إذا كان الإبحار على شبكة الانترنيت أمرا متاحا على المستوى التقني، يمكن من الانفتاح على العالم دون قيد، فإن المفاجأة غير السارة بتركياقد تحبط أحيانا آمال مستعملي الأنترنيت. فرسالة «صفحة يتعذر الولوج لها» أصبحت تطرح بشدة إشكالية حرية الإبحار عبر الشبكة العنكبوتية بهذا البلد. ومن بين أهم المواقع الإلكترونية التي «يتعذر الولوج لها»، يأتي موقع «يوتوب» المعروف، في المقدمة، على غرار الصحفات والعناوين التي يحظر الولوج لها والتي يقارب عددها 1600 . فخلال شهر نونبر الماضي، صادقت السلطات التركية بمجلس الاتصالات على قرار قضائي يأمر بإغلاق الموقع، الذي سبق وأن تم تعليقه منذ شهر ماي من سنة 2008. وقد تم تبرير هذا القرار بإقدام هذا الموقع على نشر مواد تسيئ لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وتدافع عن حزب العمال الكردستاني الذي يضم المتمردين الإنفصاليين الأكراد. ولنفس الأسباب أو لأخرى، شرع مجلس الاتصالات، منذ مطلع سنة 2008، في إغلاق ما مجموعه 1591 موقعا إلكترونيا. وقد تم اتخاذ إجراءات المنع بموجب القانون رقم 5651 المتعلق بالجنح التي يتم ارتكابها على الأنترنيت، كما أن أغلب هذه المواقع تم حظرها بناء على شكايات مقدمة من قبل أفراد وجمعيات وهيئات عبرت عن إدانتها للمحتوى «غير اللائق» لهذه المواقع. وحسب المعطيات الصادرة عن المجلس، والتي أوردتها وسائل الإعلام، فإن حوالي نصف قرارات الإغلاق تم اتخاذها بسبب المحتوى ذي الصلة بالاستغلال الجنسي للأطفال، ويأتي المساس بالآداب العامة في المركز الثاني في قائمة أسباب المنع بما مجموعه 539 موقعا مغلقا،متبوعة على التوالي بالألعاب غير القانونية، والدعارة عبر الأنترنيت، وتهريب المخدرات، إضافة إلى التشجيع على السلوكات الإنتحارية. وبالنسبة إلى الإساءة لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، فقد تسببت في إغلاق ما مجموعه 52 موقعا. ولمواجهة هذه الوضعية التي يعتبرها المدافعون عن حرية الولوج إلى المعلومات «مقلقة»، بدأت الأصوات ترتفع للتنديد بهذا المنع الممنهج، وللدعوة إلى تبني إجراءات أخرى مبتكرة وبديلة لمحاربة المحتوى الجنائي لمواقع الأنترنيت. وبالنسبة لمصطفى أكغول رئيس جمعية مستعملي الأنترنيت، فإن إغلاق مواقع الأنترنيت هي بمثابة «سياسة النعامة». وأكد أكغول، مؤخرا، في تصريح ليومية «تودايز زمان»،, أنه لا يتم منع الناس من قيادة السيارات بمبرر كثرة حوادث السير، مشددا على أنه من الضروري التفكير في حلول بديلة، إذ في نظره من غير المقبول وغير المنطقي اللجوء إلى الحل السهل بفرض رقابة على الناس ومنعهم من التواصل مع العالم عبر الأنترنيت. وقد أثارت إجراءات المنع كذلك ردود فعل منظمة «مراسلون بلا حدود» التي أدانت «إصرار» السلطات التركية على إغلاق موقع «يوتوب». وأبرزت المنظمة، في بلاغ نشرته الصحافة، أن فرض رقابة على أرضية للتبادل عبر الأنترنيت يعني المساس بحرية المواطنين الأتراك في الولوج إلى المعلومات. ومن أجل وضع حد لهذه الوضعية، طالبت منظمة «مراسلون بلا حدود»، إضافة إلى منظمات أخرى وجمعيات من المجتمع المدني، بمراجعة القانون رقم5651 المتعلق بالجنح التي يتم ارتكابها على الأنترنيت، الذي يعد، برأيهم، المصدر الأساسي لتدهور حرية التعبير على الأنترنيت في تركيا. ويمنح هذا القانون، الذي تم تطبيقه منذ نونبر من سنة 2007، للمدعي العام إمكانية منع الولوج إلى موقع ما داخل أجل 24 ساعة، مادام مضمونه « يحتمل أنه يشجع على الانتحار، والاستغلال الجنسي للأطفال، وتعاطي المخدرات، والفحشاء، والدعارة » أو « المساس بذاكرةأتاتورك ». والأكيد أنه إذا كان منع المواقع الإلكترونية يمس بحرية الولوج إلى المعلومات، فإن خرق قوانين الأخلاق والآداب من طرف بعض المواقع من شأنه أن يتسبب في كثير من الأضرار داخل المجتمع. (و.م.ع )