شهدنا خلال هذه السنة فتح ورش تعديل الميثاق الجماعي (قانون رقم 00-78).وكما نعلم فهذا التعديل، وما استلزمه من نقاشات ومشاورات بين مختلف مكونات المجتمع المغربي المعنية بمسألة تدبير الشأن المحلي، يندرج ضمن مسلسل الإصلاحات الرامية إلى تطوير نظام اللامركزية الترابية ببلادنا، و ترسيخ قيم وتقاليد الديمقراطية المحلية: ديمقراطية القرب.فالهدف الأساسي هو إرساء دعائم الديمقراطية المحلية باعتبارها أساس كل إقلاع اقتصادي واجتماعي.والتأكيد على دمقرطة التسيير الجماعي، يروم بالأساس توفير شروط التنمية المحلية : تنمية مندمجة و مستديمة .على اعتبار أن الجماعة المحلية هي ، كما ينص على ذلك الميثاق الجماعي، مسؤولة عن «التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية» للجماعة. ويكتسي التسيير الجماعي أهمية قصوى، بالنظر إلى كون الجماعة المحلية هي في العمق مدرسة لتعلم الديمقراطية، ففي الجماعات المحلية ، يتعلم الناس، من مختلف الأعمار والجنسين والعقليات، ممارسة الديمقراطية والعمل المدني، يتعلمون كيف يخضعوا إرادتهم/هن للإرادة العامة وكيف يخضعوا جهودهم/هن الخاصة للفعل المشترك.و بذلك يحق القول إن الجماعة المحلية تمثل الفضاء النموذجي لممارسة الديمقراطية المحلية، لأنها الأكثر قربا من المواطنين والمواطنات. هذه الديمقراطية المحلية تستلزم بدورها، و بالضرورة «مشاركة جميع المواطنين مشاركة حقيقية في العمليات السياسية التي تجري في جماعتهم وفي القرارات التي تؤثر في حياتهم.»، فبذلك فقط يصح القول إن الديمقراطية المحلية مبدأ أساسي من المبادئ التي تقوم عليها التنمية المحلية .فعلى حد تعبير طوكفيل:»إن أهمية التدبير الديمقراطي لا تكمن في ما يقوم به، بل في ما يدفع إلى القيام به.»من هنا يستحيل الحديث عن تنمية حقيقية بدون الانخراط الفعلي للجميع(رجال ونساء وشباب ..) في السياسة وفي صنع القرار. إن التنمية المحلية الفعلية إذن تقوم على قرارات يتخذها الفاعلون المحليون، من أجل تحسين أطر عيشهم وتحقيق وجود أفضل، وبناء مستقبل يستجيب لطموحاتهم وأمالهم .أي أن إستراتيجية التنمية المحلية ينبغي أن تنفذ من طرف الساكنة المعنية ومن أجلها.فالتنمية المحلية فعلا هي التي تربط بين فاعلين مختلفين(حسب الجنس، السن والموقع الاجتماعي، الخ) وتوحد بين إراداتهم حول نفس المشروع. لكن إذا كانت اللامركزية، تستهدف في العمق تغيير وتوزيع السلطة وتوازنها، وبالتالي ترسيخ الديمقراطية المحلية، باعتبارها مدخلا ضروريا لتحقيق التنمية المحلية. فعبر اللامركزية كذلك قد يعاد استنساخ نموذج الدولة المركزية على المستوى المحلي، من خلال تحويل أو إسقاط آلياتها التمثيلية على المستوى المحلي.»ليس الدولة التي تنتج المحلي، إنما قد يعاد إنتاجها هي نفسها على المستوى المحلي.» لهذا هناك من يرى أن الديمقراطية المحلية: لا ينبغي أن تحصر اليوم في مجرد الديمقراطية التمثيلية ، بل يتعين أن تشمل في نوع من التكامل، الديمقراطية التشاركية أو المستمرة أو المباشرة، التي تتيح للمواطنين والمواطنات مراقبة ، تتبع والتأثير، بشكل مستمر وفعلي في تدبير الشأن المحلي في الفترات التي تفصل بين الاستشارات الانتخابية...فالساكنة لها الحق في الإخبار والشفافية(فيما يتعلق بالقرارات الإدارية والصفقات العمومية والعقود والاتفاقيات) وفي الاستشارة حول القرارات التي تهمها( عبر استشارات عامة محلية أو عبر تشكيل لجن استشارية محلية).وأساسا لها الحق في أن تلمس على مستوى مضمون القرارات المتخذة محليا احترام للقيم والمبادئ الإنسانية الأساسية ومنها الإنصاف، المساواة والعدالة الاجتماعية. فالأمر يتعلق هنا بمبادئ الديمقراطية المحلية. لكن ما المقصود بالديمقراطية التشاركية ؟ وما حدودها؟ الديمقراطية : بين التمثيلي و التشاركي إذا كانت الديمقراطية تفرض نفسها اليوم، في كل بلدان العالم، باعتبارها الشكل الطبيعي للتنظيم السياسي والمظهر السياسي للحداثة.فيمكن تعريف الديمقراطية على أنها: «الاعتراف بحق الأفراد والجماعات في أن يكونوا صانعين لتاريخهم، ومبدعين لذواتهم ولحياتهم الفردية والجماعية.» لكن مع ذلك هناك عدة علامات تدفعنا جميعا إلى الاعتقاد بان التجربة الديمقراطية اليوم في أزمة (لكن لا بد من التنبيه إلى أنه لكي تكون هناك أزمة ديمقراطية ينبغي أن تكون هناك ديمقراطية أولا...) من تجليات هذه الأزمة نذكر: انخفاض المشاركة السياسية (أزمة التمثيلية السياسية)، حيث بدأ يشعر الناخبون أكثر فأكثر بأنهم غير ممثلين.وبدأ تتحول فئة مهمة من السياسيين إلى محترفين للسياسة(مهنتهم السياسة carriérisme politique !) : مع ما يعنيه ذلك من مراكمة للولايات الانتخابية، ومراكمة لكل أشكال التحايل السياسوي ، و فقدان الاتصال بالحياة اليومية للمواطنين ، ومراعاة المصالح الخاصة فقط. وكذا ضعف الوعي بالمواطنة، وشعور المواطن بأنه مستهلك أكثر منه مواطنا. وبكلمة واحدة: سيادة الشعور بالتهميش والإقصاء من المشاركة السياسية لأسباب اقتصادية ،سياسية، اثنية أو ثقافية... يتبع