منذ الغزو الأمريكي للعراق، إنطلق من إسبانيا عشرات المتطوعين ل« الجهاد» في بلاد الرافدين ، أغلبهم مغاربة . وكانت العديد من وسائل الإعلام قد تحدثت إبانها عن مغاربة نفذوا عمليات انتحارية هناك ، وظهرت أسماء لبعض من الذين تم استقطابهم في عدة مدن إسبانية . وفي هذا الإطار نشرت يومية إيل باييس الاسبانية تحقيقا مطولا اعتمد على وثائق سرية تظهر لأول مرة و تهم واحدة من هذه الخلايا التي كانت تنشط في بلدة « فيلانوفا» بإقليمكاطالونيا ، بالأسماء والتواريخ وتفاصيل تجنيد هؤلاء والطريق التي سلكوها للوصول إلى العراق ، حيث أكدت بهذا الخصوص أنه مابين 2003و 2005 تم إرسال حوالي مائة من المتطوعين بعضهم تمكن من تنفيذ عمليات انتحارية خلفت العديد من القتلى. وفيما يلي ترجمة للتحقيق كيف يمكن الالتجاق بالجهاد في العراق ? السر الاكبر حفظا بالنسبة للدرب الذي يقود إلى الانتحار في بغداد، وجد في ورقة مقوى بيضاء على شكل أجندة ، مكتوبة باللغة العربية وتم العثور عليها في شقة داخل إقامة لا تتوفر على مصعد ببلدة « فيلانوفا » ، إقليمكاطالونيا الاسباني ، وتوضح ما الذي يتوجب على المتطوع القيام به بعد الوصول إلى دمشق ، قادما من برشلونة عن طريق فيينا ، بعد أن أصبحت سوريا وجهة لتجمع آلاف من الجهاديين المستعدين للموت في العراق . « بعد الوصول إلى مطار دمشق ، استقل سيارة أجرة واطلب من السائق أن ينقلك إلى منطقة الميرة ، ثمن الرحلة حوالي10 أورو . بهذه المنطقة هناك عدة فنادق بأثمنة مختلفة . اختر الفندق الملازم وبعدها قم بالاتصال بالاخوة محمد شابو ، مصطفى بحيرة أو محمد المعسوري على الرقم التالي .....بدمشق أو بأحمد قدري على هذا الرقم....» تقول الوثيقة . رقم الهاتف الأول يعود إلى مسجد بدرية الذي يؤجر غرفا ل« الفتح الاسلامي» المعروفة بأنها إحدى المنظمات التي تسهل مرور المجاهدين إلى العراق . الرقم الثاني يعود للمغربي محمد القادري أستاذ اللغة العربية بمركز الدراسات بدر الدين الحسن ، وتؤكد مخابرات عدد من الدول الأجنبية، بالإضافة إلى الحرس المدني الاسباني، بأن هذا الأخير اعتقل سنة 2005 لعلاقته مع شبكات جهادية أوروبية ومغاربية وأن مهمته كانت تتجلى في استقبال وإسكان القادمين الجدد إلى سوريا . ويؤكد الحرس المدني الاسباني أن هذه الوثيقة شكلت الدليل الذي سهل لخمسة شبان كانوا يقطنون ب « فيلانوفا» للالتحاق بأبي مصعب الزرقاوي ، حليف أسامة بن لادن في العراق والذي قتل في قصف أمريكي . بدأت هذه الرحلات الشائكة إلى سوريا في خريف 2003 . في تلك الأثناء كان إمام مسجد الفرقان ب«فيلانوفا» ، محمد الصمدي ، يخصص كل خطب الجمعة للحث على الجهاد ، وخارج المسجد كانت تعقد اجتماعات يحضرها أشخاص تم اختيارهم بعناية ويطلقون على أنفسهم إسم « المعصومون من الغرب» ، وكان هؤلاء يستقطبون شبانا مهاجرين بدون لارسالهم إلى العراق . رائد هذا العمل كان هو بلقاسم بلال ، جزائري يبلغ من العمر 31 سنة ، ولم يكن يخفي أفكاره المتطرفة . سبق لبلال أن اشتغل كعامل زراعي في «خايين» ، قبل أن يلتحق بمحل جزارة « الحمراء » في « فيلانوفا» الذي يملكه محمد لمرابط وهو مغربي ، 41 سنة ، يعتقد أنه المستقطب الرئيسي للشبكة . بعد مدة من التحاقه بمحل جزارة لمرابط انتقل بلقاسم إلى بلجيكا ومن هناك استقل طائرة باتجاه دمشق . الاتصالات التي قام بها بلقاسم في العاصمة السورية مكنته من الانتقال إلى الحدود مع العراق ، وبعد أربعة أيام تمكن من التسلل إلى البلد الذي تحتله الولاياتالمتحدة ، تلقى تداريب على يد جماعة «التوحيد والجهاد». وفي 12 نونبر 2003 قاد شاحنة مفخخة في مدينة الناصرية ليفجر قاعدة للجنود الإيطاليين، حيث قتل 28 شخصا بينهم 19 من الجنود. لم يطلب بلال الإذن من عائلته، قبل تنفيذ العملية التي تبنتها القاعدة. بعد شهر من ذلك،انطلق التركي سافيت كارادوك ، 40 سنة ، من «فيلانوفا» إلى سوريا. زوجته الأولى ، الاسبانية أنا ماريا ماركينا ، تقول بأنه تغير بعد أن فقد وظيفته : « كان يشرب الكحول ، يتعامل معي بشكل جيد، لكنه أصبح إنسانا آخر بعد أن أخد يتردد على المسجد...كان يريد أن أعتنق أنا وابنتي الإسلام» كما صرحت بذلك لعناصر الحرس المدني . قبل سنتين من ذلك ، كان سافيت قد باع كل ما يملك وتوجه إلى أفغانستان : في فبراير 2002 عاد وهو يعرج وأسر لزوجته أنه حارب الأمريكيين إلى جانب طالبان ، قائلا بأنه كان على متن سيارة عندما انفجرت قنبلة أصيب خلالها في رجليه ، فحملوه إلى مستشفى في باكستان حيث عولج من جراحه بعد أن فقد أغلب أصابع رجليه ، بعدها رحلوه ، تسرد زوجته . قبل أن يسافر إلى سوريا ، في مغامرته الجهادية الثانية ، تزوج سافيت بمسلمة تدعى كريمة بنيديكتو ، التي كان يتحدث إليها عبر الهاتف مستعملا شيفرة خاصة : «تحدثي من مخدع هاتفي ، لا تذكري أية أسماء » كان يقول لها خلال اتصالاته التي كانت تتنصت عليها الشرطة . في دمشق ، لم يعثر سافيت عمن يمكنه من التسلل إلى العراق فعاد إلى كاطالونيا في يناير 2004 . كان خائفا لأن المغربي عبد العظيم أكوداد ، أحد الذين كانوا يعملون على استقطاب المجاهدين في أوروبا اعتقل في بادالونا ، بإقليمكاطالونيا . تحول التركي إلى « جهادي أخفق » التعريف الذي تعطيه المخابرات للذين لم يتمكنوا من الالتحاق بلائحة الانتحاريين ، لكن هؤلاء تحولوا بعد عودتهم إلى مرجع لآخرين . وقد عثر في حاسوبه على صورة الانتحاري الجزائري الذي كان يريد أن يقلده. حسن مردود ، مغربي 41 سنة ، كان هو الثالث الذي أرسله «المعصومون من الغرب» إلى سوريا. شأنه شأن التركي سافيت ، كان مردود يحتفظ في منزله بصورة الانتحاري الجزائري ، وقد سافر إلى سوريا رفقة زوجته لكبيرة شهيد ، مطبقا بالحرف التعليمات التي تضمها الوثيقة المشار إليها ، حيث استقل سيارة أجرة من المطار وأجر شقة بالحي الذي نصح بالتوجه إليه كما توجه إلى مركز الدراسات بدر الدين الحسن، حيث يتم استقبال الجهاديين المتطوعين ، وكان هدفه التوجه إلى العراق . في مارس وصل إلى دمشق المبعوث الخامس من طرف المعصومين من الغرب ، ويتعلق الأمر بالمغربي أحمد سعيد الحسيسني، كان شقيقه التوأم حسن قد قام بنفس الرحلة وأصبح آنذاك يتلقى تداريب داخل العراق على يد جماعة الزرقاوي . كان حسن قد قال لشقيقه خلال اتصال هاتفي : من فضلك لا تتزوج، إبق عازبا » ويعني الزواج في لغة الخلية القيام بعملية انتحارية ، لكن أحمد سعيد الذي كان يعتبر شقيقه بطلا، قرر أن يسير على نفس النهج . اتصل أحمد بصديقه مردود، المبعوث الرابع الى الموت ، استأجرا شقة في الحي المشار اليه وبدآ معا مغامرتهما . في 17 ابريل اعتقلتهما الشرطة السورية لعلاقتهما مع محسن خيبر ، مساعد الزرقاوي والعضو بجماعة أتباع القاعدة والجهاد في بلاد الرافدين وقائد الجماعة الاسلامية المغربية المقاتلة في سوريا. ويعتقد الحرس الاسباني أن الإثنين كانا مصرين على الموت في العراق وقد وضعتهما السلطات السورية خلف القبضان ، وبعد عشرة اشهر تم ترحيلهما الى المغرب. في 13 فبراير 2005 ، وفي نفس الوقت الذي سيتم فيه ترحيل احمد سعيد الحسيسني من سوريا ، توصل والده عبد السلام الحسيسني 74 سنة الصياد المتقاعد والمقيم بالعرائش بمكاملة هاتفية لن ينساها ابدا: حسن مات . وتفاصيل المكالمة كالتالي : عبد السلام الحسيسني : من يتكلم ؟ المتحدث : هل أنت والد حسن ؟ عبد السلام الحسيسني : نعم من انت ؟ المتحدث : أتكلم من العراق لأقول لك بأن حسن قد مات عبد السلام الحسيسني : لماذا ؟ قل لي من قتله ؟ كان حسن الحسيسني واحد من الذين ارسلهم نادي «المعصومون من الغرب» في السادسة والعشرين عندما قضى نحبه في الفلوجة في عملية انتحارية . قبل أشهر من ذلك اتصل بوالدته زهرة ، 60 سنة، واعترف لها بأنه في العراق : ماذا تفعل هناك ؟ سألته ، فأجابها : أنا في العراق وصافي سامحيني . من بين أبنائي الإحدى عشر ، إثنان ذهبا الى العراق . حسن توفي وأحمد سعيد اعتقل في سوريا، ما الذي يمكن ان يقع لنا اكثر من ذلك ، تقول الوالدة . ما لم يكن يعلمه عبد السلام الحسيسني وزوجته، هو أنه في شقة ابنتهما فاطمة في كاستلفيلس، بإنجلترا ، كان يختبئ محمد الكربوزي قائد الجماعة المغربية الاسلامية المقاتلة ، المتحالفة مع بن لادن والتي استقبلت ولديها لإرسالهما إلى موت محقق. ففي مداهمة بلندن لمجموعة كانت تعد لهجوم على مطار هيثرو، ظهرت ورقة عليها عنوان هذه العائلة بإسبانيا واصلت خلية «فيلانوفا» نشاطها وكانت تؤبن بصمت أمواتها . كانت الأخبار تنقل عبر الهاتف : حسن تزوج . وهو ما يعني أن حسن مات . وقد اعترف شهود موضوعون تحت الحماية الآن، أنه بعد وصول خبر وفاة الانتحاري بلقاسم، قام اثنان من اعضاء الخلية بإرسال نقود الى شقيقه بالجزائر، كما يقتضيه «الجهاد» ، مساعدة عائلات الانتحاريين . محمد لمرابط، العقل المدبر لعمليات ارسال المتطوعين إلى العراق كان أيضا مسؤولا بمسجد الفرقان في فيلانوفا، حيث كل جمعة كان يتم حث المصلين على الجهاد . محمد شخص ملتحي متزوج بإنجليزية اعتنقت الإسلام وله ثلاثة أبناء، وكان يحظى باحترام الجالية المسلمة زوجي رجل طيب واستثنائي. ما يقال عنه مجرد أكاذيب، إنه سيناريو محبوك . والدي فارس انجليزي ويساندنا . أقسم بحياة أبنائي بأن زوجي ليس إرهابيا » تؤكد من نوتنغهام «خديجة فيرجينيا بود» زوجة محمد المتخرجة من جامعة لندن والتي تعمل كاستاذة . خديجة سيدة محجبة ورفضت أن تسلم على الصحافي الذي التقاها قبل ذلك كانت الاجتماعات تتواصل ، وبمحل جزارة محمد، سيظهر مرشح آخر للسفر إلى سوريا والالتحاق بالجهاد ، ويتعلق الأمر بالمغربي عيسى بن عثمان ، أحد أتباع محمد . وقد تمكن الحرس المدني الإسباني من تسجيل مكالماتهما الهاتفية وتصوير اجتماعاتهما السرية بكاميرا فيديو . تجنيد عيسى كان مشابها للطريقة التي تم بها تجنيد الانتحاري الجزائري الذي قضى نحبه في الناصرية . كان عيسى يقطن بمنزل محمد ويعمل لديه ، كما كان يقدر كثيرا محمد مرشده الديني ويتزود بما تحتويه مكتبته من كتب جهادية . لقد غسلوا دماغه ، يقول احد الشهود . في ذلك الوقت كان اربعة مرشحين ببروفيل مشابه لعيسى يخضعون لتجنيد مماثل . شبكة «فيلانوفا» لم تكن تسبح لوحدها في هذا اليم ، كان اعضاؤها على علاقة مع مجموعة جهادية اخرى في «سانتا كولوما» باقليم كاطالونيا وهذه الاخيرة كانت تتوفر على مقر في منزل اطلق عليه اسم «القلعة» ومن هناك يتم تنسيق سفر المتطوعين الى العراق انطلاقا من المغرب الجزائر ومصر ، وكان يسيرها المغربي عمر النقشة ، زعيم القاعدة في اوروبا والذي كان يستعد لإرسال متخصص في التفجيرات قصد القيام بعمليات في فرنسا ، إيطاليا و إسبانيا : سيأتي شخص متخصص في النجارة )المتفجرات( . كما جاء في إحدى المكالات الهاتفية التي تم التنصت عليها . كان لمجموعة «سانتا كولوما» مقرا اخر في مدريد تحت مسؤولية الجزائري عبد الرحمان ، وفي مكالمة هاتفية اعترضتها الشرطة الاسبانية قال بعض المنتمين لهذه المجموعة لمتحدثه : لقد تكلمت مع احدهم عن الخطوبة وهو ينتظر يريد الإسراع بالزواج )القيام بعملية انتحارية ( لكن هناك بعض المشاكل . خليتا كاطالونياومدريد كانتا مستقلتين ، لكن القيادة المشتركة كانت تجمعهما ، ويتعلق الأمر بشخص عمر النقشة ، 28 سنة ، أحد قادة القاعدة في أوروبا المكلف بالبحث عن الموارد المالية والانتحاريين، وكان هو من حدد المسارالذي اتخذه الانتحاريون انطلاقا من إسبانيا إلى العراق مرورا من بلجيكا اليونان تركيا وسوريا. مابين مارس وأبريل 2005 توجه أربعة مغاربة آخرين من كاطالونيا إلى الموت . الأول يدعى عبد اللطيف ، اعتقل بالحدود التركية وهو يحمل هوية مزيفة ، الثاني ، عبد الجليل تمكن من الدخول إلى العراق، حيث تلقى على يد عناصر القاعدة تدريبا على كيفية صنع المتفجرات ، وكان مقررا أن ينتقل إلى بلجيكا قبل أن تعتقله السلطات السورية في دمشق ، فيما اعتقل الثالث أيضا ، عبد الإله ، في سوريا قبل أن يتمكن من التسلل إلى العراق . أما الرابع ، محمد سعيد الخف ، فقد اعتقل ببلاد الرافدين ونقل إلى سجن أبو غريب وهناك قد يكون تعرض إلى التعذيب ، حيث اعترف بهوية الانتحاري الجزائري الذي فجر موكبا تابعا للقوات الايطالية في العراق. خلية « المعصومون من المغرب » تم تفكيكها الآن . لمرابط والنقشة المتهم بكونه أحد قادة القاعدة في أوروبا، والانتحاريون الذين أخفقوا في التسلل إلى العراق وعادوا إلى كاطالونيا ، تم اعتقالهم جميعا . خلال التحقيق نفى المعتقلون التهم التي وجهت إليهم، وشددوا على أنهم أبرياء وينتظرون المحاكمة للفصل في قضيتهم . لكن هناك العديد من الشهود الذين أصبحوا تحت حماية السلطات الاسبانية يؤكدون هذه التهم ، غير أنه سرعان ما ظهرت خلايا أخرى في مدن اسبانية متعددة تواصل نفس المهمة لتغذية الموت في العراق .