جمال وهبي: توصلت «المساء»، من مصادر خاصة، باللائحة الكاملة وصور المغاربة المتوجهين إلى العراق للقتال أو للقيام بعمليات «انتحارية». هذا السبق الصحفي، الذي تطلب منا إنجازه مدة شهرين، تمكنا بعده من الحصول على هذا الانفراد على الصعيد الدولي. 91.7 في المائة من المغاربة المتوجهين إلى العراق، أو ما يسمونه ب»دولة العراق الإسلامية»، يطلبون «الاستشهاد» حسب ما هو مدرج في استماراتهم التي يقومون بملئها على الحدود السورية العراقية، بينما أرسل آخرون من تطوان استماراتهم وسيرهم الذاتية عن طريق الأنترنيت. بعضهم يضع في الخانة المخصصة للعمل كلمة «استشهادي»، مثل حالة نبيل أحمد حسن مخلوفي المزداد في 21/04/1984 بمدينة الدارالبيضاء، أو حاتم يزيد محمد، الملقب ب«أبو رواحة» وهو من مدينة الدارالبيضاء. على كل المغاربة المتوجهين ل»الجهاد» في العراق المرور عبر شخص يدعى شاهين، وصفته هي «إداري الحدود»؛ حيث يعمل على استجواب المغاربة والقيام بتصويرهم بآلة رقمية صغيرة، ليقوم بعدها بملء إحدى الاستمارات التي تسمى «معلومات شخصية خاصة بالمهاجرين»، فيما يتصدر واجهة الاستمارة، من جهة اليسار، شعار واسم دولة العراق الإسلامية. وحسب الوثائق التي توصلنا إليها، فإن أكثر من 35 مغربيا من المتوجهين إلى العراق ينحدرون من مدينة الدارالبيضاء، حيث تبلغ نسبتهم 65،4 في المائة، يليهم الشبان التطوانيون بنسبة 19،2 في المائة، فمدينة طنجة 11.5 في المائة، ثم مدينة تارودانت بنسبة 3.8 في المائة. توحي الوثائق بأن «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» يشجع بشكل رسمي التجنيد ضمن صفوفه، فعلى سبيل المثال، تصف إحدى الوثائق، التي تم الحصول عليها، الأدوار والمسؤوليات الخاصة بأعضاء لجان القاعدة المختلفة التي يمكن أن يخدموا فيها. في هذه الوثيقة، تذكر اللجنة الحربية الأهداف التالية: إعداد المقاتلين الشباب وتدريبهم وتنظيمهم من أجل القتال، التنظيم والإشراف من أجل المشاركة في القتال في الميدان، وإعداد البرامج والإجراءات العسكرية، وتقديم الآليات العسكرية المطلوبة من أجل القتال، بالإضافة إلى لجنة الإدارة والتمويل، حيث يتم تقديم أفضل الخدمات الإدارية لكل أعضاء المجموعة وعائلاتهم، مع السهر على توثيق كل الموارد المالية التي تكون في حوزة المغاربة قبل دخولهم العراق لدى قسم «شورى المجاهدين» المشرف على مسك الدفاتر والاستمارات. استمارات الموت على الحدود السورية العراقية، يتم إخضاع «الوافد» المغربي الجديد إلى شبه استنطاق من طرف أعضاء الخلية المشرفين على من يسمونهم ب»المهاجرين». أسئلة تتشابه في مضمونها مع تحقيقات رجال الاستخبارات العالمية. بعض المغاربة يفضلون تدوين لقبهم أو ما يسميه رجال دولة العراق الإسلامية ب»الكنية». الاستمارة تتضمن الاسم، والكنية، والعنوان، والهاتف، وتاريخ الازدياد، وتاريخ الوصول، والتبرعات، والمهنة، والأمانات، وهوية المنسق وكيفية التعرف عليه، وطريقة الوصول إلى الشام، ومراحل الوصول إلى أرض العراق، وسؤال يتعلق بهوية الأشخاص الذين تم اللقاء بهم في الشام، مع ضرورة تحديد أوصافهم، وكيف تعامل المنسق معهم، ثم سؤال يتعلق بالمقدار المالي الذي جلبوه معهم، وكم أخذوا منهم من المال في الشام، وطريقة ذلك، ثم هل يعرف الوافد الجديد شخصا يدعم المجاهدين مع ذكر رقم هاتفه، لتنتهي الاستمارة بسؤال يتعلق بالوصايا التي يريد تركها المغربي الجديد الوافد على العراق لممارسة الجهاد أو للقيام بعمليات انتحارية، في حالة موته هناك. وحسب الوثائق التي تنفرد «المساء» بنشرها، فإن أغلبية المغاربة يتوجهون إلى العراق عبر إسبانيا، فتركيا، ليلتحقوا بعدها بسوريا قبل الدخول إلى العراق، مثل حالة المغربي بدر شوري الملقب ب»أبو محمد العطاوي»، والذي يتوفر على أوراق إقامة إسبانية، بينما يتوجه آخرون إلى تركيا وبعدها يعبرون الحدود إلى سوريا أو «الشام»، حسب تعبير «دولة العراق الإسلامية». لدى قسم الأمانات، يترك المغاربة كل ما بحوزتهم من أموال، والساعة اليدوية، وجواز السفر وكل ما يملكونه، حتى جهاز تحميل الموسيقى(MP3) يتم تركه لدى المشرف على القسم، كما هي حالة المغربي يعلوشن محمد الملقب ب»أبو صفوان»، وهو من مواليد 17/04/1973 بمدينة طنجة. مقاتلو تطوان في بلاد الرافدين مدينة تطوان لها القسط الأوفر من الخمسين «انتحاريا» أو»استشهاديا» مغربيا الذين توجهوا إلى العراق للقيام بعمليات مسلحة هناك، حيث تكشف الوثائق التي توصلنا إليها إلى أسماء بعض شباب حي جامع مزواق بتطوان، كحالة اسماعيل اتهامي سعيد بن صالح الملقب ب»أبو عبد الله» وهو من مواليد 1986، وحمزة أبو حمده عياشي الملقب ب»أبو البراء» والبالغ 19 سنة من العمر، وجمال أحشوش الملقب ب»أبو زيد» والبالغ من العمر 25سنة، ومنصف بنمسعود الملقب ب»أبوحسام»، وغيرهم. لائحة طويلة من شباب تطوان، قرروا القيام بعمليات انتحارية في العراق، اندهشت لحجمها مصالح الاستخبارات الدولية والأمريكية، نظرا إلى العدد الكبير الذي يمثلونه، بالإضافة إلى كون انتحاريي شقة ليغانيس بمدريد بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر ينتمون إلى نفس الحي. مما اضطرت معه واشنطن إلى إرسال وفد مختص من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى المغرب، بهدف الكشف عن طريقة استقطاب هؤلاء الشبان، حيث شنت المصالح الاستخباراتية المغربية حملة اعتقالات واسعة في مدينة تطوان، ابتدأت باعتقال السويدي أحمد الصوفري، فجر يوم 5 دجنبر من سنة 2006، لتليها فيما بعد عمليات اعتقال كثيرة شملت 29 شخصا، من بينهم إمام مسجد جامع مزواق، عبد الإله فتح الله. كما تزامنت الحملة المغربية في تطوان مع اعتقال القوات الأمريكية لقرابة 100 مغربي، وصلوا إلى العراق من أجل «القتال ضد القوات المحتلة». تبقى حالة الأخوين منصف وبلال بنمسعود فريدة من نوعها، فالأسرة تتمتع بمستوى مادي جيد. أبواهما يتوفران على سيارة مرسيدس وأخرى من نوع بوجو، كما تتوفر الأسرة على محلات تجارية، وإقامة من ثلاثة طوابق، توحي لدى الدخول إليها بأنها من إقامات المشارقة، فالبيت مليء بالزرابي المزخرفة، والنقش البديع على الخشب والأثاث والديكور. منصف كان شابا متفوقا في الرياضيات والهندسة والفيزياء واللغات، وأخوه بلال بنمسعود، كان يحلم دائما بأن يصبح كوميديا. «كان أحيانا يؤدي فاصلا كوميديا في بعض الأعراس»، يقول أحد معارفه. ولكن والده لم يكن موافقا على ذلك، حيث خاطبه في إحدى المرات قائلا: «إنه من العار أن يكون فنانا»، يقول محدثنا. لكنهما في النهاية فضلا القتال في العراق على إتمام الدراسة الجامعية أو الإشراف على تجارة الأسرة. أما حمزة أبو حمده عياشي، وحسب ما توصلنا إليه في هذا التحقيق، فهو من أفراد عائلة عبد النبي كونجة (أحد انتحاريي شقة ليغانيس بمدريد) باعتبار أن ابنة عمه متزوجة من كونجة. «لقد كان حمزة دائما يتساءل مع نفسه لماذا فجر كونجة نفسه بعد أحداث مدريد؟»، يقول أقرب أصدقاء حمزة. بعدها سينطلق هذا الأخير في قراءة الكتب الإسلامية، ليفاجئ صديقه بعد شهور بعبارة: «ما أريده هو أن أموت شهيدا»، وهو المصير الذي لاقاه سعيد أخشين، أحد شبان حي جامع مزواق، وفق ما أكدته مصادرنا. المجندون المغاربة في إسبانيا إسبانيا بدورها أصبحت المسلك المفضل للمقاتلين المتوجهين إلى العراق. أكثر من 30 مغربيا، أغلبهم من إقليم كاتالونيا سافروا ل«الجهاد» في العراق بعد أن تم تجنيدهم في الأراضي الإسبانية، حيث قامت الأجهزة الأمنية لهذه الأخيرة بعدة عمليات خاصة في إطار محاربتها للإرهاب، اعتقلت خلالها عدة مغاربة بتهمة «تجنيد مهاجرين مغاربة للجهاد في العراق». في مدينة ريوس بإقليم طاراغونا، تم اعتقال امبارك الجعفري، يوم 5 فبراير الماضي، خلال عملية أطلق عليها اسم «ساتين». بعد أن كان المغرب قد أصدر ضده أمرا دوليا بالاعتقال، باعتبار أن الخلية التي يتهم بالانتماء إليها هي «شبكة تعمل على تجنيد المتطوعين للجهاد في العراق والجزائر وداخل المغرب»، وهي الخلية التي كان قد تم تفكيك بعض عناصرها ما بين شهري يوليوز ودجنبر الماضيين في عمليات مكافحة الإرهاب في المغرب وألمانيا. الخلية كانت قد جندت، حسب مصادر أمنية، منذ بداية شهر ماي الماضي، 32 انتحاريا توجهوا إلى العراق للقيام بعمليات تفجيرية هناك. فيما سجلت تقارير استخباراتية حينها أن «تكوين المتطوعين الجهاديين على صنع أحزمة ناسفة ومتفجرات تم في بعض معسكرات الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر»، مضيفة أن «المغربي امبارك الجعفري تلقى تدريبات عسكرية في معسكرات خاصة تحت إشراف تنظيم القاعدة بأفغانستان». وكان الجعفري، البالغ من العمر حوالي 30 عاما ويشتغل عامل بناء، يقيم منذ ثلاث سنوات بشكل قانوني في إسبانيا، حيث منحت له رخصة الإقامة في 5 يونيو من سنة 2003 من طرف مندوبية حكومة طاراغونا، بعد قبول طلبه رقم: 03-8563. عملية إسبانية أخرى ضد «شبكات تجنيد المغاربة للقتال في العراق» تمت ضد المغربي عبد اللطيف النقاوي، حيث اعتقل بالقرب من منزله الكائن تحت رقم 74 بشارع باو بيفيرير، في منطقة بادالونا ببرشلونة، وذلك للاشتباه في علاقته بتنظيم مرتبط بالإرهاب الإسلامي. وحسب وزير الداخلية الإسباني ألفريدو بيريث روبالكابا، فإن عبد اللطيف كان تحت مراقبتها في إطار عملية «تيغريس» لمكافحة الإرهاب الإسلامي، ويتهم بالمشاركة في إرسال أموال إلى العراق كدعم ل «الجهاد» ضد الغرب، إضافة إلى احتمال تورطه في توفير وثائق هوية مزورة لإسلاميين متطرفين يسافرون بها إلى العراق. عملية «تيغريس» التي قامت بها فرقة الأمن الإسباني لمكافحة الإرهاب أسفرت عن اعتقال 11 شخصا من مدريد ومنطقة كاتالونيا وفلنسية وفي منطقة الأندلس، حيث ذكر بلاغ لوزارة الداخلية حينها أن المعتقلين «يشكلون طرفا في شبكة لها علاقة بتنظيم أنصار الإسلام، والذي يتواجد في عدة دول، حيث يعمل على إرسال المجاهدين إلى العراق، وقد توصلت حينها الأجهزة الأمنية الإسبانية إلى أن المسؤولين الأساسيين في التنظيم مغربيان يقطنان في سوريا.