وأضاف «وبمجرد ما أعلنت النتيجة أعلن الأستاذ الوزاني عن استعفائه من الكتلة.. ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا الانشقاق الذي حدث وما نتج عنه، وكل ما هنالك أن الأستاذ الوزاني أخذ يعمل لاكتساب أنصار جدد باسم (الحركة الوطنية) بينما استمر سائر الذين كانوا في الاجتماع العام في عملهم ضمن الكتلة». وإذ توحي هذه الفقرة بأن انسحاب أو انشقاق جماعة الوزاني من الكتلة، كان لسبب شخصي يتعلق بعدم رضاه عن تشكيلة اللجنة التنفيذية المؤقتة، وهذا ما استند إليه عبد الكريم غلاب في مؤلفه «تاريخ الحركة الوطنية» (الجزء الأول ص141) واكتفى بالإشارة إليه في الهامش، فإن ما أورده حسن الوزاني في مؤلفه «مذكرات حياة وجهاد» (الجزء الخامس ص615) ينم عما يخالف ذلك، وهذا ما يستنتج من المقاطع التالية: (أكتفي بإثبات العبارات ذات الصلة بالموضوع) «... غير أن كل ما لابسه الارتجال، وصنعه سوء النظام يظل عرضة للانهيار، ولهذا شاءت الأقدار والظروف ألا تدوم الجماعة وحدة متراصة، وكتلة متماسكة، وذلك بمجرد ما تجلت في باحتها نزوات الأنانية بغية الظهور، والتصدر والزعامة وذلك خلال سنة 1936 حيث ظهرت التصرفات واتجهت مواقف أملاها الغرور وأوحاها التنافس، وقد انكشف هذا بمناسبة معارضة اقتراحي إيفاد ممثلين عنا لحضور المؤتمر الاشتراكي التاريخي»، «فكانت تلك المعارضة مصنوعة من أعاليل لم تكن في الحقيقة سوى أضاليل وعراقيل حتى لا أذهب منفردا أو مرفوقا، لأنه كان من شأن هذا أن يجعلني بالأخص منفردا بمهمة سياسية ومتفوقا بخدمة وطنية في مناسبة تاريخية حاسمة بالنسبة لفرنسا والأقطار التابعة لها... لكن رفض اقتراحي كان لسد الباب في وجهي ولو في حساب الصالح الوطني...إذ كانت تلك المعارضة موجهة لشخصي بالذات... وهناك معارضة أخرى واجهتها كذلك لما فكرت في إصدار مجلة أو جريدة بالفرنسية في باريس باسمي الشخصي...» وفي حديثه عن محاولة إخراج الكتلة من السرية إلى العلانية ومن التسيير الجماعي إلى التنظيم الحزبي يشير إلى ما لاقاه من معارضة ومما جاء فيه: «وبعد التداول في الأمر تقرر إنجاز الفكرة، فعهدت الكتلة إلي بإعداد مشروع الحزب الجديد، كما عينت لدراسة الأولى عضوين آخرين هما علال الفاسي وعمر بن عبد الجليل، فكنا نؤلف لجنة المشروع قبل عرضه للمناقشة والمصادقة... وقد وضعت فعلا مشروع قانون يكفل للحزب الجديد نظاما ديموقراطيا محكما بصفته حزبا عصريا على نسق الأحزاب السياسية الحرة المعروفة في الأمم الراقية بأوربا والشرق العربي... ثم عقدنا اجتماعا ثلاثيا... وقد فوجئت في بداية الاجتماع بمشروع مضاد أتى به علال الفاسي الذي قال أنه فكر من جهته في الأمر، وإن لم يكن مكلفا بوضع أي مشروع... وأمام ما جد في الاجتماع وبالرغم عما باغتني فيه لم أرفض مبدئيا الاطلاع على ما في القانون الحزبي التونسي (المقترح تبنيه في مشروع علال الفاسي) ولكن بعدما ننتهي من دراسة المشروع الأساسي الذي أعددته، ولشد ما اندهشت حينما رأيت الرفيقين يفضلان اتخاذ قانون حزب الدستور التونسي البورقيبي (المنشق عن حزب الدستور التونسي الذي كان يتزعمه عبد العزيز الثعالبي) قانونا لحزبنا عملا بقوله تعالى «وكفى الله المومنين القتال»، وهكذا أريد إبعاد مشروعي اكتفاء بغيره، فحاولت ما استطعت إقناعهما بأن هذا التقليد الأعمى غير لائق بنا، وأن هذا القانون لا يتفق مع مثلنا العليا ومبادئنا واتجاهاتنا وأهدافنا، فنحن حركة وطنية حرة تحريرية وشعبية ديموقراطية تعادي كل استبداد وطغيان أكان في الداخل أم في الخارج» وبعد حديثه عن محاولته إقناع رفيقيه بوجهة نظره ختمه قائلا: «وهكذا نشأ الاختلاف بين وجهات النظر في اللجنة الثلاثية فتأجل الاجتماع إلى أجل مسمى ثم ثبت لي فيما بعد أن الكتلة كانت متحيزة لنظرية عضوي اللجنة الصغرى، وهنا لمست بوضوح تواطؤا بين هؤلاء وأولئك». هذا ما أورده الوزاني بشأن اللجنة المكلفة بإعداد المشروع، أما ما رواه علال الفاسي فهو مخالف لذلك إذ خصص حيزا من كتابه «الحركات الاستقلالية في المغرب العربي» (ص151) ورد فيه «وهكذا تكون بالحصول على بعض الجرائد وبتأييد الأحزاب الفرنسية التي في الحكمة جوّ- أصبحنا نعتقد معه في إمكانية تنظيم حركتنا على غرار الأحزاب المنظمة الكبرى، ولذلك عقدت الكتلة اجتماعا عاما بفاس وقررت أن تفتح لها مكاتب، وتضع قانونا جديدا يمكن من مشاركة أنصار الحركة وأعضائها في اختيار المسيرين ومراقبة أعمالهم، وأوكلت اللجنة لي وللوزاني وضع مشروع لقوانين الكتلة الجديدة، فاجتمعنا نحن الاثنين ووضعنا الأصول التي نعتمد عليها في وضع القوانين وتكلفت بتحريرها، وبعد أن انتهينا من مهمتنا عرضنا على الكتلة في اجتماع عام ثان مشروعنا ودافعنا عنه مادة مادة حتى أقره الجميع بصيغته النهائية مع إدخال بعض التعديلات عليه...». وفي فقرة أخرى من نفس المذكرات يتطرق الوزاني إلى ما جرى في اجتماع عقدته الكتلة بعد إعداد المشروع فقال: «ومنذ ذلك الحين أصبحت أشد تبصرا وحذرا إلى أن فاجائتني الأيام القريبة بما كانت به حبلى، حيث انكشف السر بمناسبة اجتماع عقدته الكتلة بفاس وكان الحاضرون تسعة بمن فيهم أعضاء اعتادوا التخلف عن اجتماعاتها أو كانوا لا يحضرون إلا نادرا جدا... وكان موضوع الجمع الشروع في تطبيق القانون المقتبس من القانون الحزبي التونسي، وذلك بانتخاب اللجنة التنفيذية التي ستتولى إخراج الحزب إلى حيز الوجود بتنظيم جهازه وفتح مركزه ومكاتبه... وتم هذا الاجتماع في يناير 1937 بدعوى التصويت في دائرته الضيقة وفي كتمان تام عن الأغلبية الساحقة من العناصر الوطنية العاملة في فاس والمغرب أجمع... وأثناء الاجتماع السري المصغر، لاحظت ما أكد لي ما تقدم، وما جعل الأمر يعصوصب بدءا وختاما، وكان الحاضرون القلائل حريصين أشد ما يكون الحرص على الإسراع بتنفيذ الخطة المرسومة لعملية التصويت المدبر سلفا، فوزعت بطائق التصويت فورا، وسرعان ما جمعت لتكشف عن «السر المكنون» وهو تصويت الحاضرين على أعضاء اللجنة التنفيذية وهم سبعة من التسعة الحاضرين فكأنهم صوتوا تقريبا على أنفسهم، وكانت بطائق التصويت متحدة في أسماء المصوت عليهم والوظائف المسندة إليهم كأعضاء اللجنة المذكورة، مما دل دلالة حسية ومكشوفة على أن التصويت نظم سرا من قبل الاجتماع حتى يخرج وفق الخطة المرسومة... ولما كشف ما سجل في بطائق التصويت ظهر كأن يدا واحدة قد خطته، فكانت النتيجة المفتعلة هي: علال الفاسي رئيس، محمد حسن الوزاني أمين عام، أحمد مكوار أمين الصندوق، محمد اليزيدي وعمر بن عبد الجليل وعبد العزيز بن ادريس ومحمد غازي أعضاء، (نفس التشكيلة وبنفس الترتيب والمهمات التي وردت في كتاب المرحوم علال الفاسي) وقد عبر الوزاني رغم انتخابه أمينا عاما عن رفضه حيث قال: «وأمام هذه اللعبة المفضوحة كان لابد أن أرفض الأمر الواقع لأنه زيف وزيغ في حد ذاته، ولما رأيت أن كل مراجعة لهم ضرب من العبث أكدت رفضي للأمر الواقع بامتناعي من كل عضوية في اللجنة المصطنعة فضلا عن منصب الأمانة العامة»، وبعد حديثه عن المحاولات المبذولة لإقناعه بالعدول عن رفضه في أحد الاجتماعات قال: «ثم انفض الاجتماع فخرجت منه بنتيجة واضحة وهي أن العمل مع جماعة متلاعبة ومتآمرة بالشكل المذكور أصبح متعذرا...» يتبع