فضائح مراكشية. هل وقف سيف العدالة المغربي، عاجزا أمام قوة أبطالها ونفوذهم، وتشابك مصالحهم مع مصالح جهات غير مرئية؟ هي جملة من القضايا والوقائع الفاضحة التي كانت بهجة الجنوب مسرحا لها، قبل أن تنطلق سلسلة تحقيقات محليا ومركزيا، أثبتت مجرياتها تورط بعض المسؤولين المحليين النافذين، ليدريها النسيان، وتصبح في خبر كان. وتبقى المدينة وساكنتها وحدهما يدفعان الفاتورة. لم يكن أحد يتوقع أن يمتد جشع المضاربات العقارية وفوضى البناء التي حمى وطيسها بمدينة مراكش خلال العقدين الأخيرين، إلى محيط الإقامة الملكية بالجنان الكبير. مجموعة من العمارات ذات الخمسة طوابق نبتت بجوار الإقامة، التي أصبحت تحت مرمى أنظار المتطفلين من سكان هذه العمارات، ما أثار غضبة ملكية في حينه. النتيجة: هدم جميع هذه العمارات، وفتح تحقيق قضائي، تولت الفرقة الوطنية مهمة الكشف عن ظروفه وملابساته، وتم الاستماع إلى إفادته مجموعة من المسؤولين المحليين، في مقدمتهم محمد حصاد والي مراكش السابق، والذي تم استقدامه في مناسبتين بواسطة الطائرة لمدينة مراكش، قصد الاستماع إليه رفقة محمد الداودي عامل عمالة سيدي يوسف بن علي الأسبق، وعبد الله رفوش رئيس مقاطعة النخيل، والذي فاجأته السرعة التي انطلقت بها الفضيحة، ما جعله يدخل في حالات إغماء متعددة نتيجة نوبات سكري حادة. رحلة مكوكية قادته إلى العاصمة، وعاد منها عودة الظافر، مطمئن القلب، مرتاح البال، وهو يبشر أتباعه بأنه «قد طرق مساميره، ولم يعد هناك من شيء يخاف منه». هذه هي الحقيقة التي تجلت بشكل سافر، بعد استكمال الاستماع إلى إفادة باقي المعنيين، كالمهندس البلدي لمقاطعة النخيل، وبعض المستشارين. وحده مدير الوكالة الحضرية، من دفع الثمن بعد إعفائه من مهامه، ومن ثمة دخول القضية مرحلة السبات الطويل، بعد تكشف مجموعة من الحقائق الصادمة، حين تبين حسب ما تسرب عن التحقيقات المجراة في حينه، بأنه قد تم التلاعب في تصميم التهيئة للسماح باستنبات العمارات إياها جوار الإقامة الملكية، فتمت بجرة قلم إضافة كلمة «أو عمارات» جوار كلمة «فيلات» لتحديد طبيعة الأبنية المسموح بإنجازها بالمنطقة. بالرغم من كل هذه الحقائق، وبالرغم من ثبوت تورط بعض من أوكل إليهم أمر السهر على تدبير شؤون المدينة، فإن التحقيقات لم تتجاوز مكاتب الساهرين عليها، لتظل بذلك القضية مجرد زوبعة في فنجان، سرعان ما خمدت بالسرعة التي انفجرت بها أواخر سنة 2005. وبالرغم من إيفاد مجموعة من لجن التفتيش المركزية، وفتح مصالح الشرطة الوطنية تحقيقا موازيا، لتحديد طبيعة التجاوزات، والجهات المتورطة في القضية، فإن تقارير هذه اللجن، كانت تذوب، كما يذوب مرق الطنجية المراكشية، ومن ثمة، عدم تحريك المتابعة في حق أي من المتورطين، والاكتفاء بهدم ما تم استنباته من عمارات وأبنية، لتبقى بذلك القضية، إحدى العلامات الكبرى عن طبيعة الكيل بمكيالين، من حيث تقسيم المواطنين إلى فئتين عريضتين: واحدة لايطالها القانون، وتطال القانون، تحت حماية سطوة نفوذها وجاهها، وفئة المغاربة من «أيها الناس» والتي تجبر على دفع فاتورة ما ترتكبه يمناها من مخالفات مهما صغر حجمها، وبلغت تفاهتها. فجأة تفجرت فضيحة كازينو السعدي، وتحولت إلى قضية يتابع الرأي العام مجريات تطورها، في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات المجراة من طرف الفرقة الوطنية، خصوصا بعد استدعاء مجموعة من منتخبي الأغلبية والمعارضة للاستماع إلى إفادتهم في القضية التي بدأت تداعياتها مع انتهاء عمر المكتب المسير لبلدية المنارة، كإحدى أغنى الجماعات المحلية بالمغرب. وكانت البداية حين عمد المستشار المثير للجدل لحسن أوراغ بتسريب قرص مدمج يتضمن محاورات مجموعة من مستشاري الأغلبية بزعامة رئيس المجلس البلدي نفسه، وهم بصدد التداول في تقسيم مليار سنتيم، مقابل المصادقة على تفويت كازينو السعدي وبقعة أرضية مجاورة له للشركة التي تدير المؤسسة على وجه الكراء الطويل الأمد. لم يكن الامر يتطلب سوى الصبر لخمس سنوات قليلة، ليؤول الكازينو إلى ملكية المجلس البلدي، غير أن حكمة المسؤولين المنتخبين، ارتأت وضدا على منطق الأشياء، تفويت الجمل بما حمل، لتكون المحاورات التي تضمنها القرص المدمج أكبر شاهد على ما عرفته القضية من التباسات وتجاوزات، فظهرت أصوات بعض المستشارين، وهم يحتجون على ما نابهم من الكعكة، باعتبارها مبالغ لا ترقى إلى مستوى «الهمزة» المراد تفويتها. وحسب بعض التصريحات المتضمنة في القرص، يظهر صوت وهو يخاطب المجتمعين بقوله «والله آسيدي حتى نقسمو بالنقطة والفاصلة وبالتساوي، وراه خصنا نبقاو مكتلين بيناتنا»، في حين ينبري شخص آخر للاحتجاج بقوله «مزيان بغا يعطيني عشرات المليون باش يكادني مع (...) في إشارة إلى عضو آخر»، فيما أصوات أخرى تبدو واضحة، وهي ترفع صوتها بالاحتجاج للمطالبة بالزيادة في حصتها من «الكعكة»، وهي بالمناسبة أصوات تكشف عن هوية أصحابها بشكل فاضح. وبالرغم من التحقيقات الماراطونية التي سهرت على إنجازها الفرقة الوطنية، والاستماع إلى إفادة العديد من المعنيين بالموضوع، فإن الرأي العام المحلي بشكل خاص والوطني بشكل عام، ما زال ينتظر مآل الفضيحة، خصوصا بعد أن تحامل المستشار الذي فجر الفضيحة على نفسه، وابتهل فرصة اجتماع طارىء لصديق الملك وعراب حزب الأصالة والمعاصرة بمراكش، وسلمه حقيبة على مرأى من الحاضرين، مخاطبا إياه بالقول: «وا السي علي، بيني وبينك الله، إلى ما وصلت هاذ الأمانة لأمير المؤمنين»، قبل أن يعود إلى مقعده وعلامة الارتياح بادية عليه، وهو يخاطب الجالس بجواره: «حرقت أمهم كلهم، وفضحت هاذيك المصيبة ديال الكازينو» لتظل القضية بذلك في عداد القضايا المفتوحة، التي مازال الرأي العام ينتظر ما ستسفر عنه مجرياتها. تبقى الاشارة إلى أن بلدية مراكش كانت ستؤول إليها ملكية الكازينو الذي يعتبر أحد أهم مصادر الدخل السياحي بالمدينة خلال سنة 2004 بناء على الاتفاقية الموقعة بين أصحاب الشركة المسيرة وبلدية المدينة، قبل أن يعمل المجلس المنتخب لبلدية المنار آنذاك، وفي ظروف ملتبسة وقبل التاريخ المحدد على تفويت الكازينو وأرض مجاورة له بثمن رمزي لايتعدى 600 درهم للمتر المربع، ما أثار لحظتها موجة من التعاليق الساخرة في الأوساط المراكشية والتي اعتبرت العملية برمتها تدخل في إطار «زيادة الشحمة فالمعلوف»، على اعتبار أن ثمن العقار بالمنطقة المذكورة، يتجاوز عتبة ال20 ألف درهم للمتر المربع الواحد إن وجد. بعد رحلة قضائية ماراطونية، انتهت بإدانة ستة متورطين بأحكام سجنية نافذة، يتقدمهم بطل القضية عبد القادر النميلي البرلماني ورئيس غرفة الصناعة التقليدية ونائب العمدة ونائب رئيس بلدية النخيل السابق. المتهمون ثبت تورطهم في تفويت بقع أرضية بوعاء عقاري تابع لوزارة الأوقاف، ما جعل أزيد من 260 أسرة مستضعفة، مهددة بالطرد، حين قام المستثمر المغربي ميلود الشعبي الذي فوت إليه العقار في إطار معاوضة مع الأوقاف، باستصدار أحكام قضائية بالإفراغ، مشمولة بالنفاذ المعجل، ما جعل الضحايا ينخرطون في عدة وقفات احتجاجية للتنديد والمطالبة بفتح تحقيق قضائي انتهى بصدور أحكام قضائية نهائية بسجن المتورطين. وبالرغم من صدور قرارات الاعتقال في حق جميع المتورطين، فإنه وبقدرة قادر تم استثناء عبد القادر النميلي المدان بسنتين حبسا نافذا، من قرار الاعتقال، ليبقى بذلك حرا طليقا، ويشكل المجالس المنتخبة على مقاسه مع حلفائه الجدد من حزب الأصالة والمعاصرة. الحكم الصادر باسم جلالة الملك ظل حبرا على ورق، ويبقى بطل فضيحة بوكراع حرا طليقا دون رادع أو وازع، وبالرغم من محاولة «الأحداث المغربية» استجلاء رأي الوكيل العام للملك بالمدينة، وكذا وزير العدل المغربي السابق في شأن هذا التجاوز الصارخ لمنطوق القانون والعدالة، فإن الرأي العام المراكشي ما زال يتابع هذه الحقائق باستغراب شديد، وهو يحاول هضم كل هذه التجاوزات عن طريق النكتة والتندر، فيما الآمال مازالت معلقة على وزير العدل الجديد، عساه لا يحذو حذو سابقيه، ويجد الشجاعة الكافية ليقول للمراكشيين بأن لا أحد فوق العدالة. وكانت القضية قد انفجرت خلال سنة 2001، حين قام المستثمر المغربي ميلود الشعبي باستصدار حكم قضائي يقضي بطرد ساكنة عرصة بوكراع البالغ عددهم أزيد من 260 أسرة، على خلفية احتلالهم لملك الغير، الأمر الذي دفع بالساكنة المعنية إلى رفع عقيرتها بالصياح، وتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر ولاية مراكش، وبالتالي إجبار الجهات المسؤولة على فتح تحقيق قضائي، بينت نتائجه تورط البرلماني المذكور باعتباره نائبا لرئيس بلدية النخيل سابقا، وذلك عبر استغلاله لوسائل ومعدات البلدية في تشجيع إنجاز مجموعة من المنازل والدورالعشوائية، وتشجيع الأسر الفقيرة على اقتنائها بطرق ملتبسة مقابل مبالغ مالية متفق عليا سلفا. بعض الضحايا أكدوا أثناء مجريات المحاكمة، أنها تراوحت مابين 5 و9 ملايين سنتيم، علما بأن العقار الذي تم استنبات هذه المحلات فوقه، هو عقار تابع لمصالح الأوقاف والشؤون الإسلامية قبل تفويته في إطار معاوضة لإحدى شركات ميلود الشعبي العقارية. انتهت أطوار الجلسات التي تابعها الرأي العام المحلي بإدانة المسؤول المذكور بمعية مجموعة من المتورطين الآخرين. وقضت المحكمة الابتدائية بمراكش بإدانة عبد القادر النميلي بثلاث سنوات حبسا نافذا، قبل أن تقوم هيئة الحكم باستئنافية المدينة بتخفيض العقوبة إلى سنتين ونصف حبسا نافذا، وهو الحكم الذي أصبح نهائيا بعد أن قضى المجلس الأعلى للقضاء في جلسته المنعقدة بتاريخ 10 يونيو الجاري برفض طلب النقض الذي تقدم به المدانون. وكيل لائحة الاتحاد الدستوري بمقاطعة النخيل خلال الانتخابات الجماعية الأخيرة، لم يكن سوى عبد القادر النميلي الذي صدر في حقه الحكم بالسجن، ما جعل بعض وكلاء اللوائح المنافسة يتقدمون بطعن ضد لائحته مباشرة بعد صدور حكم المجلس الأعلى للقضاء، وهو الطعن الذي رفض من قبل المحكمة الإدارية باعتبار فوات الآجال القانونية لتقديم الطعون، قبل أن يقضي المجلس الدستوري بإلغاء عضويته من الغرفة الثانية، ومن مجلس المدينة ومقاطعة النخيل، الذي تمكن من حصد أغلبية مريحة بها، ليحول ولاءه بعدها للحزب الجديد، بعد أن انتقل رفقة ابنته وكيلة اللائحة النسائية، صوب مدينة الدارالبيضاء، حيث كان يجتمع حلفاء مرشح التراكتور، قبل انتخاب المكتب المسير، ليعلن ولاءه الجديد، ويحشد أنصاره للتصويت على فاطمة الزهراء المنصوري مرشحة حزب صديق الملك، وضدا على مرشح حزبه عمر الجزولي العمدة السابق، الأمر الذي كشف عن صفقة سياسية يروم الرجل من خلالها، البحث عن مظلة قوية. وإذا كانت الأحكام القضائية في هذه النازلة، والتي توبع على خلفيتها ستة متهمين (عبد القادر النميلي، صالح مستاش، مهنة عبد العزيز، مهنة رحال بن حسن، يحبوط مليكة بنت العربي، وبوقدير محماد) تمت إدانتهم بأحكام سجنية تم تأييدها على مستوى المجلس الأعلى منذ تاريخ 10 /06/ 2009، أي أياما معدودة فقط على انطلاق الاستحقاقات الجماعية الأخيرة، فإن دخول معايير الصفقات السياسية والانتخابية، قد جعلت الأحكام المذكورة، لا تتجاوز الورق الذي خطت عليه، ليبقى ضحايا القضية، والمشكلون من عشرات الأسر الفقيرة، يتابعون المشهد من موقف العاجز، وقاطرات التنقيل تسحبهم بعيدا عن موقع الفضيحة بعرصة بوكراع بمقاطعة النخيل، لتلقي بهم على مشارف المدينةالجديدة «تامنصورت». وبذلك تبقى هذه الفضائح كعلامة بارزة بمدينة سبعة رجال، تؤشر في بعض جوانبها، عن واقع القضاء المغربي، والذي يقف سيفه عاجزا، أمام قوة نفوذ بعض المتورطين في قضايا اهتز لها الرأي العام المحلي والوطني، وهي الحقيقة التي تجعل من المواطنين العاديين، يجدون صعوبة في تصديق شعارات رنانة، من قبيل المواطنون سواسية أمام القانون.