وجد إبراهيم نفسه مرغما على تبديل وجهته اليومية الى مقر العمل من الحي الصناعي بمولاي رشيد، نحو المعاريف، بعدما تمت مطالبته بذلك من طرف الإدارة إثر افتتاح مقر إداري للشركة بشارع بئر إنزاران، ليضطر إلى اقتسام أربع رحلات يومية ذهابا وإيابا مع مستعملي الخط 97، وهو الذي لم تكن تفصله عن مقر الشركة الأم إلا مسافة 10 دقائق مشيا على الأقدام. زيادة على مصاريف «الطوبيس» التي انضافت إلى سلسلة «الصّير» التي تطوق عنق ابراهيم، فقد كان مطالبا ب «التعايش» مع الأجواء المختلفة التي تحبل بها حافلات «مدينة بيس» و«الرفاهية» التي لا تحمل من الصفة سوى الإسم، بما أن مشوار الذهاب والإياب لا يخلو من متاعب ومشاق، إن بسبب الوضعية الميكانيكية المهترئة لمجمل هذه الحافلات، أو بفعل الاكتظاظ، والملاسنات التي تتطور الى مشاحنات، أو كونها تصبح مسرحا للسرقة، وفضاء ل «البيع والشرا» وحتى «السعاية»! كان إبراهيم على علم ، إن بالسمع أو المعاينة، بمحاور الاستجداء التي يتذرع بها المتسولون بالطوبيسات، فمنهم من يدعي إصابته بمرض مزمن يعيقه عن العمل ومنهم من «توفي» والده أو أبواه ويعول إخوته، وهو مطالب بتسديد واجب الكراء، ومنهم «المعاقون» والمغادرون للأسوار السجنية والراغبون في «لعوين» للعودة الى ديارهم... إلخ، إلا أنه خلال ذلك اليوم كان على موعد مع «حلايقي» أقرب الى المتسول منه إلى البائع! جلوسه بكرسي في آخر الحافلة قرب النافذة، سيجعل ناظريه يقعان على مشهد تلاسن طفل وشاب في العشرينات من عمره يحمل «راديو كاسيط» وحقيبة بها أشرطة دينية وقرآنية، عندما توقف «الطوبيس» بالمحطة التي توجد بشارع 2 مارس قبل الانعطاف نحو شارع أنوال، ليتدافعا فيما بينهما رغبة في الوصول الى الحافلة، قبل أن يتملص الطفل وينفلت متجاوزا «الأدراج» بسرعة قبل أن يستقر بداخلها. عدل الطفل من ثيابه «الرثة»، وتقدم في خطوات سريعة الى أن وصل قرب السائق، نظر إليه هذا الأخير ليجد أن ملامحه توحي بأنه لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وإن بدا أكبر من ذلك بفعل التجاعيد التي «أثثت » مقلتيه وبضع ندوب وخدوش على سائر وجهه، ذي البشرة الداكنة بفعل لفحات الشمس، قبل أن يلتفت منتبها للطريق. كان الطفل يرتدي «تريكو» بني اللون وسروال جينز أسود، وصندالا من نوع «حلومة» أو التسمية القديمة «نايك شراجم». فتح العلبة التي كانت بين يديه لتبدو بداخلها علب من العلك بنكهات مختلفة، قبل أن يشرع في عرض سلعته. «خذي البنان أحنان»، «هاك الفنيد أسعيد»، «اللي بغا يدّاوا ها الدوا جا حتى لبين يديه»، «دوا الشقيقة، الراس، الودنين والحناك ، كلشي فهاذا لحكاك»،«وحدة الصباح، وحدة ف 12 ووحدة فالليل»،«أور دونانس المسكين على قد جيبك يالحنين».... وغيرها من الجمل الملحنة في قالب غنائي، استرعت انتباه الجميع ، الذين اشرأبت أعناقهم في اتجاه «المهرِّج» الذي استطاع بمزاحه وخفة دمه أن يجد له «مشترين» يقتنون منه ما يبيعه! أكمل الطفل / البائع جولته بالحافلة، وبعد أن تأكد من أنه لم يبق هناك من يرغب في «شوينغوم»، سيقف جوار السائق في انتظار النزول بالمحطة التالية، وبينما هو كذلك ، إذا بشخص متوقف بنفس المكان ويرتدي زيا يوحي بكونه من مستخدمي شركة النقل، يبادره بقوله «شاد فيهم، بارك تاتريكل على عباد الله»، فأجابه نافيا ذلك بقوله «ليام الأولى كنت كنطلع ما كايديها فيا حد، ايوا وليت كنضحكهم ونفوج عليهم همهم واخا أنا مهموم وخص اللي يفوج عليا» مضيفا «المهم هاذ الطريقة خلات الناس يتعاطفو معايا ويحنو عليا»! قبل أن يقاطعه المتسائل «وحدين خرين قدك راهم كيقراو أو كيديرو شي حاجة اخْرا» فرد عليه الطفل «هاذوك راه عندهم اللي يوكلهم ويشربهم وماحاسينش بالجوع، وأنا كون كنت شبعان كاع ما تشوف وجهي»!