أعلنت وزارة الداخلية مؤخرا عن العدد الكلي للمسجلين في اللوائح الانتخابية قبل الحسم النهائي بواسطة الجهاز المعلوماتي بما يقارب 15 مليون ناخب من أصل 17 مليون وهو مجموع المواطنين البالغين السن الانتخابي. كما تم الكشف عما يزيد عن ثلاثة ملايين من المشطب عليهم في إطار عملية المراجعة التصحيحية في مقابل تسجيل 1.640 مليون من الناخبين الجدد. كل ذلك في واد والوعود المقدمة، وكذلك المبادئ التي يتأسس عليها الميثاق الجماعي المعدل والقانون الانتخابي في واد آخر، لأن هذه الأرقام تنم في المجمل عن وجود خلل ما في علاقة الإدارة بالمواطنين، فلماذا لم تتم الاستجابة لعملية التسجيل بالشكل المطلوب والمناسب؟ وما هو حظ الشباب البالغين سن الرشد الانتخابي في هذه المعادلة ؟ وهل سيكون لإجراء التخفيض من السن الانتخابي للشباب أي دور في الوقت الذي لم تتح له الفرصة الكافية لتسجيل نفسه عن طواعية واقتناع ؟ ومن خلال متابعة تفاصيل هذا الملف منذ المصادقة الأخيرة للبرلمان على وثيقة الميثاق الجماعي المعدل وعلى مدونة الانتخابات ، يتأكد بالملموس أن الأمر لا يخلو من غرائبية بسبب ما رافقه من تطورات مريبة تضع كل الرهانات موضع الشك والاحتمال، فكل القرائن تدل على أن دار لقمان ستظل على حالها وأن حلم الديموقراطية الحقة سيظل بعيد المنال والتحقق على أرض الواقع. كما أن مشكل العزوف الشامل عن المشاركة سيظل يتنامى خلال كل المحطات المتعلقة بالعمليات الانتخابية، إذ رافق عملية التسجيل في اللوائح وكذلك عملية المراجعة التصحيحية ، وسيطرح بحدة خلال مرحلة تقديم الترشيحات، وأثناء عملية التصويت، فإذا كانت المشاركة في انتخابات 2007 لم تتجاوز عتبة 37 % دون احتساب نسبة الأصوات الملغاة التي تشكل نسبة 50% فإن النتائج المقبلة ستكون أسوأ في ظل الشروط التي يتم إعدادها. وقد انعكس هذا الموقف على شعور كثير من الفاعلين داخل الهيئات السياسية والمدنية الذين عبروا عن تحفظهم من الصيغة المعدلة للميثاق التي أعادت إنتاج المقتضيات السابقة في صيغة لن تسمح بتاتا بتطويرآليات الفعل الديمقراطي والعمل الجماعي. كما انصب النقد كذلك على التقطيع الانتخابي الذي لم تراع فيه الشروط الموضوعية في كثير من الدوائر، حيث تم اعتماد معايير مخالفة لمبادئ الديمقراطية، ثم انتقل الأمر إلى عملية التسجيل والتصحيح الأخير للوائح الانتخابية حيث تم تسجيل جملة من الخروقات التي ستكون مدعاة للتقهقر إلى الوراء وعدم التعاطي بإيجابية مع الفعل الانتخابي، وقد دفعت بالكثير من المواطنين للتعبيرعن الرفض والاحتجاج مثل ما حدث في بعض المناطق منها (جماعة سيدي علال البحراوي بإقليم الخميسات، جماعة تاكليفت بإقليم أزيلال، تهديد 10أحزاب ببوجدور بمقاطعة الانتخابات. وجماعة الجوامعة بإقليم الفحص أنجرة ولاية طنجة ..) وذلك استنادا إلى الحيثيات التالية: - حدوث عدة أخطاء خلال عملية التقييد في اللوائح الانتخابية بدليل العدد المرتفع للطعون المقدمة أمام القضاء. - وضع العراقيل أمام الراغبين في التسجيل (التماطل، عدم توفر المطبوع الخاص بالتسجيل والذي كان يباع في السوق السوداء) - مساهمة الحالمين بالترشيح في القيام باستقطاب نوع معين من المسجلين (تحت الطلب). - تواطؤ الجهات المسؤولة التي التزمت الصمت منذ البداية دون أن تحرك ساكنا لمحاربة مظاهر الانحراف المبكر. - عدم التعامل مع التسجيل كواجب وطني في مقابل اعتماد منطق الانتقاء على أساس قاعدة (من مع أو ضد). - اعتماد التسجيل بواسطة شهادة السكنى التي تكلف أداء واجب التنبر بقيمة 20درهما. - صعوبةالحصول على البطاقة البيومترية بالنسبة لمن انتهت صلاحية بطاقاتهم الوطنية القديمة، والتي بدونها كان يستحيل التسجيل في القوائم، وخاصة بالنسبة للمسجلين الجدد من الشباب البالغين من العمر 18 سنة ، وذلك بسبب الجمود الذي يلف المصالح الخاصة بالوثائق التعريفية بمقرات الأمن المركزية (طول مدة الانتظار، بعد المواعيد ، بعد المراكز عن السكان بعشرات الكيلوميترات، وغلاء تكلفة إنجاز الوثائق التي قد تتجاوز ألف درهم مع طول انتظار يتجاوز 6 اشهر بالنسبة للمقيمين بعيدا عن المراكز المختصة ...) - صعوبة التسجيل بسبب تعدد المراكز الموزعة داخل المقاطعة الواحدة وبعدها عن السكان الذين اختلط عليهم الأمر جراء غياب الإرشادات فضلا عن سوء المعاملة ، وغياب أعوان السلطة المكلفين بمنح الوثائق الإدارية .. - خضوع الراغبين في إعادة التسجيل بسبب تغييرعنوان السكن لاستنطاق أعوان السلطة بهدف إحراجهم او التضييق عليهم وثنيهم عن التسجيل . - تشدد أعوان السلطة في منح شواهد السكنى وكل الوثائق الإدارية دون مبرر معقول. - الاعتماد على عمال الإنعاش في بعض المناطق للإشراف على عملية التسجيل بدلا من موظفي الجماعات المحلية. - التجاوز اللاقانوني لعملية التسجيل الشخصي والمباشر للناخب نفسه في اللوائح الانتخابية من خلال اعتماد الوساطة في التسجيل وتفويض الأمر لسماسرة الانتخابات. - عدم استجابة اللجن الإدارية ولجن الفصل لطلبات المواطنين المتعلقة بالقيد وإعادة التسجيل في اللوائح خلال كل المراحل المتعلقة بالمراجعة. - اتخاذ قرارات التشطيب على المسجلين دون مبرر قانوني مع عدم إشعار المعنيين بالأمر بواسطة رسالة مضمونة. - قيام مجموعة من القواد الجدد المعينين في بعض الدوائر بجلب أعوان لهم من خارج الإقليم ليس لهم معرفة بالسكان داخل مناطق نفوذهم. - عدم قيام الجهات المسؤولة بإبلاغ الأشخاص المشطب عليهم من اللوائح.. - تولي السلطات مهمة التسجيل في اللوائح بدلا من رؤساء الجماعات واللجن الإدارية القانونية المخولة بذلك. - التشطيب على أسماء يقيم أصحابها بجوار الأماكن المخصصة لصناديق التصويت. ونقل التسجيلات من دوائر إلى أخرى دون علم المعنيين بالأمر، مما أدى إلى التفريق بين الأزواج، وبين أفراد العائلة الواحدة . - التشطيب النهائي على بعض المسجلين مع رفض إعادة تسجيلهم رغم تقدمهم بطلبات القيد أكثر من مرة وتمتعهم بكل الشروط القانونية. - عدم وضع اللوائح الانتخابية رهن إشارة العموم في الأماكن العامة للاطلاع عليها . - إبعاد كثيرمن الناخبين عن الدوائر التي يتواجدون بها لغرض في نفس يعقوب، وهو ما تتحمل السلطات مسؤوليته لأنها هي التي تتولى مهمة تبويب اللوائح. - عدم قبول لجن الفصل لطلبات الطعون المقدمة إليها في الوقت القانوني، واحتفاظها بأسماء أشخاص لا تتوفر فيهم شروط الإقامة (المقيمون بالخارج، أو خارج الدائرة) - امتناع ثلثي المدعوين من المشطب عليهم عن الاستجابة لدعوة اللجن الإدارية من أجل استكمال بياناتهم للتسجيل في اللوائح داخل الآجال المحددة. - عدم انضباط نتائج الإحصائيات التي يتم الكشف عنها من طرف الإدارة فيما يخص التقييدات والتشطيبات.. - إغراق اللوائح بمرشحين جدد لا تتوفر فيهم الشروط القانونية وممارسة الإنزالات من خلال تقييد المسجلين بالجملة في بعض الدوائر بعد نقلهم من منطقة إلى أخرى. - الامتناع عن تسليم وصولات التسجيل في أغلب الحالات. - تقييد طالبي التسجيل خارج دوائر إقامتهم أو نقل تقييدهم إلى دوائر أخرى دون علمهم. - عدم تسجيل كل البالغين سن التصويت (18 سنة ). - عدم قيام الجهات المسؤولة بما يلزم من أجل تحسيس الرأي العام وتوعيته بمقتضيات العملية الانتخابية ، وتعريفه بكل المراحل التي قطعتها عملية التسجيل والتصحيح. وبالعودة إلى نموذج جهة طنجة تطوان فإنه لم يشد عن هذه الوضعية في صورتها القاتمة التي عكستها وسائل الإعلام . فقد سجل وجود ضعف في عملية التسجيل الذي لم يتعد سقف 20 الف مسجل في مقابل 18 ألف من المشطب عليهم خلال المرحلة الأولية ، كما أن معدل التشطيبات يقارب 50% من نسبة عدد المسجلين في اللوائح السابقة كما هو الشأن في مقاطعة بني مكادة وفي جماعة الجوامعة . كما لوحظ أن هناك جهات محترفة قد استبدت بعملية التسجيل وفق مخطط مرسوم بعيدا عن المعاييرالقانونية المنصوص عليها في مدونة الانتخابات. إذ قامت بالشطيب على المقيمين في دوائرهم بالمدينة وبالدواوير في العالم القروي من أجل إقصائهم وحرمانهم من المشاركة بأية وسيلة، كما هو الأمر بالنسبة لما شهدته جماعة الجوامعة من خروقات أصبح ملفها معروضا على أنظار القضاء من أجل البت فيه . حيث فوجئ السيد عبد المالك بلمهدي وهو النائب الأول للرئيس بنفس الجماعة ، وممثلها في اللجنة الإدارية المكلفة بالتسجيل في اللوائح بالتشطيب على اسمه من اللائحة دون إشعاره ولا منحه إمكانية نقل تسجيله حيث يتواجد عنوان سكناه بطنجة، وفي سياق كشفه عن الوقائع سجل وجود المئات من التشطيبات التي همت الناخبين من القاطنين في الدواوير داخل الجماعة دون علمهم، مما فوت عليهم الفرصة لتسجيل أنفسهم من جديد. وهو ما كان دافعا لقيام العديد من المشتكين بتقديم رسائل فردية وعرائض احتجاج ، وتنظيم وقفة احتجاجية بحضور الصحافة ، للمطالبة بحقهم المشروع في ممارسة حق دستوري. ويقدرعدد المشطب عليهم في السجل ب 1449 من أصل4226 دون علم من اللجنة الإدارية .. منهم 1102 حالة شطب عليها بسبب فقدان العلاقة بالجماعة، علما أن الكثير منهم لا زال بلحمه ودمه يقيم داخل تراب الجماعة التي يضم سجلها النهائي الآن بعد المراجعة الاستثنائية 2970 ناخبا . والمثير للانتباه هو أنه بالرغم من هذه الاحتجاجات المعبر عنها عبر وسائل الإعلام، فإن الجهات المسؤولة قد التزمت الصمت المطبق، ولم تبادر إلى فتح تحقيق في الموضوع بكيفية نزيهة ومحايدة. وعلى فرض وجود إيجابات وحسنات مصاحبة لهذه التجربة خلال المراحل المنجزة، منها تنقية اللوائح من الإنزالات والأسماء الوهمية والوفيات وغير ذلك، فإن الموضوعية والحرص على سمعة الوطن ومستقبله تقتضي ، وأيضا التحلي بالجرأة من الجهات المسؤولة من أجل تصحيح الأوضاع وإزالة كل الشوائب والعوائق التي تحول دون إحداث قطيعة مع السجل الأسود للانتخابات في بلدنا، وعدم اللجوء إلى تغطية الشمس بالغربال . ومن أجل بلورة هذه الرؤية نذكر ببعض التصورات التي طالما عبر عنها الرأي العام الوطني ممثلة في الاقتراحات التالية : - إعادة النظر في توقيت الانتخابات (12 يونيو 2009) لتزامنه مع فترة الامتحانات التي تحول دون إشراك شرائح عريضة من المواطنين في الحملة الانتخابية(مدرسين وطلبة وتلاميذ وأولياء) . - حاجة المغرب إلى إصلاحات دستورية تستجيب لطموحات المواطنين في وضع أسس الديموقراطية الحقة التي من شأنها أن تسهم في إعادة الثقة إلى المؤسسات وإلى الأداء النيابي . - لزوم التخلي عن الأساليب التقليدية في تدبير ملف الانتخابات في ظل التطورالتيكنولوجي الذي يسمح بتطوير الخدمات بشكل جذري وفعال على مستوى (البطاقة الانتخابية، وصيغ الاقتراع، وضبط اللوائح، وطريقة الفحص، والإعلان عن النتائج...) - الأخذ بمقترحات جمعية طرانسبارنسي المغرب المعلن عنها عقب الندوة الي نظمتها حول الانتخابات من بينها(توفير إطار تشريعي يؤمن النشر السريع والفوري للنتائج، سد الذرائع المؤدية إلى اللجوء إلى الرشوة خلال العملية الانتخابية، ضمان نزاهة الانتخابات، النص الصريح على دور المراقبين الدوليين. توسيع دائرة التشاور بشأن كل العمليات الانتخابية، التدقيق في محاضر إعلان النتائج وتوثيقها، سن مقتضيات قانونية تضمن حق المجتمع المدني في مراقبة العمليات الانتخابية ....) - تبسيط المساطر الإدارية من أجل تشجيع المواطنين على المشاركة.. - تحمل الدولة والأحزاب لكامل المسؤولية في توعية المواطنين بأهمية المشاركة الحقيقية القابلة للتقييم الموضوعي والأجرأة الفعلية للبرامج الانتخابية . - العمل على تغيير الانطباع السائد لدى المجتمع تجاه العملية الانتخابية من خلال تخليق الحياة العامة ومحاربة مظاهر الفساد السياسي والإداري. - أن تكف الدولة عن التدخل في الشؤون الانتخابية إلا من أجل تطبيق القوانين وتحقيق التوازن العادل بين مكونات المجتمع. - الدعوة إلى توفير شروط النزاهة الفعلية للعملية الانتخابية عبر كل مراحلها دون محاباة او تحيز لأية جهة على حساب المصلحة العامة . - اعتبار كل مستوف للسن الانتخابي مسجلا في اللوائح الانتخابية دون دون قيد أو شرط مع فرض إجبارية التصويت. - تقريب مراكز التصويت من المواطنين . - منح المرشحين الإمكانيات الكافية لضبط عملية الاقتراع والفرز وإعلان النتائج في إطار من الوضوح والشفافية وذلك عن طريق السماح لمراقبيهم في المكاتب الانتخابية بالتأكد من هوية الناخبين ومدى مطابقتها مع اللوائح الانتخابية دون أن يتولى رئيس المكتب هذه المهمة على انفراد وبنوع من التكتم المريب . - عرض لوائح الناخبين بشكل علني خارج مكاتب التصويت في كل مركز انتخابي من أجل الاطلاع عليها من طرف الناخبين يوم الاقتراع. - أن تتحمل السلطات مسؤلية توزيع البطائق على الناخبين قبل تاريخ الاقتراع، ومتابعة كل الجهات التي تتعمد الاحتفاظ بعينات منها من أجل استعمالها في التزوير في آخر ساعة بهدف ترجيح كفة تجار الانتخابات . - اعتماد آليات الإحصاء العلمي في ضبط اللوائح الانتخابية تحت إشراف جهار محايد وهو المجلس الوطني للانتخابات (نموذج الإحصاء العام للسكان) - التنصيص على اعتبار يوم الاقتراع يوم عطلة رسمية، مع الكف عن الاقتراع يوم الجمعة لعدم تناسبه مع هذه المهمة. - التزام الرأي العام والسلطات والأحزاب اليقظه الكاملة تجاه ممارسات الإفساد الانتخابي المعبر عنه بأساليب متعددة أمام مرأى ومسمع من السلطة التنفيذية التي ما فتئت في كل المناسبات تتقدم بالوعود والتباشير حول نزاهة الانتخابات والتطبيق الصارم للقوانين التي تحرم الغش والتزوير والتأثير على إرادة الناخبين. - فتح تحقيق حول الفضائح التي تنخر جسم المجالس المنتخبة التي أشرفت على إتمام ولايتها، ومتابعة المنتخبين الضالعين في الفساد الإداري والمالي ليكونوا عبرة لغيرهم، وللحيلولة دون عودتهم إلى مواقعهم من أجل إتمام مخططاتهم القذرة في نهب المال العام وتشويه إرادة الناخبين ، والتلاعب بالمال العام.. - فتح تحقيق في مجموع الوقائع الواردة في الرسالة المفتوحة تعزيزا للثقة، وكذلك الضرب على يد المتلاعبين بالشأن الانتخابي وبقضايا الشأن العام .