عرفت العاصمة كوالالمبور تطورا كبيرا انعكس على كل بناها التحتية، لكن ذلك لم يحل دون اضطراد الكثافة السكانية بها، وبالتالي أصبحت تعاني من نوع من الازدحام على غرار باقي العواصم العالمية. ومن هناك انبثقت فكرة إحداث مدينة جديدة تسند إليها مهمة احتضان مقرات المؤسسات الحكومية والتمثيليات الديبلوماسية. وهو ما تحقق فعلا بإعطاء الانطلاقة لبناء مدينة «بوتراجايا»، التي سميت بذلك تكريما لأول رئيس وزراء في تاريخ ماليزيا، «تونكو عبد الرحمان بوترا». وكلمة «بوترا» تعني ابن أما «جايا» فتعني النجاح. وتم إعطاء الانطلاقة لبناء هذه المدينة في أكتوبر 1995، ورصدت الحكومة الفيدرالية لهذا المشروع ما يفوق 1.2 مليار دولار. ورغم تأثر عملية البناء بالأزمة المالية لسنة 1997، إلا أن الأشغال بلغت مراحل متقدمة، وتم إنجاز حوالي 60% من المدينة. ومن بين المباني الضخمة التي تثير الزوار هناك مقر رئيس الوزراء، ومسجد بوتراجايا، ومركز بورتاجايا للمؤتمرات، إلى جانب العديد من المقرات الوزارية والفنادق الفخمة. وحسب ما أوضح لنا مرافقنا لقمان، فإن التصور الذي تم وضعه للمدينة يركز على احترام ثلاثة أمور أساسية متمثلة في علاقة الإنسان بالإنسان، من خلال تجنب بناء الأسوار التي من شأنها وضع الحواجز بين العلاقات البشرية، ثم علاقة الإنسان بالطبيعة، حيث أن البعض يسمي «بوتراجايا» بالمدينة وسط الطبيعة، أو الطبيعة داخل المدينة، لكثرة الأشجار والمنتزهات بها، وهو ما تعزز بإحداث بحيرة اصطناعية عملاقة وسط المدينة وتعبرها تسعة جسور بهندسة بديعة، بحيث يماهي كل جسر أحد الجسور العالمية المعروفة. أما التصور الثالث فيكمن في علاقة الإنسان بالله، من خلال توفير دور العبادة، ولعل أبرز ما يثير الزوار ذلك المسجد العظيم الذي أقيم فوق البحيرة الاصطناعية، وتم تزويده بنظام تهوية مستوحى من الحضارة الفرعونية، بحيث يستفيد المسجد من التيارات الهوائية الباردة التي تشكلها مياه البحيرة، بحيث تصعد إلى المسجد عبر دعائم مجوفة. ولقد كان رئيس الوزراء الماليزي السابق، مهاتير محمد، الذي أشرف على المشروع حين انطلاقته، على إضفاء الطابع العربي الإسلامي علي المدينة، حتى أنه خصص مساحة مهمة تعرض جل البلدان الإسلامية في أروقتها أفضل ما أبدعته أيدي صناعها التقليديين من الزخرفة والهندسة البديعة، ويوجد من بين تلك الأروقة رواق خاص بالمغرب. ولكي لا تكون هذه المدينة نسخة من بعض مدن الخليج العربي العصرية، فقد تم التفكير في إحداث حي صيني ومنطقة هندية لإضفاء المزيد من التنوع والغنى على مميزات المدينة.