لم يكتب لها أن تستقل حافلة الخط 19 على بعد حوالي 3 دقائق بعد منتصف ظهيرة يوم السبت 27 دجنبر 2008، لكونها كانت متوقفة بالإشارة الضوئية عند تقاطع شارع بئر انزران بطريق الجديدة، فاضطرت إلى مواصلة المشي إلى غاية المحطة المتواجدة على يسار الزنقة المقابلة لمرآب «الطاك» في جهته المتواجدة بشارع بئر انزران. وكان عليها أن تنتظر نصف ساعة ، بالتمام والكمال، إلى حين قدوم حافلة أخرى لنفس الخط، فاستقلتها، أدت ثمن التذكرة وبحثت لها عن موطئ قدم بمشقة، فقد كانت ممتلئة عن آخرها! انتظرت إلى غاية شارع سيدي عبد الرحمان لتظفر بمقعد إلى جانب رجل في الأربعينات من عمره، يحمل رضيعاً بين يديه في شهوره الأولى، كان الأمر عادياً إلى أن استدارت الحافلة نحو شارع أفغانستان ليقرر سائقها عدم الوقوف بالمحطات المتواجدة به، مفضلا الضغط على دواسة الوقود والتفرج من خلال المرآة الجانبية على شبان وشابات، نساء ورجالا، من مختلف الأعمار، بمن فيهم المتقدمون في السن، وهم يركضون خلف «الطوبيس»، أملا في أن يتوقف، إلا أنه واصل مسيره غير مكترث ولامبال بهم، الأمر الذي أثار حفيظة إحدى الشابات التي شرعت في توجيه اللوم والعتاب إلى السائق على عدم توقفه ومعها عدد من الركاب، فقرر الجابي أن ينوب عنه ، متذرعاً بكون الأغلبية هم من أبناء المدارس وهم لا يؤدون واجب التذكرة ويعمدون إلى «السليت»، زيادة على التسبب في الفوضى والهرج! تبرير لم يلق ترحيباً من طرف الركاب المحتجين، سيما أن الشابة أجابت بأنها أبصرت زملاء وزميلات لها يتوفرون على بطاقة الركوب وأدوا ثمنها، فلا يعقل أن يبقوا في «الزنقة» مرميين بدون ذنب، مضيفة أن هؤلاء الطلبة والتلاميذ يعانون الأمرين ومرات عديدة قضوا الساعات قبل الصعود إلى الحافلة مساء، و كثيرة هي المرات التي لم يعودوا فيها إلى منازلهم في فترة الظهيرة، قبل أن تتساءل : وما ذنب كبار السن وغيرهم ممن كانوا واقفين بتلك المحطات، فهل هم أيضا «سلاّتة» ؟ قبل أن تختتم كلامها: «إيلا خايفين من السليت، ديرو كونطرولات واللي سلت عاقبوه ولكن ما تخليوش الناس فالزنقة!». لم يعر السائق أدنى اهتمام لما قيل وللاحتجاجات الصادرة، فهو قد صم آذانه، سلوك استنكره الكثيرون، ما جعل الرجل ، الذي كان مرفوقاً برضيعه، يتحدث بالجهر، عن السلوكات التي «لا تؤدي إلا إلى تراجع وتخلف مجتمعنا، ولا تسهم إلا في تكريس الحقد في نفوس المواطنين» ليحكي لمن كانوا بقربه عن المعاناة التي تكبدها خلال ذلك الصباح بالمستشفى رفقة زوجته التي كانت تجلس في مقعد آخر، من أجل أن يتم فحص رضيعيهما ، حيث انتظرا الساعات، وبينما هما كذلك رفقة آخرين، إذا بسيدة تأتي متأخرة، سلمت على الممرضة وتبادلتا الحديث والضحك والقهقهات بينهما، لتقوم بعد ذلك بإدخالها إلى قاعة الفحص حتى دون أن تؤدي الواجب المادي المطلوب، أمام مرأى ومسمع من المنتظرين! وبينما هو كذلك، اقتربت الحافلة من المحطة القريبة من مستشفى الحسني في اتجاه رياض الألفة، فقام الرجل من مقعده وزوجته مع طفليهما بحذر وانتباه مخافة الوقوع، فخاطب السائق «عفاك أشريف غير هنا الله يخليك»، إلا أن السائق لم يكترث لأمره مستمراً في طريقه، فناداه مرة ثانية: «أسمحمد رانا كندوي معاك راه بغينا نزلو هنا»، فأجابه السائق: «إيلا باغي تنزل زيد لقدام من قبل ماشي حتى الآخر» . فرد عليه الراكب «راه احنا مثقلين واش نوضو ونبقاو نتخضخضو ؟»، فزاد السائق في لامبالاته «ماسوقيش ما تعاودش ليا»، الأمر الذي لم يستسغه لا الأب ولا الركاب الذين منهم من شرع في الاحتجاج «كون كان شي كسوة، كون وقف ليه وْما دْوَاشْ» فأجابه آخر: «ولاش كسوة وغير شي وحدة، ولا شي صاحبو ديك الساعة ما يعقل على حد»، سيما أنه الفعل الذي أتى به فعلا السائق قبل لحظات، فشرع الشخص الراغب في النزول في الاحتجاج عليه ليتطور الأمر إلى السب والقذف والشتم، ثم الإمساك في تلابيب بعضهما البعض، ليجد الركاب أنفسهم أمام مشهد يعرض سلامتهم للخطر، علما بأن السائق زاد من سرعة المحرك، وكان يدير مقود الحافلة يمينا وشمالا، في الوقت الذي سقط فيه عدد من الركاب أرضا أو فوق بعضهم البعض، ويضغط على الفرامل بشكل فجائي يندفع معه الكل الى الأمام، الشيء الذي خلف حالة من الذعر وسط الجميع، فتعالت الصرخات، بينما شرعت بعض الفتيات والنسوة في البكاء بشكل جماعي وهن يعاين سائقاً «مجنوناً» سيتسبب في هلاكهم! رغم مطالبة العديد منهم للسائق بالتوقف من أجل النزول، إلا أنه لم يأبه لنداءاتهم واستمر على حاله في سياقته الجنونية إلى غاية مقر الدائرة الأمنية الجديدة التي تم إحداثها بالوفاق في جزئه المرتبط برياض الألفة، بدعوى أنه المتضرر وأن ما وقع السبب فيه هو الراكب، فنزل الجميع وهم يحتجون ويستنكرون ما تعرضوا له، بينما هنأ بعضهم البعض الآخر على سلامته والخروج من هذه المحنة بأقل الخسائر، هذا في الوقت الذي تفاجأ فيه الجميع بكون الدائرة الأمنية مغلقة ولا يوجد بها أي أحد! كما أن زوج إحدى السيدات المتواجدات بالحافلة ، والتي اتصلت به لإخباره بالواقعة ، أوقف سيارته أمام «الطوبيس» وخرج مندفعاً ومنفعلا لا يعرف ما الذي أصاب زوجته، وكادت الأمور أن تتطور في مشهد آخر إلى ما لا تحمد عقباه، لولا توسلات واستعطافات البعض بمن فيهم «الروسوفور»!