ما الذي يجري بقطاع غزةالفلسطيني؟ أي اسم نطلق عليه ليعبر فعلا عن حقيقة مايقع بهذه المساحة الضيقة الآهلة بالسكان؟ المتتبع لوقائع مايحدث منذ حوالي ثلاثة أسابيع يرصد تسميات متعددة تعبر عنها ثلاثة أطراف على الأقل، كل منها انتقى الكلمات بعناية لتعبر عن موقفه السياسي أو خطه التحريري. في الدقائق الأولى للعدوان الإسرائيلي الجديد على الشعب الفلسطينيبغزة اختارت تل أبيب، وعلى لسان قيادتيها السياسية والعسكرية، أن تسمي وحشيتها وهمجيتها ب«الرصاص المسكوب»، وهي تسمية تخفي وراءها جحيما من النار والأنقاض والأجساد المتفحمة والأشلاء المتناثرة المحاصرة بهذا الجزء من فلسطين. كان ثلاثي القيادة الإسرائيلية، إيهود أولمرت وإيهود باراك وتسيبي ليفني، منتشيا بهذا الإسم الذي يرى من خلاله أن عدوانه سيحقق من خلال رشقة واحدة بالطيران، نصرا يطيح بالمقاومة الفلسطينية بمباغتتها بضربات جوية تشمل كل المقار الأمنية والمراكز الرسمية بالقطاع. وحشدت إسرائيل إعلامها ومعاهد استطلاع الرأي وشبكتها الديبلوماسية.. لتبين أن هناك إجماعا لم يسبق أن تحقق من قبل، يؤيد «رصاصها المسكوب» عشية الانتخابات العامة المقررة في الشهر المقبل. الطرف الثاني، وسائل الإعلام العربية والدولية. لنستعرض بعض التسميات التي أطلقت على العدوان على غزة . قناة «الجزيرة» القطرية، التي تواكب الأحداث وتفتح مجالاها الإعلامي لعدة أطراف من بينها الأصوليون والناطقون الرسميون لمكونات المؤسستين السياسية والعسكرية الإسرائيلية، تسمي ما يحدث ب«الحرب على غزة». أما قناة «العربية» السعودية فتسميها ب«أحداث غزة». وفيما تقدم «الجزيرة » الفلسطينين الذين قضوا في هذا العدوان بأنهم شهداء، تصفهم العربية ب «القتلى». ال«بي بي سي » اللندنية، إذاعة وتلفزة، اختارت لقصاصاتها «هجمات غزة»، أما وكالة الأنباء الفرنسية فتستعمل «النزاع في غزة» أو «الحملة العسكرية على قطاع غزة». وفي رويترز نجد «المواجهات في غزة » أو «الهجوم على غزة»، ويصف راديو سويسرا ما يحدث ب«الاجتياح الإسرائيلي الجديد».. أما « سي ان ان» الأمريكية فتنقل وقائع مايجري تحت عنوان «غزة تحت القصف». إن لكل منبر إعلامي خطه التحريري الذي يعبر عنه باختياره للكلمات في توصيفة للأحداث، وهي كلمات توضح مدى «حيادية» أو انحياز المؤسسة لهذا الطرف أو ذاك. لكن في غزة حيث الصورة أبلغ من كل المصطلحات والتعابير، لن يصبح ل«الحيادية» معنى، أو للصياغة «الحريرية» التي تساوي بين الجلاد والضحية، بين العدوان الهمجي وصرخة الاحتجاج، بين الجحيم الذي ينزل من السماء والموت تحت الأنقاض.. لن يصبح لذلك من اسم سوى الوقوف الى جانب الكيان الصهيوني الذي بنى دولته بقوة النار والمجازر. الطرف الثالث الذي يعبر من خلال الكلمات عن موقفه السياسي هو الدبلوماسية. وإن كان بعض المسؤولين العرب يقولون بما لايؤمنون به، فإن الغرب الرسمي، عموما، يسمي العدوان الإسرائيلي ب «مايحدث في غزة»، وحدها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية، استعملت كلمة عدوان عندما صرحت أمام مجلس الأمن، أن هناك عدوانا لحماس على إسرائيل. وإن تنوعت المسميات، وأبدع الإعلاميون ،السياسيون والديبلوماسيون في اختيار الكلمات وترتيب المصطلحات وانتقاء الصور (تمارس القنوات الغربية تعتيما على صور المجزرة الصهيونية)، فإن هناك حقيقة واحدة: عدوان إسرائيلي همجي وحشي ضد الشعب الفلسطيني المحاصر والمجوع في غزة، ضد أطفاله ونسائه وشيوخه ومؤسساته المدنية. إنها المحرقة التي تستهدف شعبا يطالب بدولته المستقلة ويرفض الاحتلال.