من البديهي على أن الشبيبة الاتحادية حظيت بمكانة خاصة، سواء داخل الحزب أو داخل المجتمع، لقد قامت هذه المنظمة بتأطير أجيال من الشباب المغربي و أنتجت نخبا لمغرب اليوم في مختلف مناحي الحياة العامة، كما أن الشبيبة راكمت تجارب عديدة و استفادت بشكل كبير من الطاقات الشابة التي فعلت تاريخ هذه المنظمة، صحيح كذلك على أن الشبيبة عاشت مراحل صعبة في الماضي من توترات و اضطرابات إلا أنها لم تكن لتستسلم تاركة من ورائها الفراغ، بل حاولت في كل لحظة من لحظات تاريخها تجاوز العقبات، فكانت التناقضات داخل هذا الكيان محور و أساس الحركية، و لم يترادف مصطلح السلبية مع مفاهيمها و لم تتاح الفرصة أمام اللغو العابث و الساذج. من المؤكد أن الشبيبة تعاني اليوم أزمة تمت تسميتها بمختلف المسميات، هناك من يقول على أنها أزمة حزب، و يصورها البعض الآخر على أنها أزمة تنظيم كما يصفها آخرون على أنها أزمة متعلقة بأشخاص. كل هذه التوصيفات تتلاقى و يمكن تجميعها في توصيف واحد هو أن الشبيبة الاتحادية اليوم تعيش أزمة عقل، فغياب تصور شمولي يتخذ بعين الاعتبار الضروريات و الأهداف شيء يكرس الركود و الجمود، لقد استنفدت الشبيبة الاتحادية قدرتها على الإبداع و صناعة الحدث، والعودة إلى الواجهة تستدعي أولا تجاوز الذات و البحث عن أدوات الاشتغال، خصوصا و أن الانتظارات كثيرة و القضايا المطروحة في المشهد السياسي تستوجب تدخل و مساهمة الشباب الاتحادي. لن يتم تجاوز هذه الأزمة إلا باستحضار العقل ليس العقل الذهني فقط، بل العقل العملي أيضا، لأن العمل يبقى عنصرا أساسيا لإدراك الحقيقة و الواقع. كل هذه الأمور تفرض على الشبيبة الاتحادية صياغة مشروع متكامل و هادف، غير مرتبط بالظرف فقط، بل مرتبط أيضا بإستراتيجية عمل تتمكن من خلاله المنظمة من استرجاع البريق، خدمة منها للمصلحة الحزبية و المصلحة العامة معا، لن يتوانى الشباب الاتحادي عن التفاعل مع الحركية إن كانت تجسد مطامحه و انشغالاته، و إن التفكير الجاد في مستقبل المنظمة يستلزم إبراز الحكمة و النضج السياسي و ذلك بالتركيز على الأدوار الرئيسية للمنظمة. فبالاهتمام بالدور التكويني و التأطيري، باعتبار الشبيبة مدرسة لإنتاج الأطر الحزبية و الوطنية، ستتمكن هذه الأخيرة من فسح المجال أمام نخب جديدة شابة قادرة على إطفاء نوع من الديناميكية الفكرية و النضالية على المشروع الحداثي التقدمي، كما أن الالتفاف من جديد حول الحركة الطلابية أصبح ضرورة اليوم حتى يعود التسيس و السياسة للحقل الجامعي لأن المدرسة و الجامعة في الآونة الأخيرة أصبحتا عبارة عن إطار لتفريخ البسطاء من التقنيين، أما مسألة الانفتاح و احتضان الحركات الاحتجاجية ستجعل الشبيبة أكثر إلماما بنوعية المطالب الاجتماعية التي من المفروض أن تكون محور نضالها المستمر و حتى يتسنى كذلك للشباب المغربي التعبير عن آرائه ليس فقط من خلال الشارع، بل أيضا من خلال المكونات السياسية التي تتقاسم معه نفس الهموم و التي تساعده على اقتحام عوالم أخرى من باب توزيع الأدوار وتنسيق العمل المشترك، كما أن الدور الإشعاعي للشبيبة الاتحادية يفرض عليها اليوم تصدير الخطاب الحزبي إلى المجتمع من أجل التعريف أكثر بالمشروع الاشتراكي الديمقراطي و من أجل التواصل المباشر مع كل الشرائح التي لا تزال قابعة في التهميش و التي تفرض عليها خلايا التحريف و التمويه أسلوب حياة غير متجانس مع إرادتها. إن الخطاب الاشتراكي الديمقراطي يستطيع النفاذ للعقول المستنيرة، من شباب يطمح إلى حياة أفضل. كل الأدوار لن تكتمل إلا بالدور الاقتراحي-السياسي، فالتصور الشبيبي يعد رافد أساسي للحزب ككل لما يتمتع به من جرأة و من ملامسة حقيقية للواقع، إن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو قدرة الشبيبة الاتحادية على رسم مشروع متكامل و صلب تتمكن من خلاله من جلب الضمير الحزبي إلى الحوار ومناقشة الهموم المشتركة حتى تؤسس لفعل جماعي أساسه المفاوضة و الإقناع وليس الصراع و المجازفة، إن صياغة برنامج عملي تعتبر الطريقة الوحيدة الكفيلة باستحضار الموضوع و تجاوز الذات حتى ينتصر الخبر و يلتزم المبتدأ. على ضوء ما سبق يمكن القول بأن الشبيبة ملزمة اليوم بتعليق خلافاتها و الانكباب التام و السريع على أدوارها، إن تجاوز الذات و استحضار العقل تبقى الطريقة الوحيدة لتصريف اللغة و العمل، لذلك وجب التوجه نحو المستقبل عوض الغوص في هذيان دونما نهاية.