تسلم الدكتور أحمد حسن صبح مهامه كسفير لدولة فلسطين بالمغرب في يوليوز المنصرم بعد مسار طويل في الميدان الدبلوماسي، حيث شغل منصب سفير في عدة دول أوربية وآسيوية وفي أمريكا اللاتينية خاصة ، قبل أن يُتَوَّج هذا المسار بمنصب نائب وزير خارجية فلسطين منذ العام 2006. وبالنظر للأهمية البالغة التي توليها السلطة الوطنية الفلسطينية للعلاقات الفلسطينية المغربية فقد تم تكليفه بسفارة بلده بالرباط، وهو المنصب الذي أعد له مشروعاً طموحاً لتوطيد العلاقات المغربية الفلسطينية على جميع الأصعدة. وحول هذه العلاقات وحول الأوضاع الفلسطينية الداخلية ومستقبل المفاوضات المجمدة مع اسرائيل، كان لنا معه الحوار الذي ننشر الجزء الأول منه اليوم. { سعادة السفير، اعتُمِدتُم سفيراً لدولة فلسطين بالمغرب منذ بضعة أشهر، كيف ترون العلاقات المغربية الفلسطينية، وما هو برنامكم للرقي بهذه العلاقات؟ في البداية، دعني أُعبر عن سعادتي الغامرة بهذا التشريف بأن أكون سفيراً لدولة فلسطين في المغرب، بعد سنوات طويلة قضيتها وكيلا لوزارة الخارجية الفلسطينية أي نائباً لوزير الخارجية. وقبل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، عملت سفيراً لفلسطين في دول عديدة كان آخرها في البرازيل قبل أن أعود للوطن. وجاء تكليفي بهذه المهمة تتويجاً لعلاقات حميمة طيبة دافئة متينة وتاريخية تربط بين المغرب كدولة بكل مكوناتها والقضية الفلسطينية اجتماعياً وسياسياً. وعندما حضرت في يوليوز الماضي، تشرفت بإجراءات سريعة مكنتني مباشرة من البدء بعملي، حينما أتيحت لي الفرصة أن أقدم بسرعة نسخة من أوراق اعتمادي للسيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون، وبعد ذلك بقليل جداً إلى جلالة الملك محمد السادس. وكان لدي صورة واضحة وهي أن مشكلتي بالمغرب هي بسيطة ومعقدة، عليَّ أن أنافس ثلاثاً وثلاثين مليوناً من المواطنين المغاربة عمَّن هو سفير لفلسطين بالمغرب، فالجميع سفراء بالمغرب لفلسطين، ولمست في المغاربة كافة احتضاناً دائماً لفلسطين بكل ما يعني ذلك من تعايش دائم مع آمال الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال والتحرر وآلامه عندما تلم بنا أي مصيبة أو حدث أو إشكال. أهم ما لديَّ من عمل هو مواكبة ذلك، هو التواصل الدائم مع المغرب على كافة الأصعدة لإيصال رسالة فلسطين إليهم، لتبادل المعلومة، لتفعيل كل ما يمكن تفعيله إضافة الى ما هو موجود من قنوات التواصل لمزيد من التفاعل بين المغرب وفلسطين وتجسيد محبة المغاربة لفلسطين إلى برامج محددة تخدم نضال الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. بمعنى أن هناك ثلاثة أمور كبرى يمكن العمل بها ونحن بصددها: أولا على مستوى الدولة المغربية، هناك اتفاقيات موقعة بين فلسطين والمغرب يجري العمل بجهد لتفعيلها وزيادة الاستفادة منها وتعميقها من أجل أن يكون هناك دعم مباشر لصمود الشعب الفلسطيني في أرضه وإنهاء الاحتلال. وفي هذا تحتل القدس مكانة مميزة، كون الارتباط التاريخي للمغرب تجاه القدس من جهة، وكون العاهل المغربي يرأس دائماً لجنة القدس وتحظى برعايته المستمرة. ثانيا: لدينا عدد متزايد من الطلبة ورجال الأعمال الفلسطينيين في المغرب، فالطلبة يستفيدون من مِنح نقدِّرها عاليا تقدمها الدولة المغربية إلي طلبتنا للالتحاق بالجامعات والمعاهد في المغرب. كما أن رجال الأعمال الفلسطينيين يأتون باستمرار للاستثمار في المغرب يعود بالربح على الشعبين المغربي والفلسطيني، ونحن نسعى لتعزيز هذا التواجد. ثالثا: متابعة تظاهرات التضامن الدائم للمغرب مع فلسطين من خلال إعطاء المعلومة الدائمة عما يجري في فلسطين تفصيلا وبالتواصل، مع مكونات الشعب المغربي من أحزاب سياسية وبرلمان بغرفتيه إلى الجامعات إلى المجتمع المدني ومنظماته، إضافة إلى التعامل الدائم والمكثف مع مؤسسات الحكومة المغربية ومؤسسات الجهاز التنفيذي المغربي، والذي حظيت منه منذ وصولي، بمحبة واحتضان هما محل تقدير واحترام. وبهذا الخصوص، يشرفني أن أقول إنه خلال هذه المدة القصيرة التي قضيتها بالمغرب، تمكنا من أن يقوم الرئيس محمود عباس بزيارة رسمية للمغرب خلال الأسابيع القليلة الماضية التقى خلالها بجلالة الملك وبكبار المسؤولين المغاربة وشارك بملتقى القدس الدولي وأقام بيننا ثلاثة أيام عززت من أواصر العلاقة والمحبة التي تربط العاهل المغربي الملك محمد السادس بالرئيس الفلسطيني، مما ينعكس إيجاباً على تعزيز العلاقات الثنائية بين الشعبين وبين الحكومتين، إضافة إلى وصول عدد كبير من الوزراء الفلسطينيين خلال الأشهر الأربعة الماضية بمن فيهم وزير الخارجية ووزير الاقتصاد ووزير التنمية الادارية ووزيرة شؤون المرأة، إضافة إلى وفود عديدة فلسطينية رسمية وأهلية، جاءت إلى المغرب بمناسبات متعددة ولمست معنا محبة المغاربة لفلسطين. { في إطار تتبع الرأي العام المغربي للتطورات الفلسطينية الداخلية، أود من سعادتكم الإجابة عن السؤال التالي: بعد قرار الرئيس أبو مازن عدم الترشح للانتخابات الرئاسية، وبعد إعلان اللجنة الانتخابية تعذر إجراء هذه الانتخابات (بسبب عدم قدرة السلطة على تنظيمها في قطاع غزة) كيف سيكون التعامل مع الفراغ الدستوري مع نهاية الفترة الرئاسية في يناير القادم؟ باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني والمرجعية السياسية والوطنية والقانونية لكافة المؤسسات الفلسطينية بما فيها السلطة الوطنية الفلسطينية. ستعقد منظمة التحرير الفلسطينية اجتماعاً هاماً لمجلسها المركزي وهو الإطار القيادي التنفيذي بين مجلس وطني وآخر لاتخاذ القرارات المناسبة بهذا الخصوص. وسيُعقد هذا المجلس المركزي في 15 دجنبر في رام الله، وهناك تشاور مكثف بين كل مكونات منظمة التحرير الفلسطينية للإجابة عن هذا السؤال الهام السياسي والدستوري والقانوني. والأهم من ذلك، هو أن منظمة التحرير بكل مكوناتها ترى في استمرار الجهود من أجل لأم الجرح واستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء مظاهر الانقسام، هدفاً وطنياً فلسطينياً نسعى إليه دائماً ونحن نتمنى أن يقوم الوسيط المصري بمواصلة جهوده بعد أن قدم ورقة للمصالحة قمنا بالتوقيع عليها، ونأمل أن يُوفق في حمل الطرف الآخر على توقيعها لأن الوحدة الوطنية هي الجواب وهي الرد على هذا السؤال. { وماذا سيكون دور الرئيس محمود عباس؟ الرئيس محمود عباس سيستمر في موقع عمله باعتباره رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، حتى تجري انتخابات رئاسية أخرى، وحتى تحدد الأطر الرسمية لمنظمة التحرير الخطوة الدستورية القادمة، حتى نتمكن جميعاً من الإعلان عما هي الخطوة الأولى تجاه الانتخابات، التي كان يجب أن تعقد في 24 يناير القادم، باعتباره التاريخ الدستوري للرئاسة وللمجلس التشريعي. ونأمل أن نوفق من خلال اجتماع المجلس المركزي في طرح ما هو مُناسب وما هو شافٍ للإجابة عن هذا التساؤل. { رغم الوساطات المبذولة. فقد تعثرت جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس وبين السلطة الوطنية والحكومة في غزة. هل هناك أمل قريب في رأب الصدع واستعادة الوحدة الوطنية. كما أشرت قبل قليل، فإن الإخوة في مصر قدموا تكليلا لجهد مشكور قاموا به على مدى سنتين ورقة للمصالحة، وهي ورقة تفصيلية جاءت نتيجة المواقف التي عُرِضت أثناء جلسات الحوار الطويلة، ورغم أن منظمة التحرير الفلسطينية بكل مكوناتها، كانت لديها تحفظات جدية على هذه الورقة، إلا أن إنجاح مساعي الوساطة والعودة إلى الوحدة الوطنية كهدف أسمى من أن يتم تعطيله من خلال ملاحظات أو تحفظات، إلا أن الرئيس محمود عباس أمر وفده المسافر إلى مصر بأن يوقع على هذه الورقة. ودعني أقول بوضوح، أن ضغوطاً قد مورست على الرئيس محمود عباس كي لا يوقع على هذه الورقة وكي لا يُرسل مبعوثيه إلى القاهرة لتوقيعها، إلا أنه أصر على أن الهدف الوطني الفلسطيني أهم من إرضاء أطراف أجنبية خارجية. لكننا فوجئنا للأسف الشديد بأن هذه الورقة رغم أنها جاءت نتيجة لاتفاق مع حماس قد رُفضت من طرف حماس التي تلكأت وترددت ثم عطلت التوقيع على هذه المذكرة ونحن نأمل من مصر أن تجد الوسيلة المناسبة لإقناع حماس بتوقيع هذه المذكرة. يؤسفني القول بأن مصلحة الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تبقى عرضة لتدخلات إقليمية وخارجية. يؤسفني القول بأن حماس قد تراجعت عن قرارها المعلن بالتوقيع على هذه الورقة بعد تدخلات واضحة من أطراف إقليمية في منطقتنا، مما يؤثر سلباً على مصالحنا الوطنية ومما يعطي نتانياهو الذي يقود حكومة متعصبة، حكومة استيطان واحتلال، حكومة رفضٍ لمتطلبات السلام مبررات للتهرب من مسؤولياته الدولية. نحن نأمل بأن تعيد حماس حساباتها لترى بأن حصار غزة وعدم البدء بإعمار غزة وسحب الذرائع من نتانياهو هي مصالح وطنية فلسطينية عُليا يجب التغلب على الصعاب التي تعترضها من أجل أن نفتح أملا جديداً لشعبنا، سواء كان في غزة أو في الضفة الغربية، فالقضية الفلسطينية أكبر من أن تكون عرضة لدول إقليمية تريد أن تفاوض الولاياتالمتحدةالأمريكية مستعملة ورقة فلسطينية مرة وورقة لبنانية تارة وورقة عراقية تارة أخرى. { تتحدث بعض وسائل الاعلام عن قرب التوصل إلى صفقة كبرى بين حماس والحكومة الاسرائيلية. ألا ترون بأن نجاح هذه الصفقة إن تمت والإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين في سجون اسرائيل من شأنه أن يصب الماء في طاحونة حماس ويؤثر سلباً على السلطة الوطنية الفلسطينية. دعني أقول بكل وضوح، وبعيداً عن أي حسابات ضيقة بأن إطلاق سراح أسير فلسطيني واحد أهم لدينا بكثير من حسابات الربح والخسارة بين الأطراف الفلسطينية الداخلية. فالهدف الفلسطيني السامي والمعلن والموحد هو إطلاق سراح الأسرى جميعاً. وللأسف الشديد، فإن هذه حكومة احتلال، يجب أن تُجبر وأن تتعرض لضغط دولي واسع لإنهاء ظاهرة الاعتقال والاحتجاز لأكثر من عشرة آلاف بطل فلسطيني خلف قضبان السجون الاسرائيلية. نحن نرحب ترحيباً كبيراً بإطلاق سراح كل أسير وأسيرة فلسطينية في صفقة «شاليت» أو في أي وسيلة تفاوض أو وسيلة ضغط يمارسها المجتمع الدولي على اسرائيل، بعيداً مرة أخرى عن الحسابات، من هنا وهناك. فلا تحفظ لدينا حول إطلاق سراح أي أسير. نحن كنا ولازلنا ضد اعتقال أعضاء المجلس التشريعي من حماس ومن غيرها وضد اعتقال أطفالنا ونسائنا ومرضانا في السجون الاسرائيلية. فهناك 121 سيدة فلسطينية في السجون الاسرائيلية وهناك 389 طفل صغير دون الخامسة عشر في السجون الاسرائيلية وهناك 384 أسيراً فلسطينيا في سجون الاحتلال منذ ما قبل 1993، هناك عشرة آلاف أسير فلسطيني كلهم هدفا فلسطينيا نريد إطلاق سراحهم وسنكون أول من يفرح عند خروج أي أسير فلسطيني كان من حماس أو من أي فصيل فلسطيني آخر. فنحن لا نرى فرقاً بين أسير فلسطيني وآخر، وبالتالي، فإن آخر ما يخطر ببالنا هو حسابات الربح والخسارة بين هذا الفصيل وذاك، حينما يتعلق الأمر بمصلحة وطنية عليا مثل إطلاق سراح الأسرى. يتبع