استغرقت الرحلة إلى مدينة طنجة حوالي ست ساعات، تراكمت خلالها الأسئلة بمفكرتي حول قناة «ميدي 1 سات»: شكلها، غرفة أخبارها، صحافيوها، طاقمها التقني... لم تكن الأسئلة لتنجلي من اهتمامي مادامت لم تجد جوابا لها بعد. بعد الزوال، وبعد استراحة قصيرة بمدينة البوغاز، توجهنا إلى المنطقة الحرة بالمدينة، وفي الطريق كان السائق لبقا في تناول موضوع «المنطقة الحرة»، فاجأني بموسوعية معلوماته، يبدو أنه مُلم بأمور وتطورات التوسع العمراني بطنجة، وبالمنطقة الحرة، التي تتميز بتمركز شركات عالمية ومؤسسات كبرى، لم أدرك بأن حوالي ثلاثين دقيقة من الزمن قد مضت إلا بعد وقوفنا أمام بناية قناة «ميدي1 سات»، والإطلاع على ساعتي اليدوية التي أكدت ذلك فعلا، ابتسم السائق بلباقة وقال: «مرحبا بك في قناة «ميدي 1 سات»... علمت فيما بعد أنه على مساحة 20 ألف متر مربع تتواجد مؤسسة القناة، صحون مقعرة ضخمة توحي بآخر تكنولوجيات البث الرقمي بجودة عالمية، مغروسة فوق أرضية من العشب الأخضر المقصوص بشكل أنيق..أما البناية الرئيسية فتشغل مساحة 5000 متر مربع، وهي مكونة من طابقين منفصلين بشكل عمودي، يتمركز القسم الإداري في أحد شقيها وفي الآخر القسم التقني وغرفة الأخبار التي تضم «استوديو» لتقديم نشرات الأخبار، إضافة إلى «استوديو» لتقديم البرامج، وتعتمد القناة في تعاملها مع الجمهور على اللغتين العربية باتزان لإرضاء كافة تطلعات المشاهدين، تجسيدا لشعار القناة الذي يعبر عن الثقافة المزدوجة، فالدائرة التي يتوسطها الرقم 1 ترمز إلى وحدة شعوب المغرب العربي التي تتقاسم ثقافة مزدوجة، وبالتالي تتحول «ميدي 1سات» إلى قناة تحقق وحدة المغرب العربي. قابلتني جيهان طاهيري، مسؤولة البث وقبلها محمد أسواس المدير الاداري والمالي، بابتسامة وهي تقدم لي أولى مرافق القناة لتكون بمفكرتي مدخلا إيجابيا قد يرضي تطلعاتي ويجيب عن أول الأسئلة المتراكمة بداخلي في انتظار أن التقي مصطفى ملوك المدير العام، ومدير الأخبار عثمان النجاري. كانت غرفة الأخبار الأنيقة توحي بمهنية واقعية، كل شيء بالغرفة يحتل مكانه المخصص بدون إضافات قد تشوش على المشاهد نهم التقاطه للخبر، صادفت خلال إطلالتي على المكان تقديم نشرة الأخبار، حين كانت الصحفية ليلى بوزيدي، التي بدأت مشوارها الصحفي بالقناة الجزائرية العمومية قبل ان تلتحق بقناة «سي. إن. بي. سي العربية» بدبي بدولة الامارات العربية المتحدة، تأخذ مكانها خلف الكاميرا وتلقي ما لديها في بث مباشر، ومعها تذكرت تقديمها لأول نشرة أخبار للقناة لحظة إطلاقها منذ ثلاث سنوات. كانت في نفس الوقت مجموعة من الصحفيين والتقنيين تشتغل كخلية نحل لا يهدأ لها بال، همها الوحيد إنجاح المنتوج الاعلامي وتميزه. على رأس كل ساعة أو نصف الساعة يكون بث نشرة أخبار أو موجز، تلتحق بمقصورة الإخراج مجموعة من التقنيين الذين يتركون مكاتبهم لأداء هذه المهمة، وبالطبع يتواجد ضمنهم المخرج ومساعده، ومساعدا التحرير.. وجدتها فرصة لمتابعة ما يقومون به من مجهود لأجل منح المشاهد في منطقة المغرب المغربي تلفزيونا إخباريا يشبهه، تلفزيونا مغاربيا بخصوصية صوامع مساجده بالأضلاع الأربعة وجاموره بكراته النحاسية. قاعة تحرير «ميدي 1 سات» تضم تنوعا ثقافيا، يختزل المسافة بين ضفتي حوض البحر الابيض المتوسط، كوكتيل متنوع من الصحافيين، من المغرب، سويسرا، فرنسا والاردن، تونس، الجزائر وموريطانيا. لم أصمم على فتح النقاش مع المشتغلين بالمقر الرئيسي للقناة، لكن العفوية جعلت من هذا الأمر واقعا، فقد كان الاحساس بالمسؤولية والانتماء لعالم الصحافة والإعلام حافزا قويا لدى كل من التقيتهم في الحديث عن أمور وتطورات القناة التي خلقت الحدث بامتياز قبل وبعد انطلاق تجربتها، ورغم كل هذا وفي غمرة لقائي بصحفيين شباب وصحفيات مقتدرات في جميع التخصصات، لم أكن يوما أتخيل أنني سألتقي بأصغر صحفي يعيش يوميا تفاصيل الاشتغال على المادة الإعلامية منذ تدفقها وتحريرها وتجهيزها إلى لحظة بثها للمشاهد، كان هذا الصحفي الصغير لا يزال في بطن الصحافية سحر بنسليمان التي لا تفتأ تربت عليه، وكأنها تزوده «ببركة» المهنية وتخبره بأن المنتوج الإعلامي يتطلب مجهودات جبارة ومتواصلة! قدمني مدير الأخبار عثمان النجاري للزملاء فظهر اهتمام وبريق في عيون بعضهم وهم يرحبون بهذا القادم في أدب ولطف، في الوقت الذي كنت استرجع فيه التقنيات العالية في التوثيق والبث والإرسال، وبوابة الانترنيت والبرمجة والتسويق.. كان تدفق المخاطبين يحسسك وأنت تناقش معهم أمور القناة وتطلعاتها، أنك تنتمي لأسرة موحدة رغم اختلاف لهجاتها وجنسياتها، كانت وحدة قناة «ميدي 1 سات» تشكل «بوتقة» يلتف حولها كل الصحفيين والتقنيين للخروج برؤية واحدة تروم مواصلة رفع التحدي المستمر منذ انطلاق بثها أول مرة سنة 2006. ورغم أن عمر القناة قصير نسبيا إلا أن طاقمها راكم من التجارب ما ينبئ بإشعاع واعد وإمكانية منافسة كبريات القنوات العالمية، كانت الأحاديث متنوعة ومثيرة، تناولت التجهيزات التقنية التي تتوفر عليها القناة والتي تنتمي إلى أحدث ما يروج في ميدان البث الإعلامي العالمي، لكن رغبة تعزيز الموارد البشرية مازالت تؤرق الزملاء، كما أن البحث عن أسلوب وطريقة عمل تشكل مدرسة إخبارية مغاربية محضة يعتبر بمثابة حلم الجميع في هيئتي التحرير العربية والفرنسية. في الطابق العلوي ومباشرة بعد قاعة الأخبار، خصصت مكاتب للصحفيين المتدربين القادمين من المعهد العالي للصحافة والاتصال بالرباط، الشيء الذي ينم عن نظرة مستقبلية للقناة وانفتاحها على الكفاءات الشابة. مضت أزيد من أربع ساعات دون أن أشبع نهمي في سبر أغوار هذه القناة، تمكنت خلالها فعلا من إيجاد إجابات لبعض الأسئلة التي كانت تثقل كاهلي، لكن أسئلة أخرى مازالت عالقة لا يمكن الحصول على أجوبتها في زيارة واحدة، رغم أنها كانت غنية بمعلوماتها، وبأناسها... لقد وجدتني فعلا مُعجبا بهاته القناة، ووجدتني متفائلا بها بيني وبين نفسي كمنبر متميز يتحدث بلسان المغاربة والمغاربيين وحوض البحر الأبيض المتوسط.