وقع ما لم نكن نتصوره في مغرب القرن الواحد والعشرين. وقع ما يجعلنا فاغرين أفواهنا، مشدوهين، لساننا أخرس والكلام حبيس فمنا، من شدة الصدمة: لقد تجرأنا ومنعنا الفارسية من الجامعة لأننا قطعنا علاقتنا مع إيران. قطعنا لسانا من المعرفة من أجل عطب ديبلوماسي! غلقنا بابا كان يطل علينا منه عمر الخيام، لأن أحمدي نجاد رجل أخرق أو لأن وزير خارجية إيران شخص غامض في عواطفه تجاهنا. المغرب على حق أن يغضب من أجل كرامته، ومن أجل أرضه، ولكن ليس من حقه أن يخطيء إزاء لغة من لغات العالم! لنقلها منذ الأول: لم يكن من الممكن أن نتصور ما يقع، لأنه لم يكن من الممكن أن نتصور أن المغرب يمكن أن يكون ضد لغة ما من اللغات! ولا ضد الكتب..! الفارسية، لمن اتخذ القرار لغة سابقة عن خامنائي، وسابقة عن التشيع، وسابقة عن بلعيرج وسابقة عن البحرين وسابقة أيضا عن مدرسة العراقيين بالرباط، وسابقة عن الديبلوماسية. اللغة لا يمكن أن تكون سابقة ديبلوماسية أبدا..!!! لقد قتل هتلر الكثيرين وأفنى شعوبا بكاملها، لكنها ظلت تقرأ هولدرين بلغته، وتقرأ غوته وشيللر، وتقرأ مراثي دوينيو كأنها مراثي البشرية.. وقتل بوش الكثيرين وأفنى شعوبا، لكن لا أحد فكر في أن يكسر كرسيا يجلس فوقه شكسبير أو ينام تحته وايتمان. واللغة الفارسية أعطتنا الكثير ممن نفتخر بهم في اللغة وفي الدين. واللغة الفارسية حلم مصاحب لنا في كل متوننا وفي كل شيء نريده اليوم أن يكون تاما في تقاربنا. الفارسية ليست ماركة مسجلة للملالي ولا ملحقة قنصلية للسفير الإيراني. اللغة الفارسية أكبر منهم جميعا، وأكبر من مشكلة ديبلوماسية. كيف نمنع لغة تكلم بها سلمان الفارسي، وتكلم بها ابن خلكويه والمقفع ؟لا شيء إلا لأن الباب أغلق سياسيا. كيف يمكن أن نمنع لغة ونحن ندعو إلى الانفتاح على العالم؟ لا يوجد قرار صحيح يمكن أن يمس اللغة الفارسية حتى ولو كان كسرى أنو شروان على أبواب ...جوج بغال! أو في كلتة زمور يتربص بنا للهجوم. والربط بين الفارسية والتشيع أمر مثير للتفكه قليلا، لأن التشيع بدأ في العربية، لغة وفضاء وتاريخا. والتشيع بدأ في ديار الأهل الأصفياء وخاصة الرسول عليه السلام. والتشيع هو الذي، بانزياح قليل في التاريخ، كان سبب الدولة المغربية، لأن ادريس الأول، سبط النبي وأحد أفراد عائلته، هرب من الشرق لتشيعه السني غير المفلسف..!!!! نحن أمام وقت ميت في التاريخ واللغة والتدين، وقت ميت للغاية يحير العقل البسيط قبل العقل التاريخي والفلسفي والفقهي.. لا أعتقد بأن منع الفارسية سيقوي الدارجة! أو يخدم مالك و المالكية أو يدعم الجنيد وتصوفه المغربي البديع. أو حتى يضعف إيران في لغتها.. نحن أمام نزعة لتعويض غيض السياسة بموت الثقافة، وهو ما لا يمكن أن يحسب على المغرب اليوم. لأن المغرب اليوم مفتوح لكل اللغات وكل الألسن ولكل ...البلاغات إلا بلاغة المنع.