اختار عثمان النجاري مدير الأخبار في قناة «ميدي 1 سات» أن يكون لقاؤنا معه أكثر حميمية، واخترته من جهتي أن يكون بعيدا عن أسوار المنطقة الحرة حيث مقر القناة. ضربنا موعدا للقاء غير بعيد عن مقر المحطة الاذاعية «ميدي 1» بوسط المدينة، بعروس الشمال طنجة. فكان أن جلسنا بمقهى فرنسا الشهيرة لنبدد تعب يوم كامل قضيناه معا بين ردهات قناة تلفزيونية لا تزال في بداياتها، تتلمس طريقها نحو قلب الجمهور المغاربي. بين رشفات كأس شاي مغربي بنكهته وطريقة إعداده بهذه المدينة، كان عثمان الذي راكم تجربة مهنية كبيرة في «إذاعة ميدي 1» يتحاشى الحديث عن تجربته بقناة «ميدي 1 سات»، وعن مساهمته في إشعاعها المغاربي والدولي، فتواضعه وتجربته الإعلامية الغنية والمتنوعة، التي راكمها لأزيد من عشرين سنة يغنيانه عن ذلك. غير أن مكتبه المتواضع بالطابق السفلي، الذي يشبه نقطة تقاطع ومركز التقاء بين غرفة الأخبار واستوديو البرامج والاقسام التقنية خير شاهد على كم الضغط اليومي الذي يعيشه مدير الأخبار هذا ويتقاسمه معه بالطبع كل الصحافيين بالقناة. ضغط لا ينفع معه إلا كأس «شاي منعنع» من حجم كبير في طبعته «الطنجاوية» لتأجيل التفكير فيه وفتح دردشة خفيفة حول القناة، واسترجاع ذكريات الأثير.. فالأسرة الصغيرة تنتظر. يتحول المكتب، حيث التقيت عثمان لأول مرة، مع مرور كل تقني أو صحفي، إلى بيت عائلة يمنح النجاري الفرصة لمتابعة سير العمل اليومي بردهات القناة، وتجده بين الفينة والأخرى يبحث عن تفاصيل الأشياء في كل صغيرة وكبيرة وهو يرد السلام على صحفي أو تقني أو يجيب عن الهاتف أو يتابع متواليات الأداء كما تظهر على شاشة الكومبيوتر المثبتة أمامه أو مباشرة بعد كل نشرة أخبار. إن الرجل يكتنز قوة وحضورا لا تكتشفهما إلا وأنت تنصت إليه يدافع عن فكرة أو يحاول شرحها معتمدا الحجة والاقناع. رجل لمست فيه عقلا تلفزيونيا كبيرا وعينا مشاهدة بامتياز ومبدعا تلفزيرنيا يعي جيدا معنى التلفزيون والصورة بعدما خَبِر الإذاعة والصوت بكل تلاوينه. قوته الهادئة، جعلت منه رجل المهام الصعبة في «ميدي 1 سات» وحولته منذ تعيينه مديرا للأخبار بالقناة في شتنبر 2007 خلفا للصحافي السوري رياض معسعس، إلى رجل التوازنات في القناة. ومنحته عفويته الكبيرة، القدرة على أن يعبر ب «ميدي 1 سات» إلى بر الأمان وأن يمكنها من أن تجتاز محنتها بعد غياب بيير كازلطا دون كثير أضرار. حسه المهني الذي يشهد به كل زملائه في «ميدي 1 سات» وحسه الاجتماعي الانساني، الذي هو جزء من خصاله التي يؤكدها لك كل من تصادفه من زملائه القدامى في إذاعة «ميدي 1» ويجزم بها كل من يحالفك الحظ أن تلاقيه من زملائه في الصحافة المكتوبة في محيطه المهني الخارجي بمدينة طنجة، حول المحيطين به من العاملين معه في القناة إلى أسرة صغيرة حقيقية. كما أن واقعه المهني والانساني فرض عليه أن يتحول إلى الأخ الأكبر لهم، مبددا الكثير من تخوفاتهم على مستقبل القناة آنذاك وباعثا فيهم روح الأمل في انتظارأفق جديد، كان هو الآخر ينتظره على أحر من الجمر، لإعطاء انطلاقة جديدة للقناة بروح مهنية متجددة تثق في مستقبل القناة وتدعم التنوع الذي هو مصدر قوتها.