة يعتبر بمثابة حاجز أمام انخراط باقي الهيئات الرسمية المعنية بما في ذلك وزارة الشبيبة والرياضة وجامعة ألعاب القوى، والنتيجة أن لحسن أحنصال، الفائز بعشر دورات، ما كان له ليشارك في دورة 2009 لولا أن مجموعة «كيا موتورز» للسيارات التي احتضنت الماراطون للمرة الرابعة على التوالي، احتضنت كذلك الفريق الذي ضم الأخوين احنصال وعزيز العقاد بالإضافة إلى فرنسي من أصل تونسي. بينما أعلن منظم الماراطون الفرنسي باتريك باوير عن حضور نائب رئيس الجامعة الفرنسية لألعاب القوى مراسيم انطلاقة الدورة الرابعة والعشرين تحدث لحسن احنصال عن غياب المغرب في لائحة الدول التي تشارك في بطولة العالم لهذا الصنف من الرياضات علماً بأن الإقبال العالمي عليه يتزايد بشكل ملفت للنظر، وبالنسبة إليه فإن هذه الرياضة ، التي لا تتطلب بناء ملاعب، تحتاج إلى تشجيع أكبر لأن المغرب كله أرضية ملائمة لتنظيم رياضة الماراطون. أثناء تنقلنا بين الوحدات السياحية بالمنطقة من فنادق ومخيمات سياحية استمعنا إلى كثير من الانتقادات التي يستخلص منها أن الإستثمار في القطاع السياحي لايزال يتعرض لعدة عراقيل إدارية، ولولا هذه التعقيدات لأمكن تخفيض العديد من الأسعار التي تساعد على جلب المزيد من السياح وعلى رفع الاستهلاك، ولأمكن كذلك إنجاز العديد من الاستثمارات وخاصة منها التجهيزات التي تتطلب تعويض إنتاج الطاقة من المحروقات المضرة بالبيئة بالربط بالشبكة الوطنية للكهرباء، فالبحث عن متعة الهواء النقي والمناظر الصحراوية الخلابة لا يتناقض مع توفير طرق وممرات مريحة ولا يفقد قيمته إذا كان مصحوباً بقضاء ليلة في فضاء مريح. انتهت الدورة 24 بفوز محمد أحنصال للمرة الثالثة على التوالي وبفوز ديدي تودة للمرة الثانية على التوالي ولكن إشكالية تعامل المغارب مع هذه التظاهرة مازال مطروحا بحدة، إذ فضلاً عن الغياب الشبه التام للأجهزة الرسمية المعنية بالقطاع الرياضي فإن غياب أرباب العمل المغاربة كان جلياً على كافة المستويات علماً بأن نوعية المشاركين توفر المناخ الأنسب للتمهيد لإبرام صفقات تجارية يستحيل التوصل إليها في المعارض الدولية والزيارات الرسمية، وفي انتظار ما ستحمله الدورة المقبلة من مستجدات فإن ما صرح لنا به السائق ابراهيم يؤكد بأن «ماراطون الرمال» يؤمن للعديد من الفاعلين في القطاع السياحي العمل في ظروف مرضية على المستوى المادي أما ما عشناه مع سائقي سيارتي الأجرة اللتين انتقلنا عبرهما في وارزازات من الفندق إلى المطار فيؤكد أن بعض القرارات المحلية غير المسؤولة تصدم كل المغادرين وتفرض عليهم الاحتفاظ بصورة سيئة عن المغرب، وإلا كيف يمكن تفسير القرار الذي يحدد أسعار الرحلات الرابطة بالمطار في 50 درهم رغم أن مدتها قد لا تصل إلى 5 دقائق ورغم أن الحالة الميكانيكية للسيارات لم تعد تلائم الاستعمال في النقل العمومي أو السياحي.