يذكرنا حادث موت أو انتحار مغني البوب الأمريكي مايكل جاكسون بحادث مماثل وقع في الستينيات من القرن الماضي وكانت بطلته ممثلة الإغراء الشهيرة في هوليود مارلين مونرو التي وضعت حدا لحياتها وهي في سن السادسة والثلاثين من عمرها بعدما أدركت أنها مجرد بائعة للفتنة واللذة والمتعة بتناولها لجرعة زائدة من الدواء . "" وقد شغلت حادثة انتحار هذه الأخيرة صحف العالم وكتبت العديد من التعليقات كان من أبرزها ما نشرته الصحفية الفرنسية فرانسواز جيرورد حيث قالت " هذه الحضارة يجب أن تموت كما ماتت مارلين مونرو وكما تموت القطط والكلاب . إن مارلين مونرو انفصلت عنا بجرأة حين رفضت حضارتنا وقررت أن تكون إنسانة . إننا نحن الغربيين لو أوتينا شجاعة مونرو لتحتم علينا أن نموت أيضا لا بالأقراص بل بوسيلة أخرى تنسجم مع ما نحن عليه من حيوانية وانحطاط " انتهى كلام الصحفية الفرنسية وهو كلام خطير يعكس بوضوح مدى الأزمة الخانقة التي تعيشها المجتمعات الغربية في ظل حضارتها المادية وتعكس ما آلت إليه وضعية الإنسان الغربي النفسية المبنية على الاضطراب والقلق والحيرة المؤدية إلى كل أشكال الانتحار والموت البطيء ، الأمر الذي دفع ببعض المختصين وخبراء الدورات الحضارية إلى دق ناقوس الخطر والإيذان بقرب أفول نجم هذه الحضارة التي تعرف كسادا وإفلاسا على عدة مستويات . على مستوى منظومة القيم مثلا فإن السمة الغالبة في هذه المجتمعات الغربية هي الفوضى الأخلاقية والجنسية والتحرر من كل ما من شأنه أن يعيق إشباع الرغبات لأن في ذلك - كما يظن أصحاب هذه الحضارة - حفاظ على صحتهم النفسية وتحقيق لذواتهم . وطبعا هذه الثورة الجنسية المحمومة التي تعرفها هذه المجتمعات هي ثمرة للمنظومة العقائدية والفكرية التي تؤطر سلوك الإنسان الغربي ، وهي منظومة منبثقة من الفلسفة المادية التي نشأت على أنقاض فكر الكنيسة وعقائدها والتي لا تعير أي اهتمام للقيم وللمثل العليا ولا لقوانين السماء . وهذا سيغموند فرويد مثلا يقول " أن الإنسان لا يحقق ذاته بغير الإشباع الجنسي وكل قيد من دين أو أخلاق أو مجتمع أو تقاليد هو قيد باطل ومدمر لطاقة الإنسان وهو كبت غير مشروع " فكيف للإنسان الغربي الذي تؤطر فكره مثل نظرية فرويد هذه ونظريات أخرى لإيميل دوركهايم وكارل ماركس وبول سارتر التي تصب جميعها في بوثقة واحدة وهي حيوانية الإنسان التي أوحى بها كبيرهم تشارلز داروين في كتابه أصل الأنواع أن يستقيم سلوكه ، وأنى له على ضوء هذا التصور الذي يحمله عل نفسه أن تترقى نفسه وتصرفاته في مدارج الكمال الإنساني ؟ إن هذه الحضارة الغربية كما قال المفكر الفلسطيني منير شفيق في إحدى مؤلفاته هي " حضارة أجمع المفكرون على أنها قامت على أساس العصبية القومية والتفكير المادي وجعلت غايتها حشد القوة وتحقيق السطوة وإطلاق الشهوات الغريزية وإخضاع الشعوب الأخرى واستغلالها وتسخيرها والسيطرة عليها بمختلف الوسائل وفي مقدمتها العنف والقهر والإبادة " وهكذا يضيف الدكتور منير شفيق " فالطريق الذي سار عليه التطور العلمي والتقني في الحضارة الغربية المعاصرة اتجه نحو التضاد مع الطبيعة والبيئة والحاجات الفطرية للإنسان " . وهناك طبعا مفكرون وفلاسفة غربيون لديهم نفس الملاحظات والمؤاخذات على هذه الحضارة الزائفة التي يمكن اعتبارها اليوم مسرحية في آخر فصولها وتوشك أن يسدل الستار عليها ، وأورد لكم في هذا الإطار شهادتين لمفكرين غربيين فقط من باب وشهد شاهد من أهلها . فقد كتب الفيلسوف والطبيب الألماني ألبرت إشفيتسر في مؤلفه فلسفة الحضارة " نحن نعيش اليوم في ظل انهيار الحضارة ، إن حماسنا للتقدم في المعرفة وأسباب القوة التي بلغناها جعلتنا نتصور الحضارة تصورا معيبا ، فإننا نغالي في تقدير انجازاتها المادية ولا نقدر أهمية العنصر الروحي في الحياة حق قدره " . أما العالم والطبيب الفرنسي ألكسيس كاريل فقد كتب عن الحضارة الغربية في مؤلفه الشهير الإنسان ذلك المجهول الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات ومنها اللغة العربية ، وقال " إنها حضارة تجد نفسها في موقف صعب لأنها لا تلائمنا ، لقد أنشئت دون أي معرفة لطبيعتنا الحقيقية إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية وشهوات الناس وأوهامهم ونظرياتهم ورغباتهم .. وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا " ويضيف هذا الطبيب الحائز على جائزة نوبل في الطب والفسيولوجيا " البيئة التي ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا، إننا قوم تعساء لأننا ننحط عقليا وأخلاقيا ". وهي التعاسة نفسها التي شعرت بها مارلين مونرو وعبرت عنها في رسالتها التي أودعتها قبل انتحارها في صندوق الأمانات في مانهاتن بنيويورك والتي كتبت فيها بخط يدها " أشعر بأنني أتعس امرأة على هذه الأرض لم استطع أن أكون أما .. إني امرأة أفضل البيت وإن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة .. لقد ظلمني الناس وأن العمل في السينما يجعل المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة " . في صيف عام 1962 انتحرت الأمريكية مارلين مونرو ، وهذا ما كتبته لحظات قبل انتحارها في لحظة صحوة ضمير ولكنها مع الأسف لم تهتد إلى سبيل آخر لتخليص نفسها من قبضة هذه الحضارة الهمجية التي استغلت أنوثتها وآدميتها أبشع استغلال غير الانتحار والرغبة في التحليق بروحها بعيدا عن زيفها وجحيمها . وفي صيف 2009 أقدمت شابة تونسية على إزهاق روحها أسفا وحزنا على وفاة مايكل جاكسون حيث ذكرت بعض وسائل الإعلام التونسية بأنها لم تعد تطيق حياتها بعد وفاة مغنيها المفضل مايكل جاكسون ، فقد أصيبت الفتاة بالحزن الشديد إثر الإعلان عن وفاة هذا الأخير ، فاختلت بنفسها في غرفتها وقضت يوماً كاملاً في سماع أغانيه ثم شربت كمية كبيرة من الأدوية كانت كافية لنهايتها المأساوية . إنه لأمر مؤسف حقا أن تموت فتاة عربية مسلمة بهذه الكيفية ومن أجل هذه القضية ، ومؤسف حال العديد من شبابنا على امتداد خارطة الوطن العربي الذين أبهرتهم هذه الحضارة وسلبتهم عقولهم بسحرها الخادع وجذبتهم إليها كما تجذب النار الفراشات إليها لكي تقضي عليها . شباب منبهرون أيما انبهار بهذه الحضارة ومتعلقون بقشورها وبنجومها يحبونهم ويعشقونهم حد الجنون ، يموتون بموتهم ، يتشحون بالسواد وينصبون بدواخلهم خيام العزاء ، يبكون وينوحون في منتديات النقاشات على المواقع الالكترونية على فقدانهم ورحيلهم عنهم من غير سابق إنذار ، وينتحرون في نهاية المطاف من هول الصدمة والفاجعة كما فعلت الفتاة التونسية البريئة تغمدها الله بواسع رحمته .. والله يأخذ الحق في من كان السبب في وفاتها ! [email protected]