كلما تعلق الأمر بشؤون النساء نتلمس الحاجة إلى التحديث والحاجة إلى تفعيل الديمقراطية. فواقع المشاركة السياسية للنساء في المغرب يقتضي وضع مقاربة واضحة لدور المرأة في الحياة السياسية، وكيفية تفعيل مواطنتها في الحياة العامة، وانتقالها من «سياسة المشاركة» إلى المشاركة السياسية. وهذا يتطلب رؤية مسؤولة وواضحة عن سبل تدعيم المواطنة الفعلية لدى النساء، ليس فقط من لدن القطاعات النسائية للأحزاب الديمقراطية، بل إن كل أطراف المجتمع السياسي مدعوة إلى استيعاب أهمية تفعيل دور المرأة في العمل السياسي. صحيح أن وضعية المرأة المغربية قد تطورت في بعض جوانبها، وخاصة منها القانونية، مقارنة مع الماضي القريب، وصحيح أنها حققت مكتسبات عدة تؤكد انخراط المغرب في قضايا الإصلاح. لكن، مع ذلك، ما تزال مشاركتها خجولة في الحقل السياسي. فالتنظيمات التي تستقطب النساء هي في الغالب تنظيمات مهتمة بالأعمال الاجتماعية، بينما تكاد تغيب النساء في المنظمات التي تعنى بتدبير الشأن السياسي. وقد لا نكون مجازفين عندما نعلن أن الأدبيات المرتبطة بقضايا المرأة في الأحزاب الديمقراطية ليست في مستوى المنجزات الإصلاحية الموصولة بإشكالات السياسة والثقافة والمجتمع. فكم نحتاج من الوقت من أجل استنهاض ثقافة المشاركة السياسية للمرأة في المغرب؟ لقد اخترت أن أنظر إلى هذا الموضوع من زاوية المواطنة وحقوق الإنسان، حيث إن دعم النساء في المشاركة السياسية بشكل يعكس حجمهن في المجتمع، يساهم بفعالية في تأكيد حقهن في المواطنة، وفي المساواة، باعتبارهن يشاركن في اتخاذ القرارات التي تهم الحياة السياسية لأوطانهن. وهذا طبعا يفرض تحديات كبرى، بالنظر إلى المنظومة الثقافية التي ما تزال تتحكم في المجتمع المغربي. كما يفترض التأطير والتعبئة الجماعية وتوعية النساء أيضا بأهمية تمتعهن بهذا الحق واهتمامهن بالشأن العام لتحقيق الاندماج الفعلي داخل المجتمع. فالوعي بضرورة تحمّل المرأة للمسؤوليات السياسية وتعاطيها لكل أشكال العمل والنضال السياسي، هو في نهاية الأمر تعبير عن المواطنة. وهذا ما يتطلب فعلا ثقافة سياسية شاملة. كما تمثل المشاركة السياسية للنساء أرقى تعبير للديمقراطية، لأنّها تقوم على مساهمة المواطنين والمواطنات معا في قضايا الوطن. (هل من الضروري أن نستحضر تاء التأنيث في المفاهيم أيضا كي تستوفي دلالتها؟! .. كم ساهمت اللغة التي دأبت على ابتلاع التأنيث في جمع المذكر السالم، في ابتلاع حقوق النساء ! ) إن مقاربة موضوع المشاركة السياسية للنساء في المغرب بكيفية عميقة، يتطلب منا خلخلة الموروث الثقافي الذي لا يواكب الإصلاحات القانونية السائرة بخطى حثيثة نحو التطور. حتى إن هناك تفاوتا واضحا بين ما حققته النساء في الجانب القانوني وما يزخر به الواقع من تراجع وانحسار. وهذا بالضبط ما جعل الدولة تلجأ إلى بعض الإجراءات الاستثنائية لتمكين النساء من السير إلى الأمام لتحقيق ذواتهن وقطع مراحل زمنية تشدهن إلى الوراء. وما أظن التدابير الاستثنائية التي تنص عليها الانتخابات الجماعية القادمة والتي تفترض أن تقفز تمثيلية النساء في الجماعات المحلية من 0,56 % إلى 12 % إلا تحديا كبيرا للمجتمع الذي تعود على شلله النصفي ولم يألف بعد أن توجد النساء في مراكز القرار. ومازال يعتقد أنهن إن أصبن فالأمر يعود إلى من يحيط بهن من الرجال، وإن أخطأن «فمن أنفسهن» ! وهكذا، فبين الإرادة السياسية والواقع تقف عوائق الموروث الثقافي الذي يجعل انخراط النساء في الحياة السياسية أمرا مشوبا بالارتياب. وبغير تدخل إرادة الأحزاب الديمقراطية والحداثية في تحقيق التكافؤ في الفرص والمعاملة التي تنص عليها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فإن الحديث عن التمكين السياسي للنساء سيصبح مجرد حديث روتيني يتكرر عند اقتراب كل موعد انتخابي. لذلك فالاتجاه الذي يمكن التركيز عليه للوصول إلى مشاركة حقيقية للنساء في الحياة السياسية واندماجهن الفعلي في تدبير شؤون المجتمع، هو أن ينمى لديهن الإحساس بالمسؤولية في تنمية البلاد وتطويرها، وهذا الأمر يقتضي تلمس المشكلات الحقيقية التي تعيق الفاعلية السياسية للنساء، والخروج بتصور يحسن تواجدهن في المجتمع، ويحسن كذلك مشاركتهن السياسية، ويعتبرها ترسيخا للممارسة الديمقراطية في تدبير الشأن السياسي. وفي هذا السياق تلعب وسائل الإعلام المختلفة دوراً بارزاً في نشر ثقافة المشاركة السياسية للمرأة، ونشر الوعي بضرورة تشريك النساء والرجال معا لتدبير الحياة العامة في جميع أوجهها من أجل مواطنة كاملة وديمقراطية حقيقية. وهنا لا بد من التذكير بأن استراتيجية الكوتا لم تكن إلا وسيلة من وسائل التوعية بأهمية مشاركة النساء في الحياة السياسية للمجتمع، وأن نمط الإصلاح ووتيرته يقتضيان الانتقال من استراتيجية الكوتا إلى استراتيجية التناصف. وهذا هو السبيل الأسرع لتحقيق المواطنة وإقرار الديمقراطية. ولا يخفى أن استراتيجية التناصف من الوسائل التي لجأت إليها العديد من الحركات الإنسانية والنسائية للنداء بحق النساء في مشاركة متوازنة في تحمل مراكز القرار. وللوصول إلى هذا الهدف، لابد من تجاوز الموروث الثقافي الذي يقوم على احتكار الرجال للفضاءات العامة والمسؤوليات، وتغيير المنظومة التربوية التي تنتج صورا نمطية للنساء والرجال تجسد إقصاء النساء وتغيبهن من الحياة السياسية. وإقرار الحقوق السياسية للمواطنين والمواطنات، والتي ما هي إلا جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. مما يفرض على الأحزاب السياسية الديمقراطية امتلاك الجرأة السياسية في أفق تحقيق المناصفة. لذا أصبح من الضروري التفكير في تفعيل المشاركة السياسية للمرأة، وإشراكها في بلورة السياسات المحلية والوطنية والدولية، ودعم تواجدها في الحياة السياسية والنقابية والثقافية وغيرها. هذه هي الحداثة التي نؤمن بها وهذا هو المغرب الحداثي الذي نريد.