لم يكن تصريح رئيس المقاولين المغاربة حول الدكتاتورية ليمر بدون أن يثير مخاوف كل الذين يتابعون نشاط الباطرونا المغربية. ولم يكن السيد العلمي ليقول ما قاله حول «أفضلياته» الدكتاتورية في بعض المجالات لكي ينطلق المغرب. خطورة التصريحات المنسوبة إليه، تكمن في كون العلمي، وهو يتحدث، يحمل معه وعنه صورة أرباب العمل والمقاولين وجزء من النخبة الاقتصادية. ويحمل بالإضافة إلى ذلك جزءا من مخاوف ظلت تسكن الديمقراطيين حول النزوع غير المعلن نحو تفضيل النماذج الاقتصادوية في معالجة مشاكل البلاد. عندما يقول رجل متخرج من مدرسة حديثة، ورجل يدافع، بهذا القدر أو ذاك عن الليبرالية الاقتصادية، بتصريحات تتضمن أفكارا لم تعد تجد من يدافع عنها علنيا، حتى ولو كانت نسبية ( هل الدكتاتورية، مثل الحقيقة، نسبية؟) ، فهناك ما يدعو الى الخوف غير النسبي! لقد عشنا عقودا طويلة مع هذا النوع من التفكير الذي يقول بأن المغاربة «يحتاجون الخبز ولا يحتاجون السياسة»، وأن المطلوب هو السلطة المطلقة «التي تعلم التّْرابي»، وفي النهاية ما الذي حصل: لم نحقق الخبز كله، ولا الديمقراطية كلها، وبقينا بين السوق وبين البرلمان، ومازلنا لم نقنع شعبنا بأن السياسة مثل الخبز تحتاج إلى أياد نظيفة! لقد كانت دول المعسكر الشرقي بكاملها تعتبر المطلب الديمقراطي ترفا ليبراليا وبرجوازيا، وخيانة للإنسانية.. وبعد سبعين سنة من خطاب التخبيز( من الخبز ) العام، لم يعد قائما سوى جزء من جدار برلين كان يغلق على العديد من الشعوب، تيار الديمقراطية المنعش. في المغرب، كان الداعون إلى القفزة الاقتصادية يفعلون ذلك باسم الفكر الوحيد وعدم جدية الديمقراطية، وانتهى بهم الأمر إلى أن وجهوا إلى صدر الدولة وصدر رئيسها الأسمى بنادقهم. أشك أن يكون السيد العلمي من هذه الطينة، هو الذي يعرف ما معنى أن توجد »ضمانات» وتأمينات على حياة الشعوب من خلال ممارستها لحقوقها السيادية. لكن، الفكرة رهيبة للغاية وخطيرة. لقد سبق لنا أن كتبنا في هذا الركن، أن الرئيس الذي سبقه دفع ثمنا غاليا دفاعه ، المحسوب عليه، عن سلطة الوزير الأول، وكيف ووجه من طرف وزير الداخلية وما إلى ذلك. فلا يجب أن يكون الخيار البديل هو أن يدفع الى آخر ما تبقى في السياسة البشرية. هل يحلم العلمي بالدكتاتورية؟ لا شك أن ذلك سيجعله يبتسم، ولكن هل يعرف ما معنى أن نخلط، هكذا ببساطة، بين الصرامة وبين الدكتاتورية؟ قطعا لا، وهذه خطورة أخرى..