كان من المفروض أن يكون تحرير قطاع النقل الطرقي للبضائع مرجعية يقتدى بها في مجال تحرير باقي أشكال النقل، وخاصة منها نقل المسافرين، ولكن ما تحقق من تقدم في مجال إرساء الاحترافية والشفافية والتخليق لم يرق إلى المستوى الذي يؤمن إمكانية الاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها القطاع، سواء في مجال التشغيل أو في مجال جلب العملة الصلبة والمساهمة في مواجهة ارتفاع كلفة المعيشة. وكان من المفروض كذلك أن يستفيد الكازوال من صنف 10000 جزيئة بدوره من تخفيضات الأسعار المعلن عنها مساء يوم الأحد ودخلت حيز التنفيذ ابتداء من صباح أمس الإثنين ولكن عدم استفادة هذا الصنف من المراجعة الناتجة عن انخفاض الأسعار في الأسواق الدولية لم يحرم المهنيين فقط من فرصة تقليص الكلفة والرفع من القدرة التنافسية ولكنه حرم حتى المواطن الذي لا يملك عربة بمحرك أو حتى دراجة نارية من الاستفادة من تبعات انخفاض سعر البترول وكأن قدره هو أن يتحمل كلفة الغلاء دون أن يستفيد من الرخاء. إن اجتماع المكتب الجامعي للفيدرالية الوطنية للنقل في هذا الوقت بالذات أملته الصعوبات التي صارت تهدد بالمزيد من حالات الإفلاس أو الاضطرار إلى مغادرة القطاع للالتحاق بقطاعات مربحة وأقل مخاطرة كقطاع البناء والمضاربة العقارية، وقد يكون من المنطقي أن نستحضر مكانة هذا القطاع في تسريع وتيرة إنجاز مختلف الخيارات الاقتصادية الكبرى بما فيها البرنامج التعاقدي للإقلاع الصناعي والمخطط الأخضر للنهوض بالقطاع الفلاحي، فبدون قطاع نقل عصري يستجيب لكل المتطلبات اللوجيستيكية ويستفيد من كل الإمكانيات المتاحة في مختلف المجالات بما فيها بناء الطرق والتشجيع على الاستثمار وإبرام المزيد من علاقات التبادل الحر، فإن الخاسر الأكبر سوف لن يكون هو قطاع النقل وإنما الخيارات الاستراتيجية برمتها، ولنا أن نتصور، لفهم طبيعة الإشكالية المطروحة، نوعية المشاكل التي يمكن أن يواجهها المغرب في الوقت الراهن في حال ما إذا قرر الأجانب التوقف عن إنجاز الرحلات التي يقومون بها في المغرب. إن في الدفاع عن قطاع النقل بكل أصنافه دفاع عن استقلالية المغرب وعن تقوية قدراته التنافسية، وما دام أن المناخ العام يتميز بتغليب لغة الحوار والتشاور بين مختلف الأطراف المعنية، فإن جني ثمار هذا التوجه يحتاج اليوم إلى تفعيل وأجرأة ما تم الاتفاق حوله لمعالجة باقي الملفات المطروحة، أما الانتظار والتأجيل فلن يزيد المشاكل إلا تعقيداً.