عندما بدأ الخطيبي مساره الفكري، كان يشق طريقا صعبا، وغير مسبوق، وكان يبشر، بالرغم من نقده الحاد للنزعات التبشرية في التفكير، بأفق مغاير. كان فكر الاختلاف، كمقولة صادمة ضربة مغايرة في محيط يسود فيه التفكير التاريخي، أو التاريخاني، تفكير جديد، مصقول، جارف، من أجل عالم انتقل من الكليانيات القاتلة إلى البحث عن منافذ للذاتي وللا-ينقال.. أول تكسير قام به، كان عندما ارتقى بالهوامش، وبالاجتماعي، وبالشفهي المتروك عادة لمن هم أقل «عالمية»، إلى مستوى المنتوج الإنساني والأثر القابل للتفكيك. آه التفكيك..! كان المصطلح بمثابة «كود البين code pin » اليوم، الكلمة السر التي زعزعت الكثير من المنهجيات، وأرجعت الأشياء إلى أصلها المعتم، وإلى البدايات، وفي ما يشبه مسابقة رالي بحثا عن اللاهوتية في المناطق التي نعتقد بأننا لن نجد فيها أية غيبيات..كان كل شيء خاضع للتفتيش الناقد والتقصي.. المفكر الباحث عن المعنى كمن يفكك شفرة جريمة ضد الإنسانية، وضد اكتشافها لذاتها ولألقها الذي غطت عليه الكثير من الأقانيم. والذين قرأوا كتابه «الاسم العربي الجريح»، اندهشوا طويلا لكل تلك الترسانة من الأسماء ومن الأجساد المتكاثرة في الجسد المغربي، اندهشوا الى ما في الأمثال وفي الوشم من لحم، ومن طراوة، ومن أحاسيس، وأيضا تأثروا بكل الفيض الاستعاري في التفكير الجديد.. لم يكن عبد الكبير الخطيبي ينتقل من التفكير الفلسفي، التفكيكي إلا لكي يتجه إلى الكتابة الشعرية، أو لكي يجاور العالم الروائي، كما في صيف في استكولهوم. الذاكرة الموشومة التي أرادها كتابة بيوغرافية، كانت في الوقت ذاتها تمرينا شخصيا على تفكيك الأساطير الصغيرة المؤسسة لذاته. معه اكتشفنا الأسطورة المقلوبة، حيث لم يكن للعرب والمسيحيين واليهود أسطورة أوديب الذي يقتل أباه، بل كان لهم نبي الله الذي يهم بقتل ولده.. وملامح أخرى صغيرة تتعلق بالجسد والجنس وبما كان يسميه بالجسد الحمدلي.. واكتشفنا أيضا الأفق الصغير للكثير من القناعات السائدة، ورغبتها في قتل كل مغايرة alterité أو تحاب aimance . لم نلتقه إلا خفافا في الآونة الأخيرة، وللتاريخ لم نفهم ذلك التريث الذي يطبع تدخلاته في الحياة العامة في الأونة الأخيرة، بالرغم من شغفه بالسياسة(كتابه عن الانتقال الديمقراطي وعن المغرب العربي)، وكنا ننتظر منه الثورة من جديد ونحن نستكثر عليه مرضه وعزلته الخصيبة.