صدمة أخرى للمراكشيين بعد الحساب الإداري الذي تمت مناقشته ولم يفز برضى سوى 26 صوتا، فقد تراكمت الفضائح بشكل لم يعد محتملا والأرقام التي تحملها الوثائق الرسمية للدورة تكفي وحدها لكشف مدى الخلل الذي يهيمن على تسيير الشأن المحلي بمراكش والذي كان من نتائجه تحول المدينة الى قبلة للسياحة الجنسية، وعاصمة للمتسولين، وإقطاعية في قبضة مافيا العقار.. ويتكرر نفس السيناريو الذي اعتاد عليه، بمرارة، المراكشيون في مناسبات تقديم الحساب الاداري، وبقدر ما يروج الحديث عن استقدام لجان للمراقبة المالية والافتحاص والتدقيق الإداري، بقدر ما يتفنن البعض في نسج خيوط التستر على الفضائح وإحفائها حتى وإن كانت روائحها تزكم الأنوف. وحتى لانتهم بإطلاق الكلام علي عواهنه، سندع الأرقام والوقائع المثبتة في الوثائق تتحدث عن نفسها فهي مرآة يمكن أن يرى من خلالها الناظر وجه مسيري هذه المدينة المنكوبة في حظها. أول ما يلاحظ في هذا الصدد أن الوثائق المتعلقة بالحساب الإداري لأعضاء لجنة المالية والميزانية غير مضبوطة، وتتضمن معطيات متضاربة، ولا تحتوي على بيانات كافية، ويمكن أن نذكر مثلا أن هذه الوثائق تشير إلى كون آلية واحدة استهلكت71 ألف لتر من الكازوال خلال سنة 2008 ! بمعدل استهلاك شهري يبلغ ستة آلاف لتر!! والغريب أن هذا الرقم تكرر مرتين في نفس الوثيقة، وهو ما يعزز الارتباك الملموس لتحديد حجم مجموع استهلاك الكازوال الذي انتابه غياب الضبط والدقة المشار إليهما سابقا، حيث إن المجموع المقدم في الوثيقة يصل إلى 327020 لترا، وهو ما لايتناسب مع المجموع الحسابي للتفاصيل المقدمة لهذه الخانة في حين أن الرقم الذي يفرضه منطق الحساب هو 327655 لترا!!! الارتباك لايقف عند هذا الحد، فدائما بخصوص استهلاك الوقود، من الغريب أن فاتورة الكازوال والبنزين واصلت ارتفاعها خلال سنة 2008. رغم تفويت قطاع تدبير النفايات الذي يعد أكبر مستهلك للوقود، حيث إن المنطق كان يفرض أن تنخفض الفاتورة بمعدل النصف على الأقل، ويمكن أن نجري مقارنة بسيطة لبيان ذلك، ففي سنة 2005 ، أي قبل التفويت كان حجم الاستهلاك هو322346 لترا، وبعد التفويت، أي في سنة 2008 ارتفع الاستهلاك إلى 327020 لترا، علما بأن كل آليات نقل النفايات قد تم تفويتها. نفس الشيء يلاحظ بالنسبة لاستهلاك البنزين، حيث بلغ سنة 2005 ما يناهز92373 لترا، وفي سنة 2008 ارتفع إلى95095 لترا، إذ يظهر أنه لم يتأثر بالتفويت وواصل ارتفاعه بشكل غير مبرر! لكن وثائق الحساب الإداري تفسر هذه الواقعة، وتفضح خلفياتها إذ يظهر أن الاستفادة من فاتورة الوقود لم تكن مضبوطة بمبدأ المصلحة العامة، بل عمد المكتب المسير إلى توسيعها إلى أشخاص ليست لهم مسؤولية لا في التسير ولا في المجلس، وبعضهم يستفيد من وقود الجماعة لسيارته الخاصة وفي نفس الوقت لسيارة الجماعة المخولة له، ومنهم من صرفت أموال كبيرة لإصلاح وصيانة سيارته! وهو مجرد عضو بالمجلس، ليست له مسؤولية في التسيير، كما أن كثيرا من سيارات الجماعة توجد في حوزة عدد من الموظفين لاتفرض مهمتهم حصولهم على سيارات، كما تتحمل مالية الجماعة مصاريف تمويل السيارات الخاصة لعدد من المستشارين بالوقود وصيانتها! رغم أنهم لايمارسون أية مهمة، ولا مسؤولية، ووثائق الحساب الإداري تحدد أسماءهم واحدا واحدا، مرفوقة بحجم الاستهلاك، وما يعادله من أموال، إضافة الى مبالغ الصيانة، حتى إن بعضهم وصل حجم استهلاكه السنوي للبنزين إلى 1740 لترا. ولايقف مسلسل تبدير مالية الجماعة عند هذا الحد، بل يتواصل كما جرت العادة في السنوات السابقة مع المبالغ الهائلة التي تصرف في المكالمات الهاتفية للعمدة وحاشيته، هناك أولا لغز مبهم يلف شيئا تسميه الوثائق بمصلحة الهاتف، لايعرف أحد بالضبط ماهيتها ولا مهمتها! ولم يقدم في شأنها أي توضيح، عدا أنها استهلكت خلال سنة 2008 مبلغ 00, 7365509 درهما. لكن من غرائب استهلاك الهاتف الثابت التطابق التام بين عدد من المصالح، كالمجازر، سوق الخصر وشخص يدعى بلعروصي، وقسم أعمال المجلس، ومصلحة العلاقة مع الوكالات حيث تكرر نفس الرقم في خانة كل منها وهو:00, 788899 درهما، وهو تطابق غريب وغير مفهوم كيف أن لا مصلحة واحدة من هذه المصالح لم تتجاوز الأخرى أو تنقص عنها ولو بدرهم واحد؟؟!! إنه تطابق يفوق كل منطق للصدفة. ينضاف إلى هذا حجم استهلاك الرئيس بكتاباته ودواوينه وستة من نوابه الذي بلغ 20 مليون سنتيم، والتفصيل فيها يدعو لكثير من الضحك المبكي، فوثائق الحساب تشير في هذا الصدد إلى أن كتابة الرئيس بلغ استهلاكها للهاتف الثابت45,5626 درهما، وبعدها مرة أخرى كتابة الرئيس بلغ استهلاكها 41, 24528 درهما، والرئيس باستهلاك بلغ 13,74888 درهما، ومرة ثالثة كتابة الرئيس ب 40, 7178 درهما، ثم ديوان الرئيس ب 00,6080 درهم ومدير ديوان الرئيس ب05,7098 درهما، أما محمول الرئيس فوصل إلى90,25567 درهما. ليظهر أن هناك رغبة اخترقت وثائق الحساب الإداري لتشتيت حجم مصاريف الهاتف الخاصة بالرئيس حتى لاتظهر في حجم جبل ضخم ملفت في خانات الحساب، لكنها تسقط في فضيحة أكبر تتجلى في تسميات مكررة لمصالح مرتبطة بالرئيس. وبقدر الإهدار الذي قدمنا أمثلة عنه بقدر ما يتعمق التدهور بخصوص مداخيل بعض المرافق الحيوية التي لا يستطيع أحد أن يجادل في حجم رواجها الهائل، ويمكننا أن نسوق مثلا عن ذلك: مداخيل أسواق الأحياء التي تتراجع سنة بعد أخرى، لقد كان حجمها سنة 2005 هو: 00,315720 درهما، وانهار سنة 2006 إلى00,228170 درهما، أي بانخفاض بمائة ألف درهم! وفي سنة 2008 تراجع إلى 00,172280 درهما!! مع العلم أن سكان المدينة في ارتفاع متواصل، ووصل عددهم إلي مليون نسمة، فكيف يعقل أن يتراجع استهلاكهم إلى هذا الحد؟! وهناك أسواق تثير مداخيلها الضحك، كسوق دوار الكدية الذي لايتجاوز مدخوله 16 درهما! وسوق حي إزيكي 35,22 درهما! وسوق سيدي إسحاق الرحبة 29 درهما!!!، أما جوطية باب الخميس الموجودة مابين السور العتيق وإعدادية احمد شوقي فمدخولها صفر درهم!!!! مع العلم بأن التحصيل يومي. والمعضلة الأكبر في هذا السياق تتعلق بسوق الخضر والفواكه بالجملة الذي لم يعد محتفظا بمواصفات البداية ولم يحترم تصميمه الأصلي، بل تحول إلى وضعية يرثى لها، فتسربت إليه العشوائية من خلال بناء 151 »براكة« من الحديد والزنك، بدون مواصفات ولا حتي استشارة أي كان من أعضاء المجلس، إضافة إلى الأزبال والنفايات التي استوطنته، وعوض أن يكون سوقا نموذجيا للجملة أصبح سوقا للتقسيط والقراضة! والأكثر من هذا، فمن خلال المقارنة ما بين مدخوله والصوائر المترتبة عن أجور الموظفين والأعوان، يظهر أن مداخيله لاتكفي حتى لأداء تلك الصوائر! حسب الوثائق فمثلا بلغ مدخول شهر دجنبر 2008 مايناهز 00,864440 درهما، وخلال شهر مارس من نفس السنة بلغ 00,772749 درهما، في حين أن عدد الموظفين والأعوان بالسوق حسب الوثائق يبلغ 76 موظفا وعونا. والمثير للاستغراب في هذا الشأن أن عددا من الموظفين لم يطالب بعطلته لعدة سنوات، مما يطرح السؤال حول سبب ذلك، هل هو الخوف من اكتشاف فضيحة؟ أم هو تفان مبالغ فيه في العمل!!! نفس الشيء يلاحظ بالنسبة لسوق السمك الذي لم تعرف مداخيله أي نمو يذكر منذ سنة 2006 وظلت ثابتة إذ لم تغادر رقم مليونين وأربعة آلاف درهم، أما سوق الحبوب فالمثير فيه أنه يعرف هيمنة أسماء بعينها عليه، وهو ما يطرح عدة أسئلة بخصوص أساليب الاستفادة منه. من المظاهر الصارخة لإهدار مداخيل الجماعة التي تشهد بها وثائق الحساب الإداري سعر بيع أزهار أشجار »النرنج« (الزمبوع) حيث لم يتجاوز هذا السعر لسنتي 2008 و2009 مبلغ أربعة آلاف درهم تغطي ثمار مئات الآلاف من الأشجار التي تحفل بها شوارع مراكش وحدائقها! مع العلم أن سعر الأزهار في السوق يتجاوز 38 درهما للكيلو غرام الواحد. نفس الشيء بالنسبة لسعر بيع الزيتون الذي بلغ سنة 2004 ما مجموعه 68 مليون سنتيم، أما سنة 2007 فكان مدخوله صفردرهم !! وبرر عمر الجزولي ذلك بأنه تعرض للسرقة!! وفي سنة 2008 لم يتجاوز ستة ملايين سنتيم. مع العلم أن وسائل سقيه تستلزم 7 ملايين سنتيم . ومن تجليات لامبالاة مسؤولي المجلس الجماعي بمراكمش وتهاونهم في القيام بواجبهم وحماية مداخيل الجماعة ما يتعلق ب »الباقي استخلاصه«، فرغم أن الرئيس عند دخول ولايته سنة 2003 أكد أنه عقد اتفاقية مع الخازن الجهوي بإشراف من الوالي لأجل استخلاص الضرائب التي كان يتوقع حينها أن المستخلص منها سيصل في نهاية نفس السنة (2003) إلى 18 مليار، رغم كل ذلك، واصل »الباقي استخلاصه« ارتفاعه حيث انتقل سنة 2008 إلى79,372181484 درهما، بعد أن كان سنة 2007 في حدود 12,325865400 درهما، وفي سنة 2006 كان رقمه58,302538720 درهما. ويستخلص من هذا أن مالية الجماعة تائهة في رفوف إدارات وأشخاص، والمسؤولون لايبدلون أي جهد لاستخلاصها، ووضعها في خزينة الجماعة، ومن ذلك واقعة عدم استخلاص المجلس مبلغ 45 مليار ثمن تفويت أرض سوق الخضر بباب دكالة، وبذلك يرتفع حجم الاموال السائبة التي تعود للجماعة إلى ما يناهز 82 مليار سنتيم ما بين الباقي استخلاصه وثمن أرض سوق الخضر القديم. نفس المنطق يسري على تدبير الملك الجماعي، ويكفي أن نذكر في هذ الصدد أن عشرة دكاكين بالسوق الداخلي بباب الخميس غير مكرية، وستة دكاكين تابعة لمركب باب الخميس غير مكرية، رغم انها مستغلة!! و238 دكانا مغلقا بسوق الزهور! مما يفوت فرصة التبضع والتسوق على ساكنة النخيل والداوديات ويحرم الجماعة من مداخيل هامة، ويزكي الفوضى والعشوائية. كما أن السوق البلدي بالحي المحمدي يعرف بدوره تواجد 22 دكانا و11 مكتبا ومقهيين كلها مغلقة! ولم تستغل بعد، وهذه الوضعية تتأكد أكثر بعدم تقديم عمر الجزولي لجرد دقيق لممتلكات الجماعة والمقاطعات. وعلى مستوى العنصر البشري فالجماعة تعرف فوضى عارمة، سواء على مستوى التوظيفات، أو الموظفين الأشباح، حيث عمد رئيس المجلس إلى توظيف 26 شخصا جديدا توظيفا محكوما بمنطق الزبونية والانتخابوية، وإرضاء لبعض مستشاري الأغلبية. وبالمقابل لم يجد »عمدة« مركش سوى الخدمات الاجتماعية لتقليص اعتماداتها، وإلغاء الخانات المتعلقة بها، كما هو الشأن بالنسبة لخانة مصاريف استشفاء المعوزين التي يصل مبلغها إلى 00,700000درهم، وكذلك مصاريف نقل المرضى، إضافة إلى11 مليون درهم كانت مخصصة للثقافة والفنون لم تصرف، وحولت إلى قطاعات أخرى، ليظهر أن الخدمات الثقافية والاجتماعية تشكل آخر اهتمام يمكن أن يشغل بال أغلبية المجلس، في الوقت الذي صرفت فيه مبالغ خيالية على الترفيه والأسفار!! ورغم الشعارات المتداولة، تظل التنمية الاجتماعية والثقافية المهمش الأكبر ضمن رؤية المجلس الحالي! فواقع المدينة كاف لوحده للشهادة البينة على المستوى التنموي الذي تعرفه، فالمشاريع الثقافية غائبة بالمطلق، والمشاريع الاجتماعية الكبرى والفعالة معدومة، لتكون النتيجة آلاف المتسولين بطرقات المدينة، وارتفاع مظاهر الجريمة والانحراف، وتحويل مراكش إلى مرتع للدعارة واستباحة مالية مراكش من طرف أشخاص يعبثون بمصيرها بلا حسيب ولا رقيب، تلك هي خلاصة ست سنوات من التدبير الفاشل بمدينة بقدر ما تتوسع بقدر ما تنمو جروحها وتتفاقم عشوائيتها وتتعمق معاناة ساكنتها.