الركود، تراجع معدلات النمو، تدني القدرة الشرائية، تذبذب في السياسة الخارجية، حب التمظهر، كلها مواضيع أصبحت اليوم تشغل الساحة السياسية والاجتماعية الفرنسية وتمثل ناقوس إنذار للرئيس نيكولا ساركوزي بأن فترة التهاون أو التسامح التي ترافق الشهور الأولى لوصول أي رئيس جديد إلى السلطة قد انتهت، وأن هناك شعورا بالإحباط بدأت ملامحه تتضح خاصة على مستوى الوضع المعيشي والقدرة الشرائية الهاجس الأبرز لدى الفرنسيين قبل الصحة والتقاعد. بعد شهور قليلة على انتخابه وبعد مرور فورة الحماسة الأولى، بدأ الفرنسيون يدركون أن من نصب نفسه رئيس القدرة الشرائية، لا يملك العصا السحرية للاستجابة لتطلعاتهم أو الإصغاء إليهم. فالأسعار في تزايد مستمر بدءا من المواد الأساسية التي سجلت ارتفاعا ما بين 8 إلى 17 في المائة مرورا بالبنزين والغاز والمواد شبه الضرورية التي تجاوزت الزيادة في بعضها عتبة العشرين في المائة، مما انعكس بشكل مهول على قطاع الخدمات والنقل والصحة وباقي القطاعات ذات الارتباط بالحياة المعيشية اليومية للفرنسيين، وما رافقها من تراجع كبير على مستوى الاستهلاك الذي يعتبر المحرك الأساسي للنمو. فقد أظهر آخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «لوباريزيان» أول أمس السبت أن 71 في المائة من الفرنسيين يعتبرون أن ساركوزي لا يملك حلولا لمشاكلهم، وأن 64 في المائة منهم يرون أنه يغضب الفرنسيين على جبهتين: جبهة الحياة الخاصة وجبهة القدرة الشرائية. وأفاد الاستطلاع بأن القدرة الشرائية هي الهاجس الأول لدى الفرنسيين قبل الصحة والتقاعد والحماية الاجتماعية والأمن والسكن. ولا ينفك كبار المسؤولين الفرنسيين عن الحديث عن إفلاس الدولة تارة أو العجز في الخزينة تارة أخرى، وهو أمر أقره الرئيس ساركوزي نفسه عندما قال في مؤتمره الصحفي التقليدي بقصر الإليزيه: ماذا تريدون مني أن أفعل؟ أن أفرغ خزينة الدولة؟ إنها فارغة أصلا، وهذا ما ردده بعد أيام قليلة أندريه سانتيني كاتب الدولة في الوظيفة العمومية قبيل استقباله نقابات موظفي القطاع العام للتفاوض معهم حول زيادات الرواتب، بالقول إن الزيادة هذا العام ستبلغ نصفا في المائة. بينما التضخم زاد على 7.2 في المائة. أسير الوعود الانتخابية وقد راهن ساركوزي على النمو الاقتصادي، وبنى حساباته على أن معدل النمو سيصل إلى ثلاثة في المائة، فجاءت حسابات الحصاد مختلفة كليا عن حسابات الحقل كما يقال، حيث نسبة النمو بلغت العام الماضي 9.1 في المائة ومن المتوقع أن تتراجع هذه السنة إلى ما دون 5.1 في المائة، مما يعني أن رئيس الجمهورية، الذي ظن أن فوزه بالرئاسة سيعطي ثقة كبيرة بالاقتصاد وسيحث المواطنين على الاستهلاك وسيخلق دينامية قوية تعززها التدابير والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، يجد نفسه اليوم أسير وعوده الانتخابية التي لا يملك القدرة على تحقيقها في ظل أوضاع اقتصادية دولية تتميز اليوم بتنقل ثقل العولمة الاقتصادية إلى الشرق الآسيوي، وتخطي سعر النفط عتبة المائة وعشرة دولارات للبرميل الواحد وتخبط الحليف الأمريكي في مشاكل اقتصادية ومالية فضلا عن انخفاض سعر صرف الدولار مقابل اليورو وتراجع الصادرات الفرنسية، وغير ذلك من العوامل التي تؤثر سلبا على الحركة الاقتصادية في البلاد وعلى قطاع الاستهلاك بشكل عام. ولم يتمكن ساركوزي في ظل هذه الأوضاع من تحريك عجلة الاقتصاد على الرغم من الإجراءات الإصلاحية التي تباشرها الحكومة. فالركود مازال قائما، ومعدلات النمو لاتزال دون المستوى المنشود، والمستوى المعيشي متدهور. أما سيل العقود التي وقعها في الخارج، بملايير الدولارات، والتي يعول عليها لوقف البطالة وزيادة فرص العمل، فلم تنتج حتى الآن سوى تسريحات جديدة في العديد من المؤسسات وبطالة متأصلة في قطاعات مختلفة. رسالة إنذار وقد حاول ساركوزي شغل الساحة الإعلامية يومي الأربعاء والخميس الماضيين في مسعى لإقناع الفرنسيين بسلسلة من الإجراءات تخص حجم ساعات الشغل والعمل أيام العطل الأسبوعية، واقترح في هذا الباب أن تتخلص المؤسسات من القانون الخاص بنظام العمل 35 ساعة أسبوعيا، بالاتفاق مع الأجراء، مقابل زيادات في الأجور، وأن تتحول أيام الراحة المسترجعة من وقت العمل إلى مقدار من المال أو أن تمنح إمكانية الاشتغال للعمال الراغبين في العمل أيام الأحد. غير أن هذه الاقتراحات حتى وإن كانت تلقى استحسانا من لدن البعض، فإنها لن تمكنه من استعادة ثقة مواطنيه به على المدى القريب، بعد أن تدهورت قدرتهم الشرائية إلى حد لم يعد بإمكان شريحة واسعة منهم مسايرة وتيرة الغلاء المتسارعة، لاسيما في غياب أية مبادرة بشأن معاشات التقاعد المتواضعة أو الرفع من الحد الأدنى للأجور. ربما يقرأ ساركوزي في تدهور شعبيته رسالة إنذار من مواطنيه بتغيير سياسته وأسلوبه أيضا في التعامل مع حياته الخاصة: تغيير سياسته داخليا من خلال العمل على تحسين المستوى المعيشي لمواطنيه، وخارجيا بإعادة النظر في بعض الانزلاقات التي قد تضعف موقع فرنسا الأوروبي والدولي. فالنخب السياسية والثقافية الفرنسية لم تعد تنظر بعين الرضا إلى السياسة الخارجية لساركوزي في جانبها المرتبط بمثل ومبادئ الجمهورية وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث ترفض ذات النخب أن تتم التضحية بهذه المبادئ من أجل عقود تستفيد منها الشركات الكبرى، كما حدث عند زيارته للصين وروسيا ومغازلته للعقيد معمر القذافي في باريس. أما زيارته للولايات المتحدة، وما تخلتها من مواقف تذهب في اتجاه تأييد سياسة الإدارة الحالية، فإنها أساءت إلى رصيد الدبلوماسية الفرنسية وإلى موقع فرنسا في العالم، من دون أن تبلور مضمونا جديدا للقطيعة التي يريدها ساركوزي بالنسبة إلى أسلافه. التخلي عن التمظهر بخصوص التغيير على مستوى الأسلوب، فهو سهل ومريح للرئيس الذي أصبح يلقب ب»ستار كوزي» ولمواطنيه. فيكفيه أن يدرك أنه رئيس دولة عريقة كبرى وليس مغنيا أو نجما سينمائيا، وبالتالي التقليل من التمظهر والدعاية لحياته العاطفية والخاصة والتخلي عن إكسسوارات التزويق من نظارات الموضة المبصومة بخاتم الماركات الشهيرة وساعات اليد الثمينة التي يتباهى بها أمام عدسات الكاميرا، والتركيز كما تنصحه الصحافة على برنامج الإصلاحات الذي منحه الرئاسة أكثر منه على النساء والمظاهر السطحية. وإذا كان الفرنسيون لا يهتمون في معظمهم بالحياة العائلية والخاصة لقادتهم، حيث إن ما يمكن أن يكون فضيحة مدوية تطيح بالمستقبل السياسي لأي كان في دول كثيرة، خصوصا في الولاياتالمتحدة وبريطانيا، هو أمر عادي في فرنسا، فإنهم مع ذلك يتقززون من المبالغة في عرض الحياة الخاصة وجعلها جزءا من العمل الرسمي. وتحفل قصص السياسيين الفرنسيين بروايات الطلاق والعشيقات والخيانات الزوجية من دون أن يلقي ذلك بتداعيات سلبية على المستقبل السياسي لأصحابها. وقد أمضى الرئيس الراحل فرنسوا ميتران ولايته الثانية حتى نهايتها كشخصية مرموقة احتفظت بمكانة خاصة في التاريخ الفرنسي بالرغم من إنجابه ابنة من خارج الزواج الشرعي. فلم تتأثر سمعة الرجل ولا الابنة ولا حتى عائلته، من هذا السلوك. وإلى حين استيعاب إنذار مواطنيه، يبقى على ستار كوزي أن يجتهد في اتجاهين لا ثالث لهما، تعديل سلوكه بما لا يثير اشمئزازهم، وتعديل سياسته بما يساعد على تحسين مستواهم المعيشي ويجنب فرنسا الارتماء قلبا وقالبا في أحضان العم سام. المشاركة السياحية المغربية لو فكرت إدارة المعرض الدولي للسياحة بباريس تخصيص جائزة لأردأ مشاركة لهذه السنة، لحصل عليها المغرب بامتياز، بحكم حضوره الباهت رواقا وعروضا ومشاركة في معرض يعتبر المقياس الرئيسي لرصد الوضع العام والتوجهات المستقبلية لحركة السياحة في العالم، كما تشهد على ذلك المشاركة المتنامية لمحترفي السياحة في هذا الملتقى السنوي الكبير. وفيما راهنت الدول المغاربية ومعها مصر وسوريا والأردن على هذا الملتقى الذي يعد بشهادة الأرقام أهم بوتقة في العالم لتسويق المنتجات السياحية والتعرف على التوجهات المستقبلية لأحد أبرز القطاعات الحيوية في اقتصاديات مختلف دول العالم، اختار المكتب الوطني للسياحة بباريس أن يقاطعه ولو كان حاضرا برواق بئيس ميت يفوح برائحة الإهمال والتهور وانعدام الحس الوطني، حتى إن المنظمين تساءلوا عما إذا كان القائمون على الشأن السياحي المغربي قد تخلوا عن مشروع عشرة ملايين سائح في أفق 2010. فبينما انتصبت الأروقة المغاربية بهية مشرقة بمضيفاتها في لباسهن التقليدي يستقبلن الزوار على نغمات الطرب المحلي، ويقدمن لهم آخر المنتجات السياحية والعروض الخاصة بفترات الإجازة المختلفة على شاطئ البحر والسياحة الجبلية والرحلات الترفيهية وسياحة الاستجمام والصحة، مرفوقة بعدد من الكتب والمطبوعات عن كافة البرامج والأنشطة السياحية فضلا عن عدد كبير من الأقراص الممغنطة، وقف الرواق المغربي باهتا يندب حظه البئيس من قلة الوافدين عليه وانعدام الإعلانات التوثيقية الإلكترونية، وبالمقابل (وهذه نقطة إيجابية) كثرة المطبوعات التي تؤرخ لسياحتنا في القرن الماضي. تونس تنتزع المرتبة الأولى والجزائر في الطريق تونس انتزعت منا سنة 2007 المرتبة الأولى من حيث الوجهة السياحية المفضلة لدى الفرنسيين، والجزائر تسعى إلى الانقضاض على مرتبتنا الثانية من خلال رواق أبدعته على شكل خيمة سياحية تعرض مختلف الرغبات السياحية من أسفار الشباب إلى رحلات المغامرة والرياضة دون نسيان السياحة الأثرية والترفيهية. واختارت الجزائر المشاركة بقوة في هذه الدورة الربيعية، من خلال وفد رفيع المستوى برئاسة وزير السياحة الذي عزز حضوره بما يزيد عن 20 مطبوعا متنوعا عن كافة البرامج والأنشطة والمشاريع السياحية وأقراص مدمجة وأفلام تسجيلية تم عرضها على زوار المعرض، سواء كانت شركات سياحية متخصصة أو وفود إعلامية. وإلى جانب العديد من الاجتماعات واللقاءات التي عقدها مع الوفود الأجنبية للوقوف على متطلباتها السياحية، نظم الوفد الجزائري ندوة صحفية لإبراز الدعم الحكومي المستقبلي لقطاع السياحة والامتيازات التي تمنحها بلاده في مجال الأسعار والخدمات السياحية. كل ذلك والرواق المغربي وبداخله كمشة من الحضور يتفرج بحسرة على مصيره البائس، حيث لا سفيرنا بفرنسا ولا رئيسة المكتب السياحي بباريس، الأستاذة سليمة حدور، كلفا نفسيهما عناء التدشين الرسمي للرواق الذي لم يشارك فيه هذه السنة سوى محترفي السياحة بمراكش وفاس. فلتسعد السيدة حدور بمكتبها الفاخر بقلب العاصمة الباريسية وقد توفرت فيه كل شروط الأبهة والتبجيل التي تفرض عليها تعاملا نخبويا يحتكم إلى الاستقبالات الموعدية ويلغي التواصل التلقائي مع عامة الناس. وليهنأ سفيرنا بباريس الذي كرس القطيعة مع الدبلوماسية الثقافية، وهو اليوم يضيف إليها الدبلوماسية الاقتصادية ممثلة في القطاع السياحي، أبرز القطاعات الحيوية في اقتصادنا الوطني. سباق المغرب ومصر نحو «اليونسكو» بدأ اليوم اإيداع الرسمي للترشيحات الخاصة بخوض السباق على منصب المدير العام لليونسكو الذي لن يخرج هذه المرة عن بلدان العالم العربي بحكم مبدأ التناوب الجغرافي. وقد تتعدد الترشيحات، لكن الصراع في رأي المتتبعين سيحتدم بقوة بين عزيزة بناني، رئيسة المجلس التنفيذي للمنظمة سابقا، ووزير الثقافة المصري فاروق حسني. وفي دردشة خفيفة (حتى لا نسميها استطلاعا)، في قلب المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم بباريس، لغربلة آراء ومواقف بعض أعضاء أجهزة اليونسكو من ترشيح كل من عزيزة وفاروق، وحظوظ كليهما في تولي منصب المدير العام للمنظمة، وقفت «المساء» على واقعين متنافرين، الأول أن حظوظ المرشحة المغربية وفيرة جدا، حيث إن فوزها قد يحسم حتى قبل المؤتمر العام المقرر في أكتوبر 2009، أي عن طريق المجلس التنفيذي المؤهل بموجب القانون الداخلي للمنظمة، لاختيار من يراه أهلا للمنصب وعرضه على المؤتمر الذي قد يبارك اختيار المجلس أو يبادر إلى التصويت. والمتعارف عليه أن المؤتمر يتبنى اقتراح المجلس. وتستمد حظوظ المرشحة المغربية شرعيتها من موقعها ومكانتها داخل المنظمة التي تقلدت بها عدة مناصب، من بينها عضو في لجنة التحكيم الدولية للتراث الشفوي وغير المادي لليونسكو، ورئيسة لجنة القدس في المجموعة العربية، ثم أول امرأة تتولى رئاسة المجلس التنفيذي لليونسكو في تاريخ المنظمة. الواقع الثاني هو أن الجانب المصري يقوم منذ شهرين بحملة دعاية واسعة إعلاميا ودبلوماسيا لكسب الدعم اللازم لمرشحه، من خلال ما تروج له سفارة مصر مدعومة بالصحافة الرسمية المعتمدة بباريس من تأييد وتعاطف مندوبي الدول الأعضاء مع مرشحها، حيث ذهبت إلى حد الإعلان عن الدول التي تساند بشكل رسمي هذا الترشيح كسلطنة عمان والبحرين وقطر وفرنسا وبعض دول أمريكا اللاتينية ومنطقة شرق آسيا. وتركز الحملة المصرية على موقع مصر الثقافي والسياسي وعلى العلاقات القوية التي تربط حسني مبارك بمعظم قادة ورؤساء دول العالم، فيما يقف الوفد المغربي متفرجا ينتظر تصورا لاستراتيجية العمل قد يفوت تأخره فرصة التحرك لكسب التحالفات اللازمة في مثل هذه الاستحقاقات. وترى السيدة بناني أن لكل طريقته في التعامل مع المسألة وفق تصوره واستراتيجيته. وتقول إنه «إذا كان لكل بلد الحق في خوض حملته الانتخابية وفق تصوره وبرنامج عمله، فإن ما أتمناه هو أن تكون الحملة في مستوى اللياقة والمسؤولية حتى لا نقع في نفس الوضعية التي حدثت في المرة السابقة حيث ترشح عربيان ولم يفز أي واحد منهما». وإلى حين الانطلاق الرسمي للحملة، يبقى أمل المغاربة معلقا على السيدة عزيزة لأن في نجاحها نجاح للمغرب، وأيضا إشارة قوية لصورة ومكانة المملكة في المنظومة الثقافية العالمية.