لم يتوقف العشرات من الجزارين بخنيفرة، منذ يوم الخميس 5 فبراير 2009، عن احتجاجهم الشديد على إقدام السلطات المحلية بمعية المجلس البلدي على حجز أكثر من 800 كيلو غرام من اللحوم الحمراء كانت في طريقها بشكل طبيعي من المجزرة صوب محلاتهم، وقد تمت مراقبتها والختم عليها من طرف الطبيب البيطري على أساس أنها سليمة وصالحة للاستهلاك وفق المواصفات والشروط الصحية. وتفيد المعطيات التي حصلت عليها «الاتحاد الاشتراكي» أن الوقت الذي كان فيه الجزارون المعنيون بالأمر ينتظرون وصول اللحوم لمحلاتهم، فوجئوا بخبر إقدام الشرطة على حجز السيارة التي كانت تقلها، ولدى اتصال ممثليهم بالشرطة للاستفسار حول الأسباب، اكتفت هذه الأخيرة بما يؤكد أن الأمر يعود إلى تعليمات صادرة عن بلدية المدينة، هذه التي أفادت بصورة جد مفاجئة أن إجراء حجز اللحوم جاء بسبب نقلها على سيارة نقل البضائع (هوندا)، وأن هذه الوسيلة غير شرعية من حيث إخلالها بشروط السلامة الصحية، وبناء على ذلك تم القيام بإتلاف اللحوم المحجوزة بأمر من جهات غير محددة، قبل أن يظهر الطبيب البلدي الذي نصح بتحويل اللحوم المحجوزة لفائدة نزلاء الخيريات، وفي ذلك اعتراف بأن هذه اللحوم صالحة للاستهلاك حتى وهي تنقل إلى غرفة المحجوزات المحاذية للمجزرة. الجزارون وصفوا الإجراء الغريب بالعمل التعسفي من حيث تنفيذه دون سابق إنذار أو إعلام أو حتى تحسيس، وبالتالي فيه مساس غير مبرر بأرزاقهم، وخسارة في حق تجارتهم ما لم يتم تعويضهم عن المحجوز كمطلب مشروع طالما أن اللحوم التي تم حجزها وإتلافها مرخص لها بالتسويق والاستهلاك، وإذا كان المشكل هو سيارة نقل البضائع، فهذه وسيلة يلجأ إليها الجزارون منذ فترة ليست بالقصيرة لنقل بضائعهم من اللحوم، وقد سبق لجهات في السلطة المحلية أن سمحت هي نفسها بالاستعانة بسيارات نقل البضائع، فلماذا القيام اليوم بالإجراء المعلوم بتلك السرعة؟ إضافة إلى أن الجميع على علم بأن الجماعة الحضرية لا تملك غير سيارة يتيمة لنقل اللحوم، ولا تصلح في كل الأحوال إلا لنقل البهائم قبل ذبحها وليس بعده، ولم تعد، بحسب الجزارين، كافية لمدينة مثل خنيفرة اتسعت بشريا وعمرانيا وارتفع فيها عدد ممارسي المهنة، وكان بديهيا أن يضطر الجزارون إلى الاستعانة بسيارة نقل البضائع، وبعد تنفيذ الإجراء لم يكن صاحب السيارة سوى أمين قطاع سيارات نقل البضائع الذي أفرج عنه مقابل «اعتقال» اللحوم بطريقة لن يصلح لها من التعاليق غير صرخة «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق» كما يقول المثل الشعبي. وفي سياق متصل، علق بعض المتتبعين على ما حدث بالقول: إذا كان من حق السلطات، ومن دون مناقشة، القيام بحجز اللحوم التي تراها غير مطابقة لمبدأ شروط الاستهلاك والسلامة الصحية، فلماذا تعمد في غالب الأحيان إلى استعمال «عين ميكا» حيال ظواهر متفشية من قبيل الانتشار المفضوح للذبح السري؟ والمواشي والأبقار التي ترعى بمطارح الأزبال؟ والذبائح التي تنقل على العربات المجرورة والمدفوعة بأكثر من منطقة على صعيد الإقليم؟ واللحوم التي تعرض بالأسواق الأسبوعية تحت الغبار والشمس؟ والرخص التي لا تزداد إلا تناسلا بتلك الطرق العشوائية؟ والوضعية التي يعاني منها جزارو آمالو إغريبن جراء انعدام مجزرة تقيهم مهزلة الذبح في الخلاء؟ وهي تساؤلات من بين مواضيع وإشكالات كثيرا ما أعرب الجزارون عن انشغالهم بها والاحتجاج عليها من باب الحفاظ على صحة المواطن وسمعة المهنة. ولم يتم إلى حدود الآن تحديد المسؤوليات وراء الفعل الغريب، وما يبعث على الأسف حقا هو أن مصادر من الجزارين أكدت أن جهات مسؤولة في الفلاحة والقضاء والداخلية والطب البيطري عبرت عن استغرابها وانتقادها لهذا الفعل، وفي عز حالة الذهول نكتشف حجم العبث من اتصال بعض أعضاء المجلس البلدي «حسي مسي» بالجزارين ووعدوهم بتعويض المتضررين عما ضاع من اللحوم، ومن حق العديد من الجزارين عدم تصديق الأمر أو اعتباره حملة انتخابية، لكن المهم هو أن «العذر أكبر من الزلة» والعكس صحيح هذه المرة، وحينما تصادفت قضية اللحوم المحجوزة مع واقعة تتعلق بسرقة ثور وبيعه لشخص قام بذبحه بالمجزرة، عمد البعض إلى خلط الواقعتين بنية تزييف الحقائق وتشويه سمعة الجزارين. ولم يفت الجزارين بالمناسبة التعبير عن تذمرهم واستيائهم الشديد إزاء الوضعية المتردية التي تعاني منها المجزرة، وعدم توفرها على شروط السلامة الصحية، بسبب تقاعس المجلس البلدي عن الاهتمام بها، وهي حاليا أشبه ما يكون بالمرافق البدائية أو «أقبيات التعذيب» حتى بالرغم من استقبالها يوميا لأعداد كبيرة من رؤوس الأغنام والأبقار، ومداخيلها التي تصب في صندوق الجماعة الحضرية، أما المبرد بها فهو مصاب بعطب لم يجد من يصلحه منذ سنوات، كما أن قنواتها مهملة من دون تطهير أو صيانة مما يجعلها مزرعة أو محمية للفئران والجرذان (الطوبات)، هذه التي تتجول بحرية وأضحت في حجم القطط السمان، أما عن الحالة المتعفنة للسوق المغطاة (المارشي) فحدث ولا حرج من حيث أن هذا المرفق لم يعد يحمل من الأسواق الحضرية غير الاسم. ومن جهة أخرى تشاء الأقدار أن يتزامن الأمر مع خبر يتعلق بمواطن يعمل بمجزرة مريرت عثر على جثته، صباح يوم السبت 7 فبراير 2009، بوادي تطوين العابر للبلدة، وكان الضحية قد جرفه طوفان هذا الوادي ليلة الجمعة على خلفية الأمطار والثلوج القوية التي عرفتها المنطقة.